أثار الحراك الطلابي الذي انطلق من خيام المحتجين في جامعة كولومبيا ضد عدوان الاحتلال على غزة موجة من الاحتجاجات المماثلة في حرم الجامعات الأخرى في كافة أنحاء الولايات المتحدة.
ورفع الطلبة المحتجون مطالب مماثلة لتلك التي رفعها زملاؤهم في جامعة كولومبيا خلال الأسبوع الماضي.
وتتمثل مطالب المحتجين الرئيسية بانسحاب الجامعات من الشركات المرتبطة بانتهاكات الاحتلال لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين، وإنهاء الحرب في غزة، التي اعتبرتها منظمات حقوق الإنسان وخبراء الأمم المتحدة والعديد من الدول ذات السيادة إبادة جماعية.
وبالتزامن مع ذلك، أطلق الرئيس الأمريكي جو بايدن وبعض المشرعين الأمريكيين والنقاد الإعلاميين على المظاهرات الأخيرة اسم “الاحتجاجات المعادية للسامية”.
لكن السؤال يبقى، لماذا اندلعت هذه الاحتجاجات مؤخراً في الجامعات الأمريكية؟ وماذا تعني مطالبات المحتجين بسحب الاستثمارات على وجه التحديد؟
انطلقت المظاهرات في حرم الجامعات كرد فعل على عدوان الاحتلال الذي بدأه على غزة بعد الهجوم الذي شنته حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر على جنوب إسرائيل، والذي أدى حتى الآن إلى استشهاد أكثر من 34.000 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال.
وأصبحت الجامعات الأمريكية نقطة مركزية لحركة الاحتجاج الأوسع المؤيدة للفلسطينيين في البلاد، والتي دعت من بين مطالب أخرى إلى إنهاء الدعم العسكري الأمريكي للاحتلال، وإنهاء عدوانه على غزة، فضلاً عن إنهاء ما اعتبرته عدة جماعات حقوقية نظام فصل عنصري في الضفة الغربية المحتلة.
بدأت هذه الاحتجاجات تتخذ أسلوب إقامة المعسكرات والتخييم لأول مرة في جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، حيث أقام الطلاب حوالي 50 خيمة في الحديقة الجنوبية للحرم الجامعي.
وقال الطلبة إنهم سيركزون أيضاً على بناء مجتمع داعم لنشاطهم ومطالبهم، حيث ظهرت هذه المخيمات، التي أقيمت تضامناً مع الفلسطينيين في غزة، في أكثر من 30 جامعة في أركان البلاد.
وأوضحت أديتي راو، وهي إحدى المتظاهرات في جامعة برينستون: “لقد قررنا استعادة المكان كمنطقة محررة وإعادة تسميتها بالجامعة الشعبية لغزة”.
ويتمثل أحد المطالب الرئيسية للمتظاهرين بأن تقوم جامعاتهم بسحب الاستثمارات من الاحتلال أو من الشركات التي تستفيد من حربه في غزة ومن انتهاكاته بحق الفلسطينيين بالعموم.
ويطالب المحتجون كذلك بأن تقطع الجامعات علاقاتها مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، التي يقولون إنها لعبت دوراً رئيسياً في احتلال فلسطين.
ومؤخراً، أغلقت كلية فايزر في كاليفورنيا برنامج الدراسة بالخارج المشترك مع جامعة حيفا بعد أن خلصت إلى أن الشراكة لا تتماشى مع القيم الأساسية للكلية.
ماذا نعرف عن استثمارات الجامعات الأمريكية في إسرائيل؟
وفيما يتعلق بسحب الاستثمارات، دعا الطلاب في هذه المظاهرات إدارات جامعاتهم إلى الكشف عن مواردها المالية وإلى إبداء شفافية أعلى بشأن استثماراتها في شركات تصنيع الأسلحة والشركات الإسرائيلية التي تستفيد من الاحتلال والحرب في غزة.
فعلى سبيل المثال، يطالب الطلبة في جامعة كولومبيا الجامعة بإنهاء استثماراتها في الشركات المرتبطة بالاحتلال، بما فيها عمالقة التكنولوجيا أمازون وغوغل، التي أبرمت عقداً للحوسبة السحابية بقيمة 1.2 مليار دولار مع حكومة الاحتلال.
كما طالبوا بإنهاء الاستثمارات في شركات الدفاع الأمريكية التي تستفيد من عدوان الاحتلال على غزة مثل شركة لوكهيد مارتن.
وفي جامعة ييل، يطالب الطلبة الجامعة بالانسحاب من “جميع شركات تصنيع الأسلحة التي تساهم في عدوان الاحتلال على الفلسطينيين”.
وتقوم جامعة ييل بتبادل الطلاب والتعاون مع سبع جامعات إسرائيلية، وقع رؤساؤها على رسالة تتهم طلاب الجامعات الأمريكية وأعضاء هيئة التدريس بدعم الإرهاب.
أما جامعة هارفارد، فلديها برامج مع ثلاث جامعات إسرائيلية، فيما تتمتع جامعة كولومبيا بعلاقات طويلة الأمد مع أربع من جامعات إسرائيلية على الأقل.
فهل هذه المطالب بسحب الاستثمارات من إسرائيل جديدة؟
لا، لقد احتج طلاب الجامعات في الولايات المتحدة منذ فترة طويلة ضد استثمارات مؤسساتهم في جيش الاحتلال أو احتلاله للأراضي الفلسطينية.
وعلى مدى السنوات العديدة الماضية، تبنت العديد من الهيئات الطلابية ومجموعات أعضاء هيئات التدريس والكليات داخل الجامعات الأمريكية حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) التي يقودها الفلسطينيون.
وفي أيار/مايو 2022، أصدرت هيئة التدريس في كلية الحقوق بجامعة مدينة نيويورك قراراً يؤيد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.
وقبل شهر من ذلك، أيدت هيئة تحرير صحيفة هارفارد كريمسون، الصحيفة الطلابية التابعة لجامعة آيفي ليج حملة المقاطعة، كما صوتت جمعية دراسات الشرق الأوسط بأغلبية ساحقة لصالح قرار يدعم حركة المقاطعة.
وبالإضافة إلى سحب الاستثمارات، تنامت الدعوات لمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية في الجامعات الأمريكية، فإبان العام الماضي، أصدرت الجمعية الأنثروبولوجية الأمريكية قراراً يدعم مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.
كيف استجابت الجامعات لهذه الاحتجاجات؟
وقد قوبلت العديد من الاحتجاجات التي قادها الطلاب بالقوة، فيما ارتفع مستوى القمع الوحشي الذي تمارسه الإدارات والشرطة ضد الطلاب وأعضاء هيئة التدريس.
فقد وجهت رئيسة جامعة كولومبيا نعمات مينوش شفيق إدارة شرطة نيويورك لتفكيك المعسكر في الحديقة الجنوبية للجامعة، مما أدى إلى اعتقال 100 من طلاب كلية كولومبيا وبارنارد، بمن فيهم ابنة عضو الكونغرس الأمريكي إلهان عمر.
وبالإضافة إلى الاعتقال، تم إيقاف الطلاب عن الدراسة وإبلاغهم بأنهم لن يتمكنوا من إنهاء الفصل الدراسي الأكاديمي.
وخلال الأيام القليلة الماضية، أظهرت مقاطع الفيديو التي تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي الشرطة وهي تعتقل بعنف الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين كانوا يحتجون سلمياً داخل الجامعات.
وفي جامعة ييل، ألقت الشرطة القبض على نحو 50 متظاهراً بتهمة “التعدي الجسيم على ممتلكات الغير” وذلك بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات داخل الحرم الجامعي.
وقال المنظمون في جامعة ولاية أوهايو إن المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين تعرضوا للضرب والصعق على أيدي عناصر الشرطة التي اعتقلت آخرين ومن بينهم صحفيون يغطون المظاهرات المستمرة.
وفي جامعة تكساس-أوستن، تظهر لقطات فيديو الشرطة وهي تمسك بصحفي من بين الحشود، ثم تطرحه على الأرض قبل اعتقاله.
وأثار رد الشرطة العنيف على هذه المظاهرات مخاوف من احتمال تكرار مذبحة ولاية كينت عام 1968، عندما فتح الحرس الوطني في أوهايو النار على الطلبة المتظاهرين ضد حرب فيتنام فقتلوا أربعة منهم وجرحوا تسعة آخرين.
ولحماية طلابهم، انضم بعض أعضاء هيئة التدريس إلى الاحتجاجات وشكلوا سلاسل بشرية حول معسكرات الخيام لمنع تعديات الشرطة.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)