بقلم رغيب صويلو
ترجمة وتحرير مريم الحمد
خلال كلمته التي ألقاها في افتتاح البرلمان مؤخراً، حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أن تكون تركيا هدف إسرائيل القادم بعد غزة ولبنان!
قال أردوغان: “المكان التالي الذي ستضعه إسرائيل نصب أعينها، أقول لكم بوضوح، سيكون وطننا، فأحلام نتنياهو تشمل الأناضول، ولكن مهما كان الثمن، سوف تواصل تركيا الوقوف ضد إسرائيل ودعوة العالم إلى هذا الموقف المشرف”.
لقد كان ذلك الكلام تصعيداً واضحاً عن سياق تعليقه قبل عام فقط عندما التقى نتنياهو على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث تباهى المسؤولون أمام وسائل الإعلام آنذاك بأنه بعد سنوات من تدهور العلاقات، فقد تحسنت العلاقات بين الجانبين أخيراً.
وفقاً للمسؤولين، فقد كان كلا الجانبين، التركي والإسرائيلي، على استعداد للشروع في صفقة خط أنابيب الغاز لنقل الطاقة الإسرائيلية إلى أوروبا عبر تركيا، أما اليوم، وبعد مرور عام، فقد سقطت العديد من المفاوضات التي كانت تهدف إلى استعادة العلاقات الثنائية مع استمرار قادة البلدين في المشاحنات الكلامية.
في حديثه مع موقع ميدل إيست آي، أشار مصدر تركي، رفض الكشف عن هويته بسبب الحساسيات المحيطة بالقضية، إلى أنه في حين أن الهجوم الذي قادته حماس في 7 أكتوبر من العام الماضي كان مفاجأة لأنقرة، إلا أن السلطات كانت تدرك تماماً أن العلاقة المزدهرة مع إسرائيل لن تدوم طويلاً، ومع ذلك كان الحفاظ على العلاقة مع إسرائيل لحظتها أمراً بالغ الأهمية، ولذلك طُلب من قادة حماس مغادرة البلاد مؤقتاً.
تجدر الإشارة إلى أن حماس أنشأت مكتباً لها في تركيا عام 2011، وذلك بعدما كانت تركيا وسيطاً في صفقة الإفراج عن الجندي جلعاد شاليط مقابل آلاف الأسرى الفلسطينيين.
وفقاً لشخص مطلع على محادثات الوساطة التي جرت بين تركيا وإسرائيل قبل سنوات، فقد “تم التوضيح للمسؤولين الإسرائيليين، بأن أي حرب مع فلسطين أو أي تصعيد كبير في المنطقة يمكن أن يفسد العلاقة مرة أخرى، حيث أكد الأتراك على أن العلاقة يجب أن تكون مؤسسية متبادلة حتى تستمر وسط التوترات السياسية”.
لقد كان العرض التركي واضحا للغاية، أن عليك وضع إسرائيل في مسار سياسي يضمن حل الدولتين لتأمين علاقات تركية إسرائيلية صحية، وأي شيء بخلاف ذلك، سوف يعرض العلاقات بين الجانبين لخطر الانهيار.
الاتفاقيات الأساسية لا تزال قائمة
بعد أن أعلنت إسرائيل الحرب على غزة، قدمت أنقرة نفسها كوسيط محتمل، ولكن مع مرور الوقت، أدرك المسؤولون الأتراك أن نتنياهو لم يكن مهتماً بالتفاوض أصلاً، وأنه إذا ما تابعت تركيا دور الوسيط، فإن وظيفتها الأساسية سوف تتحول إلى إجبار حماس على قبول المطالب الإسرائيلية.
“انتقادات أردوغان تستهدف نتنياهو في الغالب وليس إسرائيل، ومن شأن هذا الأمر السماح لأردوغان بإعادة ضبط العلاقات التركية الإسرائيلية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد” – سونر جاغابتاي- مدير برنامج الأبحاث التركي في معهد واشنطن
بعد ذلك، بدأ خطاب أردوغان بالتصاعد، خاصة مع تضرر أو تدمير ما يقرب من 70% من منازل غزة واعتبار القطاع أخطر مكان في العالم لعيش الأطفال فيه، حتى فرض حظراً تجارياً كاملاً مع إسرائيل في إبريل عام 2024.
لا تعد تركيا الوحيدة، فقد باتت العديد من الدول مضطرة إلى إعادة تقييم علاقاتها مع إسرائيل، خاصة مع مواجهتها اتهامات بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية عقب قضية رفعتها جنوب إفريقيا في أواخر ديسمبر عام 2023.
صرحت وزارة التجارة التركية آنذاك بأن الإجراءات سوف تظل سارية حتى تسمح إسرائيل “بالتدفق الكافي والمتواصل” للمساعدات إلى غزة، ومع ذلك، ظلت العديد من الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، بما في ذلك صفقة الطيران لعام 2022 والتي سمحت للإسرائيليين بالسفر إلى تركيا، سارية.
علاوة على ذلك، لم يتم خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية، بل تم استدعاء السفير التركي من تل أبيب للتشاور، في حين سحبت إسرائيل سفيرها بحجة مخاوف أمنية، وبذلك لا تزال العلاقات بين الدبلوماسيين الأتراك والإسرائيليين قائمة.
الأهم من ذلك، هو أن وكالات الاستخبارات التركية والإسرائيلية لا تزال تتواصل مع بعضها!
