لقد تبين أن النظام الغربي “القائم على القواعد” مجرد خدعة فقط

بقلم ماركو كارنيلوس

ترجمة وتحرير مريم الحمد

ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت المحكمة الجنائية الدولية سوف تصدر أوامر اعتقال بحق كبار القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، خاصة مع وجود تكهنات بوقوف الولايات المتحدة في وجه ذلك.

علاوة على ذلك، فهناك اعتقاد أن إسرائيل قد تفكر في الرد، وأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان “خائفاً ومتوتراً جداً” من احتمالية الاعتقال، بعد أن أكد مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وجود نشاط أمريكي وتهديدات إسرائيلية ضد المحكمة.

الحقيقة أنه من غير المهم إذا ما كان سيتم إصدار أوامر الاعتقال في نهاية المطاف أم لا، فقد وصفها نتنياهو بأنها “اعتداء ذو ​​أبعاد تاريخية” حتى قبل تنفيذها، وذلك في إشارة إلى أن هيئات مثل المحكمة الجنائية الدولية نشأت بعد الهولوكوست مع أنها أنشئت عام 2002، معتبراً أنها “المرة الأولى التي يتم فيها ملاحقة بلد ديمقراطي يسعى للاستقرار”.

لقد ذهبت إسرائيل إلى أوضح من ذلك ملمحة إلى أنه في حال إصرار المحكمة الجنائية الدولية على تنفيذ أوامر الاعتقال، فإن إسرائيل سوف تنتقم من السلطة الفلسطينية بطريقة قد تؤدي إلى انهيارها، وفي هذا السياق قيل أن نتنياهو طلب من عائلات الرهائن الضغط على المحكمة الجنائية الدولية نيابة عنه!

من المهم في هذا الكلام ملاحظة ما جاء في تعليق نتنياهو حول اعتبار إسرائيل نظاماً ديمقراطياً لا ينبغي الحكم عليها في ظل “دفاعها عن النفس”، ولكن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي وقعته 124 دولة، لا يشير إلى ضرورة إعفاء مواطني الدول الديمقراطية من ولايتها القضائية.

من جانبها، سارعت وزارة الخارجية الأمريكية إلى التأكيد على أن واشنطن لا تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية على إسرائيل، مع أن البيت الأبيض في الوقت نفسه “يعمل بشكل وثيق مع المحكمة الجنائية الدولية في عدد من الملفات مثل أوكرانيا ودارفور والسودان”!

لم تصادق كل من إسرائيل و الولايات المتحدة على نظام روما الأساسي، مما يضعهما خارج نطاق اختصاص المحكمة، كما أن قانون حماية أفراد الخدمة الأمريكية مصمم أيضاً لحماية الأفراد العسكريين الأمريكيين وغيرهم من المسؤولين من الملاحقة الجنائية، وأضف إلى ذلك قيام واشنطن أصلاً بفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية بسبب تحقيقاتهم في جرائم الحرب الأمريكية في أفغانستان.

المنفعة السياسية

رغم تأكيدها على أن المحكمة ليس لها اختصاص قضائي على إسرائيل، إلا أن الولايات المتحدة دعمت تحقيق المحكمة عندما تعلق الأمر بروسيا التي لم توقع أيضاً على نظام روما وبذلك من الناحية النظرية تعتبر حربها على أوكرانيا خارج اختصاص المحكمة!

هذا موقف من مواقف كثيرة تروج لها واشنطن، يمكن تضمينها في ما يسمى بالنظام القائم على القواعد، والذي تم تحديده في ورقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكية التي نُشرت في أكتوبر عام 2022، بأنه “أساس السلام والازدهار العالميين”.

 هل يمكنك تخيل كيف ظلت بقية دول العالم ساذجة لعقود لاعتقادها بأن ميثاق الأمم المتحدة هو مصدر هذا النظام والضامن له؟!

كل ما احتاجت إليه واشنطن أو أي من حلفائها، قاموا باستحضار  “النظام القائم على القواعد” لتبرير جرائمهم وتصرفاتهم، لدرجة أن  المفهوم “أصبح وكأنه متطلب وظيفي لمنصب رفيع في وزارة الخارجية الأمريكية” على حد تشبيه الباحث الأمريكي، ستيفن والت.

