يستعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للاجتماع مع “صديقه” الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخميس، ولكن هناك بعض الملفات التي من شأنها تعكير الأجواء التي قد تبدأ ودية خلال اللقاء وأبرزها بالطبع إسرائيل والغاز الروسي.
في حديثه لموقع ميدل إيست آي، أشار الباحث في مشروع سوريا في المجلس الأطلسي، عمر أوزكيزيلجيك، إلى أن”الرؤية الجيوسياسية لتركيا تتناسب مع رؤية إدارة ترامب لتفويض المسؤولية إلى الحلفاء في المنطقة فهناك تقارب في المصالح”.
أكبر صداع لتركيا في سوريا الآن قادم من الجنوب وليس الشمال، فقد وقف ترامب موقف المتفرج بينما تقصف إسرائيل سوريا، حتى عندما انخرطت دمشق في محادثات أمنية مباشرة غير مسبوقة بوساطة أمريكية مع إسرائيل!
لا يوجد مكان تتضح فيه هذه الفكرة أكثر من سوريا بطبيعة الحال، حيث رفع ترامب العقوبات بسرعة وهو يحاول الآن إخراج القوات الأمريكية في الوقت الذي تتدخل فيه تركيا ودول الخليج العربي.
لقد حظي شريك أردوغان في سوريا، الرئيس أحمد الشرع، باستقبال جيد في المؤتمرات الفخمة التي استضافتها مؤسسات الفكر والرأي والرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع.
وفي علامة على نفوذ أنقرة المتزايد في سوريا، فقد بدأت تركيا بتدريب قوات الأمن هناك، كما تعمل الأموال السعودية والقطرية المخصصة للطاقة والرواتب الحكومية على تشغيل تلك التحركات التركية على الأرض.
تجدر الإشارة إلى أن الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد لطالما كان شوكة في خاصرة العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا، حيث تعتبر أنقرة المجموعة المسلحة فرعاً من حزب العمال الكردستاني.
هذا هو أساس التدخل الأمريكي في سوريا والذي يحاول ترامب إنهاءه اليوم، حيث تضغط الولايات المتحدة على قوات سوريا الديمقراطية للتخلي عن الحكم الذاتي الذي حصلت عليه أثناء القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية والاندماج في الجيش السوري.
أما الشرع، فقد تعرض لبعض الانتقاد بسبب فشله في التحقيق في الهجمات التي حصلت ضد المسيحيين الفترة الماضية، كما تعزز إحجام الأكراد عن التنازل لدمشق بسبب الفظائع التي ارتكبت ضد العلويين والدروز على يد القوات الموالية للشرع، ولكن رغم ذلك، يؤكد الخبراء أن الولايات المتحدة لا زالت لم تغير مسارها تجاه سوريا.
“لفتات مشرقة في سوريا”
في وقت سابق من هذا الشهر، كشف موقع ميدل إيست آي عن إعادة تعيين كبار مسؤولي الخدمة الخارجية الأمريكية، والذين كان يُنظر إليهم على أنهم متعاونون مع قوات سوريا الديمقراطية، من إسطنبول إلى واشنطن.
وفقاً لتصريح السفير جيمس جيفري، المبعوث الخاص السابق إلى سوريا في عهد ترامب والذي يعمل الآن في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، لموقع ميدل إيست آي: “الولايات المتحدة وتركيا متفقتان للغاية حول سوريا، وهناك القليل جداً من التفاهم بين الولايات المتحدة وتركيا ودمشق وهو ما يجب أن يتحول إلى التكامل قريباً”.
ويعد السفير توم باراك، المطور العقاري الملياردير وصديق ترامب المقرب وسفير إلى تركيا ومبعوث الأمر الواقع إلى منطقة المشرق العربي، المشجع الرئيسي على الدور الذي تقوم به أنقرة في دمشق.
وعلى الجانب الآخر، يرى بعض الخبراء بأن إدارة ترامب قد أكثرت الحديث حول سوريا دون اتخاذ أي إجراء ملموس من وجهة نظر أنقرة، ففي حديثه لميدل إيست آي، أشار مدير برنامج تركيا في معهد الشرق الأوسط، جونول تول، إلى أن “زوايا الحوار التي طرحها باراك حول سوريا تتطابق مع زوايا الحوار التركية، لكن ما الذي تجسد عملياً بالنسبة لأنقرة فيما يتعلق بقوات سوريا الديمقراطية؟”.
ومع ذلك، فإن أكبر صداع لتركيا في سوريا الآن قادم من الجنوب وليس الشمال، فقد وقف ترامب موقف المتفرج بينما تقصف إسرائيل سوريا، حتى عندما انخرطت دمشق في محادثات أمنية مباشرة غير مسبوقة بوساطة أمريكية مع إسرائيل!
وقد أكد مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون لموقع ميدل إيست آي، أنه وكجزء من صفقة أمنية مع سوريا، تريد إسرائيل منطقة نفوذ بعيدة المدى تمتد من مرتفعات الجولان المحتلة حتى ضواحي دمشق.
وقد أثار فرض إسرائيل لعمليات انتشار عسكرية في سوريا خلال الفترة الماضية غضب تركيا ودول الخليج القوية، فإسرائيل اليوم تحتل بالفعل جبل الشيخ، وهو موقع استراتيجي مرتفع في المنطقة، وفي علامة على أنها تتطلع إلى البقاء، ذكرت وكالة رويترز بأن إسرائيل تقوم بتسليح وتدريب المقاتلين الدروز هناك.
من جانبها، دفعت الولايات المتحدة إسرائيل وتركيا إلى محادثات تجنب الاشتباك في سوريا في وقت سابق من هذا العام، لكن ترامب لم يفعل الكثير لتقييد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هناك، والذي يؤكد الخبراء بأنه يقوض هدف ترامب المعلن المتمثل في إقامة سوريا مركزية بدلاً من دولة مقسمة إلى مناطق فيدرالية.
وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يخف أردوغان كراهيته لنتنياهو، حيث عرض صوراً للفلسطينيين الذين يتضورون جوعاً وانتقد إسرائيل بسبب الإبادة الجماعية المستمرة في غزة.
“إسرائيل هي الصداع الأكبر”
أوضح أوزكيزيلجيك: “إذا حسبت سوريا وغزة معاً، فإن إسرائيل تمثل أكبر صداع في العلاقات الثنائية”، وبطبيعة الحال، فقد كانت تركيا داعمة للمحادثات الأمنية بين حكومة الشرع وإسرائيل، والتي استضافتها في أذربيجان، أقرب حلفاء أنقرة، قبل أن تعلن عنها الولايات المتحدة.
وتساءل جيفري: “هل لدى الإسرائيليين قيود على الانتشار العسكري السوري؟ نعم، فالأتراك قلقون من ذلك لكنها ليست قضية رئيسية، فالأتراك محبطون لكنهم صبورون أيضاً”.
لقد صرح توم باراك بنفسه بأن الشرع لا يمكنه التوقيع على اتفاقيات أبراهام لأنه مدعوم من قبل “الأصوليين السنة”، لكن الزعيم السوري ألمح في مدينة نيويورك إلى أنه قد يكون هناك اتفاق أمني قريب، وفي التعليق على ذلك، أضاف أوزكيزيلجيك: “إذا كانت الأمور تمضي قدماً حول التوصل إلى اتفاق، فنحن نفترض أن تركيا تدعم ذلك”.
من المرجح أن تكون العقبة الأكبر أمام اجتماع أردوغان مع ترامب هي السياسة الأمريكية الداخلية، الأمر الذي قد يعيق آمال تركيا في شراء طائرات مقاتلة متقدمة من طراز إف-35 وتسهيل العلاقات الأوسع في الصناعات الدفاعية.
هل يحصل أردوغان على طائرات إف-35 ؟
قبل الاجتماع، أعلنت تركيا بأنها سوف تسقط بعض الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية، كما تسربت معلومات بأنها تخطط لشراء مئات من طائرات بوينغ وطائرات لوكهيد مارتن.
وقد صرح مسؤول إقليمي يتابع الاجتماع لموقع ميدل إيست آي بالقول: “إن أردوغان يفهم أسلوب ترامب الدبلوماسي تماماً، فترامب قد يوافق على أي شيء مقابل السعر المناسب”.
وفي حديثه لموقع ميدل إيست آي، أوضح الباحث في معهد كارنيجي للأبحاث في أوروبا بأن “أردوغان يأتي بحزمة من السلع لترامب وفي المقابل، يريد أردوغان أن يكون ترامب متوافقاً مع تركيا حول العودة إلى برنامج إف-35”.
لم تقم تركيا بتشغيل طائرات إف-35 ولكن تم استثناؤها من برنامج الإنتاج المشترك في عام 2019 بعد أن اشترت نظام الدفاع الجوي الروسي S-400.
وعلى الجانب الآخر، فقد غضب الكونغرس بالفعل من تركيا بسبب عدة عمليات توغل في سوريا وانتهاكات المجال الجوي اليوناني، وفي عام 2020، تم إدراج تعديل في مشروع قانون الدفاع يحظر على تركيا استلام طائرات إف-35 ما لم يشهد الرئيس أن تركيا لم تعد تمتلك نظام S-400، كما تعرضت تركيا لعقوبات قانون كاتسا التي أعاقت التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة ووكالة المشتريات الدفاعية التركية.
أما اليوم، فقد أوحى كل من ترامب وأردوغان بلهجة متفائلة فيما يتعلق بطائرات إف-35، إلا أن تول أكد بأن ترامب يواجه “تسوية صعبة للغاية فهو يحتاج إلى تعاون الكونغرس”.
“إن العملاء الكبار حقاً لطائرات إف-35 هم تركيا والإمارات والسعودية، ولذلك فترامب يتمنى بيع طائرات إف-35 لتركيا حتى مع معارضة الإسرائيليين” – آرون ستين- رئيس معهد أبحاث السياسة الخارجية
ويرى الخبراء بأن اللغة التي تمنع تركيا من استلام طائرات إف-35 في قانون تفويض الدفاع الوطني أو NDAA صارمة، حيث أوضح رئيس معهد أبحاث السياسة الخارجية، آرون ستين، لميدل إيست آي: “لم يتغير أي من العوامل التي أدت إلى طرد تركيا من برنامج طائرات إف-35، ولذلك فإن السبيل الواقعي الوحيد للمضي قدماً هو التوصل إلى حل وسط حول نظام S-400، وتركيا التي يتعين عليها تقديم الحل الوسط، وبعد ذلك يطلب ترامب ذلك من الكونغرس”.
ربما تكون إحدى التنازلات المحتملة احتفاظ تركيا بمنظومة S-400 في المستودعات وعدم تفعيلها، وهو ما تفعله في الوقت الحالي، مع السماح لمفتشي الناتو بتأكيد ذلك باستمرار، فقد عزفت تركيا حتى الآن عن إرسال نظام S-400 إلى دولة ثالثة، كما يعارض حلفاء الولايات المتحدة الإقليميون عملية البيع.
وقد أفاد موقع ميدل إيست آي بأن نتنياهو ضغط شخصياً على وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ضد عملية البيع هذا الربيع، وفي الوقت نفسه، فقد عارض عشرات من أعضاء الكونغرس الأمريكي أي عملية بيع بسبب التنافس بين تركيا واليونان.
وتتمتع اليونان بدورها بعلاقات وثيقة مع إسرائيل وقد وضعت نفسها كبديل لتركيا بالنسبة للولايات المتحدة من خلال القواعد والمرافق العسكرية لتلقي الغاز الطبيعي المسال، فقد وقعت اليونان صفقة لشراء 20 طائرة من طراز إف-35 ولديها خيار شراء 20 أخرى، وذلك يعادل إجمالي ما تطلب تركيا شراءه.
يؤكد ستين: “كانت هيئات الضغط اليونانية والإسرائيلية نشطة للغاية في التحضير لهذا الاجتماع، فالكثير من هذا يتعلق باليونان، فلماذا يريد أردوغان طائرة إف-35؟ لأن اليونان تمتلكها”.
وعلى الجانب الآخر، أكد ستين بأن شركة لوكهيد مارتن بحاجة إلى طلبات كبيرة لشراء طائرات إف-35، خاصة في العقود المقبلة مع انتقال الولايات المتحدة إلى الجيل السادس من طائرات بوينغ B-47 المقاتلة، فقال: “إن العملاء الكبار حقاً لطائرات إف-35 هم تركيا والإمارات والسعودية، ولذلك فترامب يتمنى بيع طائرات إف-35 لتركيا حتى مع معارضة الإسرائيليين”.
وقد أكد مسؤول أمريكي كبير سابق لموقع ميدل إيست آي بأنه وإضافة إلى التقدم في صفقة طائرات إف-35، فإنهم يتوقعون أن يحرز ترامب وأردوغان تقدماً في التعاون الدفاعي، بما في ذلك تصدير تكنولوجيا الطائرات بدون طيار.
الغاز الروسي مقابل الغاز الطبيعي المسال الأمريكي
لقد أصبحت تركيا رائدة في إنتاج الطائرات بدون طيار، حيث تقوم بتزويد أوكرانيا بطائرات بدون طيار من طراز Bayraktar TB2، ومن جانبه، فقد تردد ترامب في دعم أوكرانيا وفاجأ الدبلوماسيين هذا الأسبوع عندما قال بأن أوكرانيا يمكن أن تستعيد كل الأراضي التي احتلتها روسيا منذ غزوها عام 2022، بدعم من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
من جهة أخرى، فقد دعا ترامب الدول الأوروبية ودول الناتو التي تشتري الغاز والنفط الروسي بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، إلى الانضمام إلى الولايات المتحدة في الموافقة على فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الدول التي تشتري الطاقة الروسية، وهذا قد يضع تركيا في مرمى النيران.
في عام 2024، تلقت تركيا 41% من وارداتها من الغاز من روسيا، حيث جاء الغاز على شكل خيارات دفع مواتية تستخدمها تركيا لتشغيل قطاع التصنيع لديها وتعويض التضخم المكون من رقمين، حيث خصصت تركيا خط أنابيب TurkStream كباب خلفي لروسيا في الأسواق الأوروبية وسط العقوبات التي طالت الأخيرة.
يقول تول: “إذا حاول ترامب حقاً الضغط على روسيا مالياً على جبهة الطاقة، فعليه أن ينظر إلى تركيا”، حيث يمارس المسؤولون الأمريكيون ضغوطاً على تركيا لشراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي منذ الحرب في أوكرانيا وقد حققوا نجاحاً متبايناً، فقد أعلنت تركيا مؤخراً عن اتفاقية توريد مدتها 20 عاماً لشراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي.
وقد أكد مسؤولان أمريكيان سابقان لموقع ميدل إيست آي بأن ترامب يعتزم مناقشة صفقات الطاقة النووية والمعادن مع أردوغان أيضاً، وفي التعليق على ذلك قال جيفري: “تركيا تسير في الاتجاه الصحيح فيما يتعلق بالطاقة، لكن مشتريات الغاز تتم عبر خطوط الأنابيب وعقود طويلة الأجل، ولا يمكن للأتراك أن يكتفوا بذلك”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)