لماذا اختارت حماس يحيى السنوار زعيماً جديداً لها؟

بقلم ريحان الدين

ترجمة وتحرير مريم الحمد

أصبح يحيى السنوار، الذي يعد أهم المطلوبين في إسرائيل ويعتقد أنه يتواجد في أنفاق عميقة في قطاع غزة، الزعيم السياسي الجديد لحركة حماس، وذلك بعد اغتيال سلفه إسماعيل هنية في طهران مؤخراً.

يعد هذا الاختيار مؤشراً مهماً على  توجهات القيادة في الحركة الفلسطينية وتوقعاتها للمرحلة المقبلة، فهو قرار تم اتخاذه وفقاً للتسلسل الهرمي الداخلي في الحركة في غضون أيام. 

لقد كان الترويج الداخلي للسنوار، الذي يرأس حركة حماس في غزة، بمثابة “رسالة جريئة” كما وصفها الأكاديمي الفلسطيني الأصل خالد حروب، مؤلف كتاب “حماس: دليل المبتدئين”.

في مقابلة له مع موقع ميدل إيست آي، أشار حروب إلى أن اختيار السنوار “رسالة مفادها أن الحركة لا تستسلم للضغوط ولا تتنازل عن مواقفها وملتزمة بالمقاومة، فإذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاؤهما في المنطقة وخارجها يأملون في إخضاع حماس بالقوة، فإن رد الحركة هو اتباع خط سياسي أكثر تطرفاً”.

يُعتقد أن السنوار هو مهندس الهجوم المفاجئ في 7 أكتوبر، وتقول مؤلفة كتاب السياسة الخارجية لحماس، ليلى سورات، أن تعيين السنوار كان مدفوعاً بالاستراتيجية الداخلية والرغبة في إرسال إشارة إلى إسرائيل، قالت: ” حماس قالت لإسرائيل: أنتم بدأتم حرب إبادة، لذا سنختار من بدأ طوفان الأقصى”.

تقليدياً، هناك 3 قواعد قوة رئيسية داخل حماس: واحدة تتمركز خارج فلسطين، وواحدة في الضفة الغربية المحتلة، وواحدة في غزة، ولذلك كان من المرجح أن يتم اختيار الزعيم الجديد من بين 3 رجال: خالد مشعل، الزعيم السابق للمكتب السياسي لحركة حماس ومقره الدوحة، وزاهر جبارين، نائب القائد المسؤول عن الحركة في الضفة الغربية المحتلة، أو السنوار الذي يقود حماس في غزة منذ عام 2017.

في حديثه لموقع ميدل إيست آي، أكد وقال مسؤول حماس ووزير الصحة السابق في غزة، باسم نعيم، أن السنوار هو خليفة هنية “وفقاً للوائح حماس الداخلية”، مشيراً إلى أن الحركة أرادت بعد اغتيال هنية التأكيد على أنها “تسير في نفس الاتجاه، وملتزمة بنفس المسار كما كانت في السابق”.

“غزة من يتخذ القرارات”

يرى الناشط الفلسطيني ومؤلف كتابين عن حماس، عزام التميمي، أن الترويج للسنوار أظهر أن “غزة اليوم هي من يتخذ القرارات، ومن المثير أن نعرف أن خالد مشعل، الذي كان المفضل في نظر الكثير من الناس، هو من أصر على تعيين السنوار”. 

“إن تحويل ميزان القوى إلى القيادة الداخلية سوف يخفف بالتأكيد الضغط على قطر والدول الأخرى التي تستضيف حماس، ففي المفاوضات، سيكون لهذه الدول المضيفة تأثير أقل على حماس للضغط عليها لقبول ما لن تقبله لولا ذلك” خالد حروب، الكاتب والباحث الفلسطيني

كان السنوار، الذي ولد في مخيم خانيونس للاجئين جنوب غزة، مقرباً من مؤسس حماس أحمد ياسين، وأسس أجهزة الأمن الداخلي للحركة، قبل أن تسجنه إسرائيل لمدة 23 عاماً لدوره المزعوم في قتل فلسطينيين يشتبه في تعاونهم مع الجيش الإسرائيلي، ويُعتقد أن السنوار قد صعد إلى الصدارة كعضو بارز في الجهاز الأمني ​​الأول لحماس “مجد” من خلال مطاردة المتعاونين مع إسرائيل والقضاء عليهم.

خلال فترة وجوده خلف القضبان، قرأ السنوار الصحف الإسرائيلية وتعلم العبرية، الأمر الذي قال أنه ساعده في فهم عدوه بشكل أفضل، وفي عام 2011، كان أحد أبرز الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم مع 1047 فلسطينياً آخرين مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي اختطفه مقاتلون من غزة في غارة عبر الحدود عام 2006.

على مدى عقد بعد إطلاق سراحه، عزز السنوار نفوذه في غزة وخاصة في شؤونها العسكرية، حيث يقول حروب: “باختيارها رجلاً في قطاع غزة المحاصر والمدمر، فإن حماس تعطي بياناً قوياً بالتحدي والصمود بأنها ستبقى في قطاع غزة وفلسطين كقوة أساسية لا يمكن تجاهلها”.

أما نعيم، المسؤول في حماس، فاعتبر أن وجود القيادة في غزة، حيث تدور المعركة، أمر رمزي مهم، وأضاف: “إنه التزام أقوى من القيادة بأكملها لدعم هذه المعركة بدءاً من 7 أكتوبر وحتى اليوم”.

يسد وصول السنوار إلى قيادة المكتب السياسي للحركة الفجوة الملحوظة بين القيادة داخل فلسطين وخارجها بحسب حروب، فقد ظلت قرارات حماس العسكرية في غزة لبعض الوقت في أيدي السنوار ودائرته، في حين تولت القيادة الخارجية مسؤولية الدبلوماسية.

يرى حروب أنه رغم نجاح تقسيم العمل في الغالب، إلا أن ذلك خلق “بعض الفجوات والانطباعات عن الاختلافات بين تيارين ” المعتدل “و” الراديكالي “، مؤكداً أنه “من خلال توحيد القيادة العسكرية والسياسية في رجل واحد وبقوة السنوار، فإن حماس تبعث برسالة وحدة وصمود”.

أكد نعيم في مقابلته على أن العمل اليومي لحماس لن يتغير بعد اختيار السنوار، فـ “كل زعيم يعرف بالضبط واجباته ومهامه وسيستمر الأمر كما كان من قبل” على حد وصفه.

ترقب من قبل إيران وقطر والسلطة الفلسطينية 

لقد كانت ترقية السنوار أيضاً قراراً متأثراً بشدة بعلاقات حماس مع الجهات الفاعلة الأخرى في الخارج وداخل فلسطين، حيث أشار التميمي إلى أن تعيينه سوف يرضي إيران، وهو أمر لا تمانعه حماس، حيث أن “ما يسمى بالأنظمة العربية السنية” لا تزال معادية للحركة. 

“هناك تصور بأن هنية كان أكثر واقعية وأكثر انفتاحاً وأكثر تصالحية، لكنني لا أعتقد أن هذا تصريح حقيقي، فالسنوار مستعد لتقديم أي تنازلات بشرط وجود أرضية مشتركة” سامي العريان، الأكاديمي والناشط في مجال حقوق الإنسان

يقول التميمي: “رغم الإخفاقات الأمنية الإيرانية التي أدت إلى اغتيال هنية، إلا أنه يُنظر إلى إيران على أنها واحدة من حلفاء حماس القلائل في المنطقة اليوم، فكل محاولات مشعل في السنوات الأخيرة لإقناع السعوديين والإمارات العربية المتحدة بإنهاء عدائهم للحركة لم تؤت ثمارها”.

أما سورات فترى أن مشعل لم تكن لديه علاقات جيدة مع إيران، وهو ما شكل عاملاً مهماً في اختيار السنوار، فتحت قيادة مشعل السياسية، نأت حماس بنفسها عن حكومة بشار الأسد في سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية، وهو أمر لم تنسه إيران، الحليف الرئيسي والداعم للأسد في ذلك. 

سوف تتأثر قطر أيضاً بالتوجه الجديد لحماس، فمنذ اغتيال هنية، لم تعد الدوحة تستضيف زعيم الحركة التي تصنفها معظم دول العالم الغربي على أنها منظمة إرهابية. 

يقول حروب: “إن تحويل ميزان القوى إلى القيادة الداخلية سوف يخفف بالتأكيد الضغط على قطر والدول الأخرى التي تستضيف حماس، ففي المفاوضات، سيكون لهذه الدول المضيفة تأثير أقل على حماس للضغط عليها لقبول ما لن تقبله لولا ذلك”.

من جانبها، سوف تراقب حركة فتح الأمور عن كثب، حيث يتمتع السنوار بعلاقة قوية مع مختلف الفصائل الفلسطينية، وهو الذي قاد محادثات المصالحة بين حماس وفتح والسلطة الفلسطينية عام 2017 تحت إشراف مصر، التي تربطه بها علاقة أمنية وثيقة.

يرى نعيم أن السنوار “مؤيد قوي للوحدة الفلسطينية، وعلينا أن ننتظر المزيد من التفاصيل من جانبه، لكنني متأكد من أنه يدعم أي جهود لتحقيق الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام”.

في عام 2021، دعم السنوار الاتفاق مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لتنظيم الانتخابات الفلسطينية، وفي نهاية المطاف، تراجع عباس عن إجراء الانتخابات، متحججاً بالقيود الإسرائيلية المفروضة على التصويت في القدس الشرقية.

من جانبه، الأكاديمي والناشط في مجال حقوق الإنسان، سامي العريان، أن “هناك تصور بأن هنية كان أكثر واقعية وأكثر انفتاحاً وأكثر تصالحية، لكنني لا أعتقد أن هذا تصريح حقيقي، فالسنوار مستعد لتقديم أي تنازلات بشرط وجود أرضية مشتركة”، مؤكداً أن النقطة الشائكة في محادثات الوحدة الفلسطينية ليست الشخصيات، بل البرنامج السياسي لفتح ورفض عباس “لأي شكل من أشكال المقاومة” ضد إسرائيل واحتلالها.

أما بالنسبة لمحادثات وقف إطلاق النار في غزة مع إسرائيل، فيعتقد التميمي أن تغيير القيادة في حماس ليس هو العامل الحاسم، مشيراً إلى أن “نتنياهو هو الذي ينسف باستمرار محادثات وقف إطلاق النار، وهو الذي يحرص على إبقاء الحرب مشتعلة لأن إنهائها ليس في مصلحته”.

ويؤكد نعيم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يستخدم مفاوضات وقف إطلاق النار المطولة كغطاء “لنيته توسيع هذه الحرب إلى حرب إقليمية”، وأضاف “إننا ننتظر من الإسرائيليين والوسطاء، وخاصة الأمريكيين، أن يأتوا بقبول واضح لاتفاق وقف إطلاق النار الذي اتفقنا عليه”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة