لا قيمة للحقيقة.. عندما يصطف القادة الأوروبيون إلى جانب حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة 

بقلم إميل بادارين

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

لقد أرست إسرائيل وبدعم مباشر من الغرب البنية التحتية المفاهيمية والعنصرية والمكانية للتطهير العرقي والإبادة الجماعية منذ زمن طويل، وخاصة طوال عقود “عملية أوسلو للسلام”.

ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، تجاوزت إسرائيل عتبة الإبادة الجماعية عندما شرعت في تنفيذ “حالة نموذجية من الإبادة الجماعية” والتطهير العرقي بحق 2.3 مليون شخص في غزة، وهي عملية باتت ممارستها تتكشف أيضًا في الضفة الغربية.

وعلى النقيض من عمليات الإبادة الجماعية السابقة التي نفذها الاستعمار الاستيطاني الأوروبي، فإن الإبادة الجماعية التي تتكشف في غزة يتم بثها مباشرة وأمام الجميع، ولذلك، فبالإضافة إلى العزم والقدرات العسكرية، تتطلب الإبادة الجماعية غطاءً دبلوماسيًا وقائيًا وإعلاميًا دعائيًا وهو ما قام بتوفيره الاتحاد الأوروبي إلى جانب الولايات المتحدة.

يتم قصف غزة بطريقة منهجية تم تصميمها كمشهد إبادة جماعية، حيث قتلت إسرائيل حتى وقت إعداد هذا التقرير أكثر من 20,000 شخص (منهم أكثر من 8,000 طفل و6,200 امرأة) وجرحت 53,320 آخرين، في حين لا يزال 6,700 شخص في عداد المفقودين تحت الأنقاض.

ولم يكن تدمير البنية التحتية ولا حرب الإبادة الجماعية في غزة ممكنين لولا الدعم الدبلوماسي والعسكري والاستخباراتي والإعلامي المباشر وغير المباشر من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والذي ضمن مراراً وتكراراً بقاء إسرائيل فوق القانون الدولي.

في الماضي، قام الاتحاد الأوروبي بتوسيع غطائه الوقائي للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي مع الحفاظ على الواجهات الليبرالية والإنسانية، لكنه قام بإزالة جميع الأقنعة بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

لامبالاة تقشعر لها الأبدان

في الحقيقة، فإن الاتحاد الأوروبي لديه صورة مفصلة عن الوضع في غزة، حيث وصف وزير الخارجية جوزيب بوريل ما حدث بأنه “كارثي ومروع” في ظل معاناة “غير مسبوقة” للمدنيين ومستويات دمار “أكبر” من تلك التي شهدتها ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية.

لكن أياً من هذا لم يزعزع ضمير الاتحاد الأوروبي، فالصدمة والغضب الأوروبيان يظهران عندما يرتد العنف الاستعماري العنصري الموجه عادة للشعوب ويضرب الأوروبيين كما قال إيمي سيزار قبل سبعة عقود تقريباً.

لقد أظهر الاتحاد الأوروبي لامبالاة تقشعر لها الأبدان تجاه الجرائم المستمرة ضد الإنسانية في غزة، فقد امتنع عن إدانة، فما بالك عن وقف، تلك الجرائم لأنها ارتكبت ضد “عرق أدنى” من جانب إسرائيل التي تعد امتداداً استعمارياً استيطانياً لأوروبا.

فبعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الأعمال الوحشية المتواصلة، يواصل الاتحاد الأوروبي رفض الدعوات إلى وقف إطلاق النار ووقف الإبادة الجماعية المستمرة.

وفي اجتماعه الأخير الذي عقد يومي 14 و15 كانون الأول/ ديسمبر، أعاد المجلس الأوروبي، المسؤول عن تحديد سياسات الاتحاد الأوروبي، التأكيد على دعم الاتحاد الأوروبي الثابت لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على غزة بحجة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، مع إضافات عامة ومثيرة للشفقة في بعض الأحيان، كاستخدام عبارة “بما يتماشى مع القانون الدولي” وتسليط الضوء على “أهمية” حماية المدنيين.

وجاء قرار المجلس الأوروبي سريعًا لتقليل التأثير الرمزي للدول السبعة عشر الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي دعمت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة غير الملزم بشأن “وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية”، والذي تم إقراره بأغلبية ساحقة في 12 كانون الأول/ ديسمبر.

وفي مقال مشترك نُشر في 16 كانون الأول/ ديسمبر، أعلن وزيرا خارجية ألمانيا والمملكة المتحدة، اللذان امتنعا عن التصويت على قرار الأمم المتحدة المذكور أعلاه صراحةً أنهما “لا يؤمنان” بوقف عام وفوري لإطلاق النار الآن، على أمل أن تستمر عمليات القتل، على أن تنتهي في وقت ما “في المستقبل”.

الغرب ضد البقية

لا تزال غزة تعري الاستعمار والعنصرية تلك الصفتين الملازمتين للاتحاد الأوروبي، كما فعلت منذ أكثر من ستة عقود، أيام العدوان الإنجليزي الفرنسي الإسرائيلي المشترك عام 1956 على غزة ومصر، رداً على تأميم قناة السويس، والذي لعب دوراً مهماً في تعزيز التكامل الأوروبي لإطالة أمد الاستغلال الاستعماري وقمع نضالات التحرير في أفريقيا والعالم العربي.

إن التجريد الحالي للفلسطينيين من الإنسانية والتضليل الإعلامي يمارسان بلا قيود من أجل تعزيز السردية الجيوسياسية للعمل الغربي الجماعي ضد الآخرين، وهي السردية التي تبلورت بقوة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية

فليس هناك أهمية لا للأخلاق ولا للواقعية عندما يتعلق الأمر بالسردية الجيوسياسية وبهذا الإجماع، فالتوجه الأوروبي نحو ما بعد الحقيقة متجذر في الاستعمار والعنصرية والتفوق.

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قد نشرت بلا خجل أثناء إعلانها أن “أوروبا تقف إلى جانب إسرائيل”، معلومات مضللة وادعاءات لا أساس لها من الصحة (نوع الأفعال التي يدعي الاتحاد الأوروبي مكافحتها وتجريمها) مثل “حرق الناس أحياء” و”تشويه الأطفال وحتى الرضع” في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

ولا يزال مثل هذا التشهير ضد الفلسطينيين يُنشر على الصفحة الرئيسية للجنة، على الرغم من فضح زيفه على نطاق واسع، حتى من قبل المصادر الإسرائيلية.

لقد قام كبار زعماء الاتحاد الأوروبي بمواءمة الاتحاد الأوروبي طوعاً مع الخطاب الإسرائيلي القائم على الإبادة الجماعية والذي يصور الفلسطينيين على أنهم “نازيون” أو “نازيون جدد”.

“النازيون الجدد”

أثارت فون دير لاين ذكرى الفظائع النازية ضد المواطنين اليهود الأوروبيين، وزعمت أن هناك إسرائيليون قتلوا في 7 أكتوبر “لأنهم يهود” وبسبب “الشر القديم” لدى الفلسطينيين، والذي يذكرنا “بأحلك أيام” أوروبا.

إن ربط الحاضر الفلسطيني بماضي أوروبا هو خدعة لتبرير تواطؤ الاتحاد الأوروبي في حرب الإبادة الجماعية لإبعاد النضال الفلسطيني عن الطريق

إن هذا التلفيق لا يتجاهل عمدًا حقائق الصراع الاستعماري الاستيطاني المستمر منذ 140 عامًا بين السكان الأصليين في فلسطين والمستوطنين الأوروبيين الصهاينة فقط، بل يقدم أيضًا الفلسطينيين على أنهم ورثة معاداة السامية الأوروبية عميقة الجذور.

ويتم تصوير الوجود الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية على أنها تجسيد للشر النازي في أوروبا.

وبالنسبة للاتحاد الأوروبي فإن هذا الربط يشكل حجر عثرة في طريق خلاص أوروبا، وهو تذكير مستمر بما حاولت أوروبا أن تنساه بحثاً عن التكفير عن العنف القاتل الذي ارتكبته ضد مواطنيها اليهود الأوروبيين.

فمنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، اتخذت أوروبا خطوة أخرى إلى الأمام من خلال تمكين الإبادة الجماعية في غزة كشكل من أشكال التكفير عن تاريخ الإبادة الجماعية الخاص بها، حتى لو كان ذلك يتطلب قمع المعارضة والاحتجاجات وحرية التعبير، بل وحتى حظرها، فقد حث المستشار الألماني أولاف شولتز الجمهور على الصمت التام معلناً أن “كل كلمة نعم، لكن” تعتبر في غير محلها على الإطلاق”.

إن الشعب الفلسطيني سيبقى صامدًا في النضال طويل الأمد ضد الاستعمار من أجل التحرير والعدالة، تمامًا كما فعل منذ أكثر من قرن.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة