بقلم جوليا جيبسون
ترجمة وتحرير مريم الحمد
من الشائع أن يقدم لك الفلسطينيون كأساً من المشروبات الحلوة في أي وقت من باب كرم الضيافة، ولكن من الصعب استيعاب أن تلك قد تكون آخر اللفتات الجميلة البريئة التي قامت بها عائلة البايض، قبل أن تتغير حياتهم للأبد، وذلك قبل أسابيع في يوم الجمعة 21 يوليو على وجه التحديد.
كلمات مؤثرة لأم فلسطينية مليئة بالصبر والرضا بقضاء الله لوالدة الشاب الفلسطيني الشهيد "محمد فؤاد عطا البايض" pic.twitter.com/yM2ffXLhun
— مجلة المجتمع (@mugtama) July 22, 2023
في ظهر ذلك اليوم، قامت القوات الإسرائيلية بقتل الفتى محمد فؤاد البايض والذي لم يتجاوز 17 عاماً، فيما أصابت آخرين بجروح خطيرة، خلال مظاهرة سلمية في قرية أم الصفا شمال رام الله في الضفة الغربية المحتلة، بدأت في موعدها المعتاد بعد صلاة الجمعة، خرج الرجال بسجاداتهم على أكتافهم والفتيات الصغيرات بحجابات ذات ألوان زاهية.
زحفت التظاهرة نحو أحد أطراف القرية حيث يمكن رؤية مستوطنة عطيرت، ولم تكن المظاهرة إلا عرضاً سلمياً مليئاً بالروحانيات التي مثلها المتظاهرون في مقاومة الاحتلال والاضطهاد.
“طمس” السلام
لقد كان الاحتجاج السلمي في إطار الرد على الزيادة الكبيرة في هجمات المستوطنين المدعومين من الحكومة الإسرائيلية ضد القرية، حيث شهدت القرية دخول عدد من المستوطنين المسلحين بالبنادق بحماية جنود وشرطة حرس الحدود، وإطلاق النار على المنازل والسيارات وعربات الإسعاف، وفوق ذلك كله حرق لعدد من السيارات والمنازل!
"أخوي كان بالنسبة إلي أب وأخ وصديق"
شقيقة الشهيد محمد فؤاد البايض تتحدث عن أخيها الذي ارتقى برصاص الاحتلال في قرية أم صفا برام الله أمس. pic.twitter.com/jHFa9Vvfy0
— حنين (@haneenhallabii) July 22, 2023
قرب المستوطنة، استقبلت القوات الإسرائيلية المتظاهرين السلميين بـ4 سيارات جيب مدرعة، وجدار من الجنود يرتدون سترات واقية من الرصاص ووسائد للركبة ونظارات واقية وخوذات، كما هددوا باستخدام بعض الأسلحة، بما في ذلك البنادق المناسبة للرصاص المطاطي وبنادق القنص وبنادق AR-15 و Tavor.
نتيجة لتهديدات القوات الإسرائيلية، اضطر سكان القرية للعودة إلى منازلهم، وما إن أداروا ظهورهم حتى اندفع جندي وأطلق النار من بندقيته باتجاه هدف بعيد غير معروف، ثم أطلقت المدرعات قنابل الغاز المسيل للدموع على الحشد المنسحب، فرد الشباب الفلسطيني بالحجارة، التي تعد رمزاً للمقاومة الشعبية الفلسطينية في مواجهة واحدة من أكبر الميزانيات العسكرية للفرد في العالم، عند سفح التل.
صور من ودراع الفتى محمد فؤاد البايض والذي ارتقى على ارض قرية ام صفا
التفاصيل: https://t.co/748XMyRUlR#رام_الله #ام_صفا #مخيم_الجلزون #رؤيا_فلسطين pic.twitter.com/HxUA0g51hZ— Roya Palestine (@royapalestine) July 21, 2023
أجل، لقد كان عيد ميلاد محمد في الأول من فبراير، حيث ولد عام 2006، وكان عمره 17 عامًا فقط!
لم ينسى الفلسطينيون إكرام مراقبي المنظمات الحقوقية بتقديم المرطبات والمأوى بعيداً عن الغاز المسيل للدموع، وبغض النظر عما كان يجري من عنف متسارع على الأرض، لم تغفل الضيافة الفلسطينية عن إظهار كرمها.
في الوقت الذي كان فيه الجنود يطلقون الغاز المسيل للدموع والرصاص على المراهقين الذين غطوا وجوههم، تجمع العاملون في الهلال الأحمر في فناء استخدم سابقاً للصلاة الجماعية، وقد كانت الروح المعنوية عالية، وتم توزيع الآيس كريم على كبار السن والأطفال الذين كانوا يلعبون الشطرنج وسط كل الفوضى من حولهم، عندما اخترق الهواء دخان كثيف وغاز مسيل للدموع، بعد ذلك استخدم الجنود ذخيرة عالية السرعة.
وفي غضون لحظات، دوى صراخ بين المارة، واندفع طوفان من اللون البرتقالي الفاقع، مسرعاً نحو الضوضاء، من بينهم كان محمد الذي كانت والدته قد وزعت عصير البرتقال على غرباء وقامت بإيوائهم في منزلها.
إعدام؟!
أصيب محمد برصاصة في رأسه من شرفة منزل لا يبعد سوى 20 متراً، فسقطت جمجمته ومعها بركة من الدم، رغم أن محمداً كان بعيداً عن غالبية الشبان الذين “ألقوا حجارة مهددة للحياة”، وفقاً للجيش الإسرائيلي، أثناء نقله إلى منطقة آمنة، لاحظت التغير في لون وجهه ووجود كتلة دم على الجانب الأيمن من رأسه، مما يدل على أن الجنود أطلقوا النار على رأسه.
كيف يمكن تفسير موت محمد، الذي وصل المستشفى متوفياً، على أنه أي شيء سوى الإعدام؟!
وُلد محمد في مخيم الجلزون للاجئين لعائلة من ضحايا النكبة، وفي عام 2009، انتقلت عائلته من المخيم المكتظ إلى أم صفا ، وكان محمد فتى مراهقًا عاديًا يحب ألعاب الفيديو والسيارات والدراجات النارية ، وقد ترك المدرسة لدعم والدته وشقيقاته الثلاث اللواتي أحبهن كثيرًا.
من المسافة التي تم إطلاق النار فيها، كان إعدام محمد ممكناً ولكنه لم يكن مفاجئاً، فقبل وفاته بساعات، كان محمد قد نشر قصة على تيك توك، سلط فيها الضوء على الواقع المأساوي الذي يواجهه الأطفال في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما طلب فيها مسامحته ودفنه بجانب والده.
ويعد محمد واحداً من بين 40 طفلاً قتلوا على يد القوات الإسرائيلية منذ بداية 2023، بعضهم ذنبه وتهمته “إلقاء الحجارة” والبعض الآخر لكونهم فلسطينيين فقط، فالاستخدام المنهجي للقوة القاتلة الذي تستخدمه القوات الإسرائيلية ضد الأطفال الذين لا يشكلون تهديداً، تكتيك وثقته الأمم المتحدة.
وعند الحديث عن البطولات والتضحية، يصبح من السهل أن ننسى أن محمد ورفاقه هم مجرد أولاد، تمحورت طلباته حول ما يلي:
“ادفنني بجانب والدي”
“أخبر عائلتي أنني أحبهم كثيرًا، لا أريد حزنًا أو عزاءً”
“لا تخلع أساوري. عندما أموت”
“لا تضعني في الثلاجة فأنا لا أحب البرد”
“ضع ضوءًا بجانب قبري فأنا أخاف من الظلام”
” لا تنسى عيد ميلادي … “
أجل، لقد كان عيد ميلاد محمد في الأول من فبراير، حيث ولد عام 2006، وكان عمره 17 عامًا فقط!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)