في حديثه لموقع ميدل إيست آي، أشار شخص مطلع أنه وفي محاولة للتحايل على تعليق التجارة، فإن البضائع يتم توجيهها الآن عبر دول ثالثة بعد تراجع إسرائيل عن خطط فرض ضرائب إضافية على المنتجات التركية.
من جانب آخر، أوضح المصدر التركي، أن الجانبين اعترفا في الأشهر الأخيرة بأن استئناف العلاقات سيكون صعباً حتى يكون هناك وقف دائم لإطلاق النار، فارتفاع عدد الشهداء في غزة جعل إسرائيل منبوذة إقليمياً، حيث تتردد الدول الإقليمية الآن في التعامل معها علناً.
وأشار المصدر إلى تغيير موقف الحكومة السعودية مثلاً حول صفقة التطبيع المحتملة، والتي تبدو الآن مشروطة بالتزام إسرائيل بحل الدولتين، مؤكداً أن الأتراك ليسوا على علم بذلك، “لكن القادة الإسرائيليين لن يتمكنوا من العثور على شركاء خارج الدول الصغيرة في البلقان لفترة من الوقت”.
براغماتية الرجلين
من ناحية أخرى، اعترف المراقبون الإسرائيليون بأن الثقة التي بنيت في تركيا قد انتهت الآن، وأن التعاون الاستراتيجي من غير المرجح لعدة سنوات قادمة، معتبرين أن الضحية الأخرى للحرب كانت صفقة خط أنابيب الغاز التي أصبحت بعيدة المنال الآن بالنسبة للإسرائيليين.
بالنسبة للبعض، يبدو أن شعبية نتنياهو المتزايدة في صناديق الاقتراع أدت أيضاً إلى تعقيد الأمور، حيث تشير إلى أنه من المرجح أن يبقى رئيسًا للوزراء حتى عام 2026!
يرى مدير برنامج الأبحاث التركي في معهد واشنطن، سونر جاغابتاي، أن أنقرة ترى أن نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالاحتيال وخيانة الأمانة وقبول الرشاوى في 3 فضائح منفصلة لابد أن تتم معاقبته في نهاية المطاف، وذلك بإخراجه من المنصب.
في حديثه لموقع ميدل إيست آي، قال جاغابتاي: “انتقادات أردوغان تستهدف نتنياهو في الغالب وليس إسرائيل، ومن شأن هذا الأمر السماح لأردوغان بإعادة ضبط العلاقات التركية الإسرائيلية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد”.
هناك قضية رئيسية أخرى قد أثرت على العلاقات بين الجانبين، وهي تهميش أنقرة من جهود إعادة الإعمار بعد الحرب في غزة، فقد كان المسؤولون الأتراك مهتمين بذلك كضامن لوقف إطلاق النار، حتى أعربوا علناً عن رغبتهم في أن تصبح تركيا لاعباً رئيسياً في القطاع.
“لن يكون هناك أي حل حقيقي للأزمة الدبلوماسية التركية الإسرائيلية حتى تقرر إسرائيل إنهاء احتلال فلسطين، علينا أن نرى رغبة إسرائيل السياسية بذلك والتزامها بمسار حل الدولتين على أقل تقدير” – مصدر تركي لموقع ميدل إيست آي
أما الحكومة الإسرائيلية، فليس لديها أي خطط للسماح لحكومة أردوغان بلعب أي دور في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار في غزة بخلاف تقديم المساعدات الإنسانية.
يعتقد العقيد المتقاعد ريتش أوتزن، وهو زميل غير مقيم في المجلس الأطلسي، أن نتنياهو أن أردوغان ونتنياهو سوف يواصلان تعايشهما المتوتر، فهو يرى أن “كلا الرجلين لديهما نزعة براغماتية في النهاية، فمن يستطيع التفاوض بشأن المسار المعقد للعودة إلى الاجتماع في نفس الغرفة مرة أخرى؟ إن دفعة من دونالد ترامب قد تفي بالغرض”.
ويتفق أوتزن مع جاغابتاي وما تقوله بعض المصادر الإسرائيلية، بأن الكثير يعتمد على القيادة الأمريكية القادمة، حيث أكد أوتزن أنه “بمجرد أن تبني هاريس مع أردوغان نفس الكيمياء التي كان يمتلكها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مع أردوغان، فسوف تتمكن هاريس من فرض نوع من إعادة ضبط العلاقات”.
يرى محللون أن أي إعادة ضبط ستكون “باردة” بطبيعتها ولن تعني سوى علاقة عملية إجرائية وليس علاقة استراتيجية
وفقاً لجاغابتاي، فإن كلا البلدين يعتمدان اقتصادياً على بعضهما البعض، فيما أوضح أوتزن أن إسرائيل وأنقرة لديهما مصالح جيوسياسية مشتركة، ويعملان ضمن بنية عامة للسياسة الخارجية ذات التوجه الغربي، مما يدفعهما إلى العمل مع روسيا أو الصين أو إيران أو غيرها من القوى العالمية والإقليمية من جانب ويقاومانهما من الجانب الآخر.
أما المصدر التركي المطلع، فقد أكد أنه “لن يكون هناك أي حل حقيقي للأزمة الدبلوماسية التركية الإسرائيلية حتى تقرر إسرائيل إنهاء احتلال فلسطين، علينا أن نرى رغبة إسرائيل السياسية بذلك والتزامها بمسار حل الدولتين على أقل تقدير”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)