بقلم سانسوم ميلتون ومحمد الحموي
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
بعد عام على اغتيال شيرين أبو عاقلة، وسنتان على حرب أيار/ مايو 2021، و75 عامًا على النكبة، لا زالت إسرائيل تواصل استخدام العنف غير المبرر ضد الفلسطينيين تحت غطاء الأمن.
اتسمت جولة العنف الأخيرة التي استمرت خمسة أيام، والتي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم “عملية الدرع والسهم”، بالعودة إلى سياسة الاغتيالات، بناءً على طلب إيتامار بن غفير، على ما يبدو، وهي جزء من محاولة الحكومة الإسرائيلية التي كانت يوما ما “لا تُقهر” لإعادة ترسيخ قوتها في الردع مرة أخرى.
إن جولات العدوان الأخيرة في الأعوام 2021 و2022 و2023 بعد توقف دام سبع سنوات من الاشتباكات الكبرى بين عامي 2015 و2021 تم تنفيذها بهدف إضعاف الفصائل الفلسطينية: هذه المرة حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية ثم التفاوض لاحقًا على وقف إطلاق النار الذي يحافظ على الوضع الراهن الذي قد تغير بالفعل.
الآن، تمكن وزير الأمن القومي بن غفير من احتجاز الحكومة كرهينة مقابل فدية من القيادة الفلسطينية في غزة، في خطوة تجسد الروابط بين السياسات الانتخابية الإسرائيلية والعمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي.
وبات على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يواجه التحدي المتمثل في موازنة أجندته مع أجندة بن غفير من أجل البقاء في السلطة، فجاءت محاولته تنفيذ الإصلاح القضائي كخير مثال على السعي لتحقيق هذا التوازن.
فمن المحتمل أن يؤدي عدم متابعة هذه الإصلاحات إلى انهيار الائتلاف الحاكم في إسرائيل وإعادة رئيس الوزراء المحاصر إلى مقاعد المعارضة، وربما إلى عالم القضاء المجهول فيما يتعلق بتهم الفساد.
ومن المؤكد أن موقفه الانتخابي أصبح أكثر صعوبة لأن بعض استطلاعات الرأي، قبل العدوان الأخير على غزة، أظهرت أن حكومته لم تكن شعبية في أدائها العام، وهكذا، فإن نتنياهو يخوض معركة من أجل البقاء السياسي لبعض الوقت الآن.
وبرغم ذلك، فإن عودة سياسة الاغتيالات لا تنتهي، لكنها أيضاً غير رادعة لعمليات المقاومة الفلسطينية في ذات الوقت.
لقد تسببت هذه السياسة في قتل قيادات بارزة في الفصائل الفلسطينية في الماضي، من أبرزها أولئك الذين أسسوا الأجنحة العسكرية، لكن فصائل المقاومة في قطاع غزة تمكنت من تطوير ونشر تكنولوجيا جديدة ضد إسرائيل، وإن كانت أدنى من التكنولوجيا الإسرائيلية.
إن هدفهم هنا ليس بالضرورة التسبب في القتل، ولكن رفع تكلفة الهجوم على قطاع غزة بما يكفي لردع المزيد من العدوان الإسرائيلي، فبرغم أن الصواريخ التي يتم إطلاقها من غزة لا تصيب عادةً “أهدافاً”، فإنها تتكبد تكلفة تصل إلى 180 ألف دولار لكل صاروخ مضاد يطلق من القبة الحديدية، وما يقرب من مليون دولار لكل صاروخ يعترض بواسطة مقلاع ديفيد، فيما لا تتعدى تكلفة تصنيع الصاروخ الواحد 800 دولار من قبل الفصائل الفلسطينية المختلفة.
خلال الهجوم على غزة في أيار/ مايو 2021، عانى الاقتصاد الإسرائيلي من خسائر تتراوح بين 368 مليون دولار و2.5 مليار دولار.
وساطة للتهدئة
يجد سكان غزة، وفلسطين، أنفسهم محرومين بالفعل من السبل الدولية لطلب المساعدة أو التدخل أو العدالة، وهذه نتيجة مباشرة لسياسة غربية تقضي بفصل سلطة الأمر الواقع في غزة – حماس – عن المجال الدولي، مع السماح بقدر ضئيل من التواصل بينها وبين ومصر وقطر، الوسطاء الثابتين في غزة.
حتى “التهدئة” التي تم التوصل إليها بعد هذه الهجمات الإسرائيلية ليست سوى شكل مختلف من أشكال العنف ضد قطاع غزة، شكل هيكلي واقتصادي، لا يؤدي إلا إلى تفاقم الظروف المعيشية المتدهورة في القطاع.
وبينما يتجمع سكان غزة لالتقاط القطع التي خلفتها جولة أخرى من القصف عقب وقف إطلاق النار، يُطرح السؤال الحتمي: متى ستبدأ الموجة التالية من العدوان الإسرائيلي؟
سؤال يلوح في الأفق بلا توقف، حتى مع وجود ضامن أمني للتوسط ودعم وقف إطلاق النار، عادة مصر، بينما لا يوجد الكثير مما يمكن فعله لكبح جماح الدولة الإسرائيلية.
وبالتالي، فإن وقف إطلاق النار يمكن أن يكون قصير الأمد، واندلاع العدوان المتجدد على قطاع غزة أمر لا مفر منه.
دخل آخر وقف لإطلاق النار حيز التنفيذ في 13 أيار/ مايو على أن “يلتزم الجانبان بوقف إطلاق النار الذي سيشمل … إنهاء استهداف الأفراد فور دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ”.
وبينما أعلن ممثلو الجهاد الإسلامي في فلسطين أن هذا يعني أن إسرائيل لن تعود إلى سياسة الاغتيالات، رفضت بعض المصادر الأمنية الإسرائيلية فكرة التزامهم بهذه الشروط في وقف إطلاق النار.
وعلى هذا النحو، سيكون من السذاجة للغاية الاعتقاد بأن دولة إسرائيل لن تشن هجومًا آخر عندما ترى أن ذلك ضرورياً لمصالحها، بل إن بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، صرح بالقول: ” ستأتي اللحظة التي لن يكون هناك خيار سوى إعادة احتلال غزة”.
غياب الإرادة السياسية
من السذاجة بمكان الجلوس مكتوفي الأيدي في انتظار الحكومات والدول الأخرى للوقوف في وجه الظلم الذي تجسده هذه القوة المحتلة.
وبرغم أن القدرة على اتخاذ إجراءات سريعة أو حتى اتخاذ موقف حاسم ضد مثل هذه الاعتداءات هي موجودة بالفعل كما رأينا في بعض المناطق، إلا أنه لا يزال هناك غياب واضح للإرادة السياسية للقيام بذلك، وبالنسبة للكثيرين فإن إمكانية تخفيف معاناة الفلسطينيين يقابلها المواجهة المباشرة مع الحكومة الإسرائيلية.
كما أن الغياب الواضح للمساءلة من جانب الجمهور الإسرائيلي والمجتمع الدولي يؤكد الطبيعة المتكررة للاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث نالت الطبقة السائدة في إسرائيل، بكل أشكالها الأيديولوجية، من “اليسار” إلى “اليمين”، المديح على تلك الهجمات.
ليس مستغرباً أن الناخبين الإسرائيليين لا يُسمع صوتهم إلا للدفاع عن الديمقراطية والحياة بكرامة داخل إسرائيل عندما يتعلق الأمر بالإصلاح القضائي، وليس عندما تتصرف الحكومة الإسرائيلية بشكل ينتهك القانون الدولي سواء من خلال التوسع الاستيطاني أو سياسة الفصل العنصري.
كيان متعاون
يتعامل الشعب الفلسطيني أيضا مع كيان سياسي متعاون يخضع لحكم ورقابة إسرائيل، ألا وهو السلطة الفلسطينية.
ففي حين أن 33 شخصاً قتلوا في غزة خلال العدوان الأخير لينضموا إلى أكثر من 100 من الفلسطينيين الآخرين الذين قتلوا على يد الدولة الإسرائيلية منذ بداية عام 2023، فما الذي يمكن للسلطة الفلسطينية أن تفعله لوقف هذا؟
الجواب: لا شيء مطلقا. فما الذي يمكن أن يفعله كيان سياسي احتفالي مجوف بعد أن تخلى عن السلطة والشرعية الحقيقيتين لصالح سلطة وقوة الاحتلال!
إن التصور الدولي “للقضية” الفلسطينية خاطئ بشكل أساسي ومتجذر في فهمه لـ “الصراع”، فالتصوير المستمر للقضية على أنها صراع بين طرفين يعني ضمناً أن هناك “جانبين متكافئين” إلى حد ما، وهذا بالتأكيد ما لا يعكس الحقيقة.
أحد “الجانبين” طرف مسلح ويحصل على ما يزيد عن 3.8 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية، في حين أن الطرف الآخر عبارة عن منطقة محاصرة ومنبوذة دوليًا تضطر لاستيراد مواد منقذة للحياة بإذن من “الطرف” الآخر.
لا يخدم هذا التصور سوى نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين وتحويلهم إلى أهداف مشروعة لدولة إسرائيل، حيث يُقصد من التوصيف التعسفي للفلسطينيين بأنهم “إرهابيون” تبرير وحشية العمليات العسكرية الإسرائيلية.
وهكذا، وفي مواجهة المواقف التمكينية للحكومات الغربية، لا يوجد عذر للجهل في العصر الحديث الذي يتسم بقدر أكبر من حرية وسائل الإعلام وسهولة الوصول إليها.
الأمر متروك للشعب نفسه ليزيد من المشاركة الحاسمة والوعي بمحنة الشعب الفلسطيني بينما يتجمع العالم للاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين للدولة الإسرائيلية أي الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة الفلسطينية.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)