من ناحية أخرى، فقد لاحظ البروفيسور الباحث في القانون الدولي، جون دوجارد، أن القادة الغربيين لطالما استندوا إلى “النظام القائم على القواعد” بهدف انتقاد الدول غير الغربية خاصة روسيا والصين، الأمر الذي يتضح من استخدام بنك الاحتياطي الفيدرالي من قِبَل المسؤولين الأمريكيين، إضافة إلى أنه في كتب القانون الدولي الأبرز عالمياً، لا يوجد أي ذكر للنظام القائم على القواعد، بل يقتصر الأمر على إشارات لميثاق الأمم المتحدة وغيره من معاهدات الأمم المتحدة أو الاتفاقيات الدولية.

في هذا السياق، نستنتج أن الإشارة للنظام القائم على القواعد إنما يتم استخدامه لجلب منفعة سياسية، أو أنه مجرد خدعة دلالية، ففي حين أن القانون الدولي، الذي تم تدوينه في اتفاقيات الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، منصوص عليه، فإن مفهوم النظام القائم على القواعد حاضر فقط في خطاب القادة الغربيين. 

النظام القائم على القواعد “نظام بديل خارج نطاق القانون الدولي يتحدى القانون الدولي ويهدده حتماً، فهو نظام منافس تؤيده بعض الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة التي تسعى إلى فرض تفسير للقانون الدولي لخدمة مصالح الغرب” – جون دوجارد- الباحث في القانون الدولي

لم يتم توضيحه رسمياً في يوم ما، ولكن كان ينظر إليه باعتباره نظاماً دولياً ليبرالياً يقوم على مبادئ الحكم الديمقراطي والانفتاح الاقتصادي والمساواة وحقوق الإنسان والتعددية وحرية حركة السلع والأمن الجماعي، وهذا كله يتفق مع الركائز الأساسية للقانون الدولي، فلماذا الحاجة إلى تكراره إذن؟!

توجه غير تقليدي

يرى دوجارد أن الغرض الحقيقي للولايات المتحدة من استخدام مضطلح النظام القائم على القواعد هو أن “الطريقة التي بررت بها الولايات المتحدة الانتهاكات الواضحة للقانون الدولي من قبل قواتها أو قوات أصدقائها المقربين قد أدت حتماً إلى تفسير ساخر، وإن كان معقولاً، لتفضيل الولايات المتحدة للنظام القائم على القواعد وهو أن ما تريده واشنطن أو اي من حلفائها سوف يكون وفي أي وقت”!

على مدى عقود، أدى مبدأ “النظام القائم على القواعد” وتطبيقه غير التقليدي والعادل إلى إثارة جدلية بين الغرب العالمي من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، جدلية يراقبها الجنوب العالمي.

لقد أصبح الوضع بغيضاً لدرجة أنه، وفقًا لدوجارد، فإن محكمة العدل الدولية “ربما لن يكون لها اختصاص للنظر في نزاع بناءً على قاعدة النظام القائم على القواعد، لأن مثل هذه “القواعد” تفتقر إلى المحتوى ولا يمكن تحديدها على أنها تنتمي إلى أي مصدر معروف”.

من بين أبرز الانتقادات الموجهة إلى مكتب عمليات حفظ السلام هو تدخل حلف شمال الأطلسي في كوسوفو عام 1999 وغزو العراق عام 2003، والتدخل في ليبيا عام 2011، والتدخل الغربي المستمر في سوريا والإفلات من العقاب المضمون منذ فترة طويلة للأعمال الإسرائيلية في الشرق الأوسط والقائمة تطول.

في كل هذه الحالات، زعمت الولايات المتحدة أنها تصرفت وفقاً لقواعد العمليات الإقليمية بدلاً من الإجراءات المعروفة في القانون الدولي، الأمر الذي يصفه دوجارد وكأنه “نظام بديل خارج نطاق القانون الدولي يتحدى القانون الدولي ويهدده حتماً، فهو نظام منافس تؤيده بعض الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة التي تسعى إلى فرض تفسير للقانون الدولي لخدمة مصالح الغرب”.

وفي عصر المنافسة المتزايدة بين القوى العظمى، فإن الحد الأدنى من المتطلبات هو وجود قواعد صالحة للجميع، وهو ما لا تلتفت إليه واشنطن وحلفاؤها، ولذلك فمن غير المستغرب أن يخسروا القلوب والعقول حتى داخل مجتمعاتهم.

لقد أدى هذا إلى تحفيز محاولات خرقاء لقمع الأصوات المعارضة في الجامعات وأماكن أخرى!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة