لماذا تعتبر خطة المساعدات الإنسانية الأمريكية خدعة؟

بقلم ريتشارد سيلفرستون 

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

يتلقى الرئيس الأمريكي جو بايدن هزيمة ساحقة في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، فعلى الرغم من عدم وجود معارضة له، فقد تخلى عنه ما يقارب 400 ألف ناخب في ولايات متعددة، واختاروا التصويت بـ ” غير ملتزم”.

انطلقت الحركة الاحتجاجية من ولاية ميشيغان المتأرجحة، حيث أدلى أكثر من 100 ألف ناخب ببيان ضد دعم بايدن للحرب الإسرائيلية على غزة، وفي الانتخابات التمهيدية اللاحقة، حذا مئات الآلاف حذوهم، وفي ولاية مينيسوتا وحدها، قال 20% من الناخبين إنهم غير ملتزمون.

لا يوافق العديد من الديمقراطيين على هذه الحرب ولا على الرئيس الذي يدعمها، كما أن 57% من الأمريكيين في البلاد غير راضين عن تعامل بايدن مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويريد 67% وقفاً دائماً لإطلاق النار في غزة.

ويرى 52% من الناخبين أن الولايات المتحدة يجب أن توقف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل حتى توقف عدوانها الحالي، ومن بين الذين صوتوا لبايدن في عام 2020، ترتفع هذه النسبة إلى 62%، بل إن أغلبية اليهود الأميركيين (50%) تؤيد وقفاً دائماً لإطلاق النار، وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة.

يدفع بايدن بالفعل ثمن عدم توافقه مع القاعدة الديمقراطية، وهو مطالب بأن يفعل شيئاً وبسرعة، وإلا فإنه قد يصل إلى انهيار جليدي قد يصل إلى انهيار الترشيحات المؤكدة.

لم تعد هناك مصداقية للتأكيدات اليومية التي يقدمها الرئيس وكبار المسؤولين بأن الولايات المتحدة تفعل كل ما في وسعها لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، بل إن اللقاء الذي عقده بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والذي عرف بصفة “تعال إلى يسوع” يبدو أجوفاً، وكذلك فإن التقارير التي تفيد بأن غضب بايدن من نتنياهو آخذ بالتصاعد تبدو وكأنها مسرحية أكثر منها جوهرية.

يملك بايدن تحت تصرفه أدوات لإخضاع إسرائيل، مثل قطع صادرات الأسلحة التي تقدر بمليارات الدولارات، وبوسعه أن يطالب بوقف فوري ودائم لإطلاق النار وأن يدعم قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في هذا الشأن، لكنه يرفض القيام بذلك، بل يتفاخر أيضًا بالقول: ” لا أعتقد أنه يجب عليك أن تكون يهودياً كي تكون صهيونياً، وأنا صهيوني”.

وفي سبيل مواجهة شعور الناخبين بالضيق، أعلن الرئيس خلال خطاب الاتحاد الأسبوع الماضي عن “مهمة طارئة” لبناء رصيف على ساحل غزة من شأنه أن “يتيح زيادة هائلة في كمية المساعدات الإنسانية التي تصل إلى القطاع كل يوم”، فوقف الديمقراطيون بين الحضور وهتفوا كما لو كان هذا حلاً معجزاً للجوع في العالم.

إجراء غير فعال

وأثناء كلمته، رحب بايدن بعائلات الرهائن الإسرائيليين الحاضرين في صالة الزوار، فيما بدا لافتاً بوضوح غياب أي عائلة من غزة مات أحباؤها أو عانوا تحت الحصار والقصف المستمر منذ أكثر من خمسة أشهر.

وقال بايدن في كلمته إن الولايات المتحدة ” تقود الجهود الدولية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة”، وبعد أن فتحت إسرائيل النار على قافلة مساعدات في مدينة غزة أواخر الشهر الماضي، بدأت الولايات المتحدة بإسقاط طرود المساعدات جواً على المنطقة المحاصرة، لكن العديد من المراقبين انتقدوا هذا الإجراء ووصفوه بأنه غير فعال، حيث وفرت عملية إنزال جوي واحدة 38 ألف وجبة فردية، وهو عدد قليل يتم توفيره لأكثر من مليوني شخص يعانون من الجوع.

إن الذي يدخل ملف المساعدات في عنق الزجاجة هو الجيش الإسرائيلي، الذي يرفض باستمرار السماح بدخول الشاحنات المصطفة على الجانب المصري من معبر رفح، في حين تستخدم إسرائيل التجويع كسلاح حرب، وتنتقم من جميع سكان غزة، وهذا يخدم أيضاً كأداة سياسية نافعة لحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، إذ تظهر استطلاعات الرأي أن ثلثي الإسرائيليين يؤيدون حرمان غزة من الغذاء.

ولا يمكن لخطة بايدن للممر البحري أن تتحايل على العقبات الإسرائيلية، حيث أشار البيت الأبيض إلى أن الإسرائيليين ” عملوا بشكل وثيق للغاية مع القبارصة منذ أشهر لإنشاء آلية نقل حيوية من ميناء لارنكا وسيقوم مسؤولون إسرائيليون بفحص الشحنة في الميناء القبرصي قبل شحنها إلى غزة”. 

سيتم تفريغ الحمولة على الرصيف الذي أنشأه الجيش الأمريكي على سواحل غزة، وسيتم بعد ذلك تسليمها إلى الوكالات الإنسانية لتوزيعها على الفلسطينيين الذين يعانون من الجوع، لكن الجيش الإسرائيلي، الذي يسيطر على ساحل غزة، يمكن أن يتدخل مرة أخرى في هذه المرحلة.

وعندما سأل أحد الصحفيين أحد مسؤولي البنتاغون كيف يمكن للولايات المتحدة أن تضمن أن إسرائيل لن تقوم بتخريب خطة المساعدات، أجاب: ” تركيزنا ينصب على تسليم المساعدات ولن أتحدث باسم الإسرائيليين”، في الحقيقة ليس في هذا الرد أكثر من محاولة لطمأنة الجمهور تجاه المخاوف المثارة.

وبحسب ما ورد فإن حجم التوزيع اليومي عبر الممر البحري سيصل إلى حوالي 200 شاحنة محملة بالمساعدات، أي أقل من نصف الكمية اللازمة قبل الحرب، حيث كان سكان غزة يستقبلون حوالي 500 شاحنة محملة يومياً، وفي حين يمكن توقع وصول عشرات الشاحنات المحملة بالمساعدات عبر الأردن ومصر، إلا أن مجملها سيظل أقل من متطلبات المساعدات لغزة.

تكتيك التأخير

وبالعموم فقد تعرضت الخطة الأمريكية لانتقادات شديدة باعتبارها غير كافية، حيث قالت ميلاني وارد، رئيسة المساعدات الطبية للفلسطينيين، لقناة الجزيرة: ” إن عمليات الإنزال الجوي والموانئ البحرية المؤقتة وما شابه ذلك ليست حلولاً واقعية أو دائمة لدرء المجاعة التي تلوح في الأفق والحفاظ على الحياة في غزة، فوحده وقف إطلاق النار الفوري والدائم هو الذي سيسمح لنا بتقديم الاستجابة الإنسانية الضخمة المطلوبة”.

قدم بايدن وعده بالتوصل لوقف وشيك لإطلاق النار منذ أسابيع، دون أن يلوح في الأفق شيء من ذلك، وفي الآونة الأخيرة، ألقت كل من إسرائيل والولايات المتحدة اللوم على حماس، قائلتين إن إطار الاتفاق موجود لكن الحركة الفلسطينية هي العائق الوحيد، في حين تسعى حماس إلى وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وعودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال غزة.

وقد قالت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً أنه ” يجب السماح للنازحين بالعودة إلى منازلهم في الشمال في أقرب وقت ممكن”، لكن إسرائيل رفضت السماح بذلك، وبرر البيت الأبيض الأسبوع الماضي تأجيل عودة النازحين بالقول: ” لإيصال الناس إلى الشمال يجب أن تكون هناك مساعدة إنسانية موثوقة”.

يضع هذا الموقف العربة أمام الحصان، فأولئك الذين فروا من الشمال يتضورون جوعاً الآن في الجنوب، وإذا كانوا بكل الأحوال سيتضورون جوعاً، فإنهم يفضلون القيام بذلك في منازلهم، لا في المخيمات المؤقتة

وبالإضافة إلى ذلك، فإنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تتخذ القرار بإعادة النازحين، بل ينبغي أن يكون الأمر في أيدي الفلسطينيين النازحين أنفسهم، إن الشرط الأمريكي هو تكتيك تأخير يسمح للإدارة بالقول إنها تدعم عودتهم، ولكن ليس الآن، وهذه وعود فارغة.

وفي ذات الوقت، يواصل مسؤولو الإدارة الأمريكية تحويل التركيز إلى حماس، قائلين للصحفيين أن زعيم الحركة ” دعا إلى العنف خلال شهر رمضان، لذلك نحن ندرك أن هذا أمر قد يحاولون القيام به ورمضان دوماً فترة متقلبة”، ومع ذلك، فإن إسرائيل تحرض على العنف من خلال السماح للمستوطنين بدخول المسجد الأقصى والصلاة من أجل تدميره وبناء الهيكل الثالث، في حين تقوم الشرطة الإسرائيلية بضرب المصلين الفلسطينيين.

في كل خطوة خلال هذه الحرب فشل بايدن في تحقيق أهدافه المعلنة المتمثلة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية لغزة، وسيحاسبه الناخبون الأمريكيون يوم الانتخابات.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة