بقلم لارا بيرد ليكي
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
تقف دولة الاحتلال على الساحة الدولية متهمة بارتكاب إبادة جماعية محتملة من قبل محكمة العدل الدولية، مع اتهام رئيس وزرائها ووزير دفاعها السابق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
وبفضل ثقل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، فإن فلسطين تعتمد الآن على حكومات الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، مثل المملكة المتحدة، للوفاء الكامل والمقنع بالتزاماتها بمنع وحماية الإبادة الجماعية، فضلاً عن الامتثال الفوري لأوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
ها هو القانون الدولي يوفر الأدوات التي حان الوقت للمجتمع السياسي الدولي لاستخدامها، ففي يوم الخميس، أكدت الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية بالإجماع أوامر الاعتقال الصادرة بحق بنيامين نتنياهو ويواف غالانت، وبذلك، رفضت الطلبات التي قدمتها دولة الاحتلال بموجب المادتين 18 و19 من نظام روما الأساسي والتي سعت إلى رفض التحقيق على أساس اختصاص المحكمة في إسرائيل.
لقد وجدت المحكمة الجنائية الدولية كما قالت في بيانها أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن “جريمة الحرب المتمثلة في التجويع” كأسلوب من أساليب الحرب، و”الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية”.
كما وجدت الدائرة أيضًا أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية كرئيسين مدنيين عن جريمة الحرب المتمثلة في توجيه هجوم متعمد ضد السكان المدنيين، دون أن تجد المحكمة أي أسباب معقولة لتبرير تصرفات جيش الاحتلال في غزة بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ومايو/أيار 2024 بموجب القانون الإنساني الدولي.
استجابة مخيبة للآمال
بعد 411 يومًا من القصف المتواصل للمدنيين والبنية التحتية المدنية في غزة، وارتقاء أكثر من 44000 شخص، يعد قرار المحكمة الجنائية الدولية موضع ترحيب، لقد تمت تهدئة اليأس مما بدا وكأنه عجز وشلل للمحكمة عن محاسبة مرتكبي جرائم الحرب إلى حد ما.
ورغم ذلك، فإن التقدم الذي أحرزته المحكمة الجنائية الدولية ينفيه إلى حد ما الاستجابة المخيبة للآمال من الحكومة البريطانية، فبدلاً مما توجب أن يكون إعلانًا فوريًا لدعم المحكمة الجنائية الدولية، كما رأينا في بيانات صدرت في أعقاب تحرك المحكمة الجنائية الدولية من أيرلندا وهولندا وكندا وغيرها، اتخذت المملكة المتحدة في البداية قرارًا باستخدام مذكرة اعتقال نتنياهو لإعادة تأكيد التزامها بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس.
وقالت: “نحن نحترم استقلال المحكمة الجنائية الدولية التي تعد المؤسسة الدولية الأساسية للتحقيق في أخطر الجرائم التي تثير قلقًا دوليًا وملاحقتها”، لكنها أضافت أن “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وفقًا للقانون الدولي، ولا يوجد تكافؤ أخلاقي بين إسرائيل، الدولة الديمقراطية، وحماس وحزب الله اللبناني، وهما منظمتان إرهابيتان”.
والأمر الحاسم، كما تعلم الحكومة، هو أن الدفاع عن النفس يجب أن يكون ضروريًا ومتناسبًا، لكن اتضح أن الأمر ليس كذلك بعد أربعة عشر شهرًا من ارتكاب ما يمكن أن يكون إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وبالتالي يجب على الحكومة البريطانية ألا تكون متهورة في استخدام اللغة التي تقوض الأهوال التي ألحقتها دولة الاحتلال بالمدنيين الفلسطينيين.
من الواضح أن البيان المحدث الذي أصدرته داونينغ ستريت يوم الجمعة كان يهدف إلى تهدئة الصرخة التي أثيرت بسبب فشل الحكومة في دعم المحكمة الجنائية الدولية، فقد قال البيان إن المملكة المتحدة سوف تفي بالتزاماتها بموجب قانون المحكمة الجنائية الدولية لعام 2001، والذي ينص على أنه يتعين عليها، عند تلقي طلب اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، “إحالة الطلب والوثائق المرفقة به إلى ضابط قضائي مناسب”.
وفي وقت سابق من يوم الجمعة، وفي غياب رئيس الوزراء ووزير الخارجية عن الإدلاء بأي تعليق علني، تولت وزيرة الداخلية إيفات كوبر مهمة الدفاع عن موقف الحكومة الغامض من الناحيتين القانونية والأخلاقية.
وبصفتها وزيرة للداخلية، تتولى كوبر مسؤولية الشرطة والاعتقالات في المملكة المتحدة، لكنها عندما سُئِلت عما إذا كانت ستتصرف بهذه الصفة وتوجه الشرطة لاعتقال مجرم حرب مطلوب في المملكة المتحدة، ادعت أن من غير اللائق أن تجيب.
لقد بدا الاستياء واضحاً في نبرة بيان داونينغ ستريت إزاء الحاجة إلى تأكيد امتثال المملكة المتحدة للقانون الدولي، كما أن تهرب حكومة حزب العمال من الإجابة عن هذا السؤال يكشف مدى انزعاجها من قبول الالتزامات المفروضة عليها الآن، ومع ذلك، فإن الشكوك حول وفاء حزب العمال بالالتزامات الدولية لم تحدث بالصدفة، فقد وضعت الحكومة باستمرار دعمها لنتنياهو فوق واجباتها في الامتثال للمحاكم.
ومن المرجح أن نتوقع من الحكومة أن تقوم بحركات رياضية سياسية مثيرة للإعجاب في الأيام والأسابيع التالية، في محاولة لإنكار واجباتها القانونية الواضحة في إطار موقفها المستمر من إنكار الإبادة الجماعية.
إن فشل حكومة المملكة المتحدة في التأكيد صراحة على التزامها بمذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية هو مؤشر واضح على أنها أكثر اهتماما بعلاقتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل من اهتمامها بحياة الفلسطينيين واحترام القانون الدولي.
ولا يمكن تجاهل أن تأكيد المحكمة الجنائية الدولية على مذكرات الاعتقال جاء في اليوم التالي لاستخدام الولايات المتحدة لحق النقض ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يسعى إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، حيث انتهى التصويت في مجلس الأمن بأغلبية 14 صوتًا مقابل صوت واحد، بعدما صوتت المملكة المتحدة لصالح القرار.
لقد أكدت الولايات المتحدة بالفعل، وكما هو متوقع، رفضها لقرار المحكمة الجنائية الدولية، وفي حين أنه من النادر أن تحيد المملكة المتحدة عن الولايات المتحدة في مجلس الأمن، فإن هذا كان مؤشرا إيجابيا على انفصال المملكة المتحدة عن الاعتماد على الولايات المتحدة في الاتجاه السياسي.
وفي مواجهة ما يمكن القول إنه أحد أهم القرارات الدولية فيما يتعلق بالقانون الإنساني الدولي، أخفت حكومة المملكة المتحدة عجزها عن الإعلان القاطع بأنها ستعتقل نتنياهو داخل خطاب عام حول الامتثال للقانون الدولي.
ستكشف حقيقة اضطرار المملكة المتحدة لإعلان دعمها مكرهةً للمحكمة الجنائية الدولية أن حكومتها هي واحدة من الحالات الشاذة القليلة جدًا، إلى جانب الولايات المتحدة، في جهودها المستمرة لتزويد نتنياهو بدروع الإفلات من العقاب، إذ لا يمكن تجاهل أشهر من اختيار الاستمرار في الدفاع عن إسرائيل والفشل في تقبل أن نتنياهو هو مجرم حرب في بيان المملكة المتحدة اليوم، على الرغم من أن هذا قد يكون بداية لاتجاه سياسي مختلف.
وعلاوة على ذلك، يمكن رؤية الفراغ الناجم عن التقاعس عن حماية الفلسطينيين من الإبادة الجماعية، وفشل المملكة المتحدة لمدة 14 شهرًا في إدانة جرائم حرب الاحتلال، في تجاهل حكومة حزب العمال للقانون الدولي في سياقات أخرى.
حماية نتنياهو
في يونيو/حزيران من هذا العام، وأثناء وجوده في المعارضة، أكد المتحدث باسم حزب العمال للشؤون الخارجية ديفيد لامي دون أدنى شك أن حزب العمال سيسعى إلى تنفيذ مذكرة اعتقال ضد نتنياهو بمجرد إصدارها من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
غير أن تصريحات لامي الأخيرة في مجلس العموم سعت إلى تجاهل تعريف اتفاقية الإبادة الجماعية للإبادة الجماعية من خلال وضع متطلب عددي تعسفي وغير قانوني لعدد القتلى، وكان لهذا تأثير في تقويض مصداقيته كمحام والتزامه بمساءلة إسرائيل وحماية المدنيين الفلسطينيين الأبرياء.
لم يكن هذا البيان مؤشراً على تغيير في سياسة الحكومة، ولكنه يكشف عن الغموض الذي تفسر به الحكومة البريطانية الالتزامات التي يفرضها القانون الدولي، حيث لا تقوم المحكمة الجنائية الدولية بنفسها بالاعتقالات، ولا تحاكم الأفراد غيابياً، وبالتالي، فهي تعتمد بالكامل على امتثال الدول الـ 124 الأطراف في نظام روما وإرادتها السياسية لتنفيذ قرارات المحكمة.
ورغم أن المحكمتين منفصلتان في نطاقهما وتطبيقهما واختصاصهما وعملية عملهما، فإن قوة المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية يمكن اعتبارها مترابطة بطرق عديدة.
فعلى سبيل المثال، أشار بيان المحكمة الجنائية الدولية إلى استنتاج الدوائر التمهيدية أن تصرفات إسرائيل خلقت ظروفاً معيشية مصممة لإحداث تدمير جزء من السكان المدنيين في غزة، مما أسفر عن مقتل مدنيين.
إن لغة هذا الاستنتاج تعكس تماماً المادة الثانية (ج) من اتفاقية الإبادة الجماعية، المصدر الذي استندت إليه الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية.
الجهل المصطنع
إن ما فشلت المملكة المتحدة في قبوله حتى الآن هو أن المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية تفرض التزاماً إيجابياً على الدول بإجراء تقييمات مستمرة في حالات الإبادة الجماعية المحتملة والتصرف وفقاً لذلك لمنع الإبادة الجماعية وإنهاء الإفلات من العقاب.
وهذا صحيح أيضاً حيال الالتزامات المفروضة على الدول بموجب اتفاقيات جنيف، وعلى وجه الخصوص، فقد استشهدت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري بالمادة الأولى المشتركة لاتفاقيات جنيف، التي تنص على أن “جميع الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة ملزمة بضمان امتثال إسرائيل للقانون الإنساني الدولي كما هو مجسد في تلك الاتفاقية“.
ولا تستطيع حكومة المملكة المتحدة أن تختبئ وراء حجاب من الجهل المصطنع فيما يتعلق بالتزاماتها القانونية الدولية.
إن نتائج قرارات المحكمتين هذا العام تتداخل في سياقات معينة، حيث تتطلب المعايير المحلية للمملكة المتحدة لترخيص الأسلحة عدم نقل أي أسلحة إلى حيث يوجد خطر واضح من استخدام مثل هذه المعدات لارتكاب أو تسهيل انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي.
ففي سبتمبر/أيلول، وافقت حكومة المملكة المتحدة على تعليق جزئي للتراخيص الممنوحة لإسرائيل لكنها فشلت في تضمين مكونات F-35 ضمن نطاق هذا التعليق.
وباعترافها، فقد قبلت الحكومة البريطانية بوجود خطر حقيقي من انتهاك إسرائيل للقانون الإنساني الدولي، ومع ذلك خلقت ثغرة حيث رفضت وضع شرط المستخدم النهائي على مساهمتها في أجزاء طائرات إف-35 للولايات المتحدة التي تستمر في توفيرها مباشرة لإسرائيل.
كانت المفارقة المؤلمة في بيان الحكومة في سبتمبر/أيلول أنه جاء في نفس اليوم الذي أكدت فيه منظمة غير حكومية دنماركية تدعى دان ووتش، أن طائرات إف-35 استخدمت من قبل إسرائيل في الهجوم على “منطقة آمنة” محددة في المواصي، مما أسفر عن استشهاد 90 مدنياً.
وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني، اعترفت الحكومة البريطانية في المحكمة العليا بأنها لديها معلومات تؤكد انتهاكات إسرائيل للقانون الإنساني الدولي وأنها انتظرت خمسة أسابيع للتصرف بناءً على تقييمها الخاص بأن الأسلحة البريطانية معرضة لخطر استخدامها لارتكاب انتهاكات ضد المدنيين.
لقد كشفت القضية، التي رفعتها مؤسسة الحق وشبكة العمل القانوني العالمية، عن إخفاقات خطيرة في عملية صنع القرار في المملكة المتحدة بشأن صادرات الأسلحة إلى إسرائيل.
ويتعين على حكومة المملكة المتحدة أن توضح ما إذا كانت ستلتزم بالتزاماتها بموجب المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية أم لا، ولا يمكنها الاستمرار في قول شيء وفعل شيء آخر، خاصة وأنها أكدت أنها تدرك أن هناك خطرًا يتمثل في انتهاك إسرائيل للقانون الإنساني الدولي، وأنها كانت تعلم ذلك منذ ديسمبر/كانون الأول 2023.
يتعين على حكومة المملكة المتحدة أن تضع احترام التزاماتها القانونية الدولية فوق الاستسلام للولايات المتحدة والسماح بإفلات مجرم حرب مطلوب من العقاب، ولم يعد هناك مكان للحكومة وستارمر ولامي للاختباء فيه.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)