لماذا أُهين الجنود المصريون؟ وكيف خسرت مصر السودان؟

بعد ساعات فقط من اندلاع الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، انتشرت مقاطع فيديو لجنود مصريين أسرى على وسائل التواصل الاجتماعي.

وعقب اعتقال هؤلاء الجنود من قبل قوات الدعم السريع في قاعدة مروي الجوية في شمال السودان، أصدر المتحدث العسكري المصري بيانًا موجزًا زعم فيه أنهم كانوا يشاركون في تدريب مشترك مع نظرائهم السودانيين.

وخلال اجتماع مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بعد يومين، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن القوات المصرية تتواجد في السودان لأغراض التدريب لا للانحياز لأي طرف، فيما تبين لاحقًا أن تصريحات السيسي كانت عارية عن الصحة.

لم تكن القوات المصرية في السودان تشارك في تدريبات مشتركة، بل كانت تتواجد هناك بغرض دعم اللواء عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني ضد نائبه محمد حمدان دقلو المعروف أيضًا باسم حميدتي.

وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، فقد أرسلت مصر طائرات حربية وطيارين لدعم الجيش السوداني، كما أفادت الأنباء أن طائرة مصرية دمرت مستودع ذخيرة تسيطر عليه قوات الدعم السريع.

وبرغم عودة الجنود المصريين إلى ديارهم، لا تزال الأسئلة قائمة حول أعدادهم وأدوارهم ولماذا لم يتم الإعلان عن وجودهم قبل اندلاع القتال.

يكشف تورط مصر في الصراع السوداني عن قصر نظرها وتعقيد حساباتها وفشل استراتيجيتها التي ساهمت بشكل كبير في الأزمة الحالية في السودان.

فبعد عزل الرئيس السابق عمر البشير، تبنت مصر سياسة تجاه السودان تهدف إلى تحقيق غايتين متناقضتين، فمن ناحية، سعت بلا هوادة إلى عرقلة إنشاء حكومة مدنية قوية، ناهيك عن حكومة ديمقراطية، خلال الفترة الانتقالية.

ومن ناحية أخرى، خشيت مصر من تحول السودان إلى دولة فاشلة على حدودها الجنوبية، مما يقود إلى أزمات سياسية وجيو استراتيجية وإنسانية قاسية لن تتمكن من إدارتها.

وهكذا اعتقدت مصر بضرورة إقامة حكم عسكري في السودان رغم المقاومة المدنية الشرسة والصراع المرير على السلطة بين البرهان وحميدتي.

إن المنطق الدافع لهذه السياسة متجذر في الحسابات المعقدة لدى مصر، فحكومة السيسي أولا عازمة على منع ظهور أي شكل من أشكال الحكومة المدنية أو الديمقراطية على حدودها الجنوبية، حيث ترى في ذلك تهديدًا وجوديًا من شأنه ترك تأثير الدومينو وتغيير المشهد السياسي في مصر.

ثانيا، يفضل السيسي نظامًا ضعيفًا في السودان من شأنه أن يمنح مصر نفوذًا عليها، خلافا للصيغة التي كانت عليها العلاقات بين مبارك والبشير حيث تسبب حكم السودان الذي استمر 30 عامًا في عهد عمر البشير في صعوبات ومشاكل لمصر في عهد الرئيس حسني مبارك.

ثالثًا، يسعى السيسي إلى تكوين حكومة خاضعة لا تملك سياسة خارجية مستقلة قد تتعارض مع السياسة الخارجية لمصر، لا سيما في القضايا الحاسمة مثل سد النهضة الإثيوبي الكبير.

فرق تسد

وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، اتخذت مصر، إلى جانب الحلفاء الإقليميين الرئيسيين الآخرين بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، خطوات مهمة لمنع السودان من تحقيق انتقال ديمقراطي ناجح.

عززت هذه الجهود المتضافرة الرغبة في تجنب ظهور حكومة مدنية قوية ومستقرة على الحدود الجنوبية لمصر، والتي يُنظر إليها على أنها تهديد محتمل لنظام السيسي.

ففي البداية، رحبت مصر باتفاق تقاسم السلطة بين المجلس العسكري السوداني والقوى المدنية خلال الفترة الانتقالية، لكنها مع تقدم المرحلة الانتقالية، بدأت في التركيز على تعزيز الفصيل العسكري داخل مجلس السيادة الانتقالي، بقيادة البرهان وحميدتي على حساب حكومة عبد الله حمدوك المدنية. 

كما سعت مصر إلى استمالة القوى المدنية وتقسيمها، بتوظيفها ضد بعضها البعض لإثبات عدم نضجها السياسي.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن مصر أثارت الخلاف والانقسام بين المدنيين والجيش، مما أدى في النهاية إلى انقلاب البرهان في أكتوبر 2021، والذي شهد إزاحة حكومة حمدوك من السلطة.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو جهود مصر المستمرة لتقويض الاتفاق الإطاري الذي وقعه الجيش السوداني والقوى المدنية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، والذي كان يهدف إلى نقل السلطة إلى المدنيين وإنهاء الحكم العسكري.

وبعد شهر من توقيع الاتفاق، قام رئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، بزيارة إلى الخرطوم حيث التقى البرهان ومختلف الفصائل المدنية لإجراء محادثات.

علاوة على ذلك، اقترحت مصر مبادرة سياسية تهدف إلى الجمع بين الفصائل في حوار يهدف إلى تحقيق “تسوية حقيقية ودائمة وشاملة”.

 وعلى الرغم من ترحيب بعض الفصائل المدنية بالمبادرة، إلا أنها رفضت من قبل قوى الحرية والتغيير، القوة الأساسية المؤيدة للديمقراطية في السودان.

وعندما ظهرت الانقسامات بين البرهان وحميدتي خلال الأشهر القليلة الماضية، اختارت مصر الأول على الثاني، وكان تميل للانحياز إلى جانب البرهان على حساب حميدتي في الأزمة السياسية السودانية مدفوعًا بعدة عوامل.

ويمثل البرهان المؤسسة العسكرية السودانية التقليدية، والتي تحاكي التسلسل الهرمي العسكري في مصر.

كما أن مصر من خلال دعم البرهان، تستطيع المحافظة على علاقة مستقرة يمكن التنبؤ بها مع السودان، بخلاف التعامل مع أمير حرب وزعيم ميليشيا مثل حميدتي.

فضلا عن أن انعدام ثقة مصر في حميدتي بسبب تاريخه في التفوق على حلفائه، بما في ذلك الزعيم السوداني السابق البشير، جعلها حذرة بشأن التحالف معه بأي شكل من الأشكال.

وأخيرًا، فقد أثارت شبكة العلاقات الخارجية القوية التي يمتلكها حميدتي مخاوف في مصر بشأن قدرته على اتباع سياسة خارجية مستقلة قد لا تتماشى مع مصالحها في المنطقة.

لذلك فإن العلاقات الوثيقة بين مصر والبرهان توفر شريكًا أكثر موثوقية لضمان دعم مصالحها في السودان.

تظهر مصر اهتماما كبيرا بالسودان لعدة أسباب، تتجاوز التاريخ المشترك والحدود المشتركة بين البلدين، فالخلاف على سد النهضة هو مصدر قلق كبير لمصر، وسودان غير مستقر من شأنه أن يقوض موقف مصر في المفاوضات مع إثيوبيا.

كما إن موقع السودان الاستراتيجي على الحدود الجنوبية لمصر يجعل من الأهمية بمكان الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، إذ من الممكن أن يؤدي ضعف السودان وعدم استقراره إلى آثار غير مباشرة مثل زيادة الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات وأعمال الإرهاب، مما يؤدي إلى تفاقم التحديات الاقتصادية والأمنية في مصر.

يسهم وقوع السودان على مفترق طرق شمال وشرق وغرب إفريقيا في جعله لاعبًا مهمًا في السياسة والاقتصاد في المنطقة، التي تملك مصر مصلحة راسخة في الحفاظ عليها.

وعلى الرغم من هذه المصالح الإستراتيجية، فإن سياسة مصر قصيرة النظر والمتحيزة والمتناقضة تجاه السودان على مدى السنوات الأربع الماضية كانت تتعارض مع هذه المصالح.

فهي لم تساهم فقط في الصراع المستمر، ولكنها كشفت أيضًا عن نفوذها المحدود في المنطقة مقارنة باللاعبين الآخرين مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.

وتؤكد الحادثة الأخيرة التي اعتقلت فيها قوات الدعم السريع جنودًا مصريين ثم أطلقت سراحهم فقط بعد تدخل الإمارات، هذا الواقع.

بقلم خليل العناني

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة