بقلم ميراندا كليلاند
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
ليس سراً أن جيش الاحتلال يرتكب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، ففي منظمة حقوق الإنسان التي أعمل بها، وهي منظمة الدفاع عن الأطفال الدولية، فرع فلسطين، قمت بتحليل وإعداد تقارير عن الكثير من الشهادات الحية عن قتل الأطفال الفلسطينيين وجرحهم واعتقالهم وتعذيبهم، بل وأكثر مما يمكنني إحصاؤه.
لقد شاهد الناس في جميع أنحاء العالم بأم أعينهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي الصور المروعة لجثث الأطفال الفلسطينيين المتفحمة، وسمعوا قادة الاحتلال وهم يعلنون نواياهم في التطهير العرقي للفلسطينيين من غزة، ومن حيث أعيش في واشنطن العاصمة، شهدوا كيف تواصل إدارة بايدن دعم الاحتلال دبلوماسياً وإرسال الأسلحة إليه دون مبالاة.
وفيما علق الرئيس جو بايدن مؤخراً على الأحكام الصادرة بالإدانة في محاكمة الرئيس السابق دونالد ترامب بالقول أن “لا أحد فوق القانون”، فإن إدارته ملتزمة على ما يبدو بحماية الاحتلال من المساءلة بأي ثمن، حتى لو كان ذلك يعني تمزيق النظام الدولي وقواعده الراسخة.
لم يكتف بايدن حتى الآن برفض دعم القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية فحسب، بل رفض بقوة نتائجها الأولية التي خلصت إلى أن هناك احتمال معقول بأن الاحتلال يرتكب إبادة جماعية.
وعلاوة على ذلك، يواصل بايدن تقويض المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بعد ظهور أنباء تفيد بأنه يسعى إلى إصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.
وبينما يبدو أن النظام القضائي الأمريكي يحاسب ترامب أخيراً على بعض جرائمه، فقد فشلت المحاكم في منع بايدن من تعزيز تواطؤ الولايات المتحدة في الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين.
دعم “لا يتزعزع”
سوف تتاح الفرصة في العاشر من حزيران/يونيو لمحكمة الاستئناف في سان فرانسيسكو لإثبات أنه لا أحد، بما في ذلك رئيس الولايات المتحدة، فوق القانون.
ولسوف يطلب مركز الحقوق الدستورية، الذي يمثل المدعين في منظمة الدفاع عن الأطفال الدولية – فلسطين (DCI-P)، ومؤسسة الحق، والفلسطينيين في غزة، والأمريكيين الفلسطينيين، من لجنة من القضاة إعادة النظر في قرار المحكمة برفض دعوى قضائية تسعى إلى منع الحكومة الأمريكية من نقل المزيد من الأسلحة إلى الاحتلال أثناء الإبادة الجماعية المستمرة.
وكان مركز الحقوق الدستورية قد رفع في تشرين الثاني/نوفمبر دعوى قضائية ضد بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن، بحجة أن إدارة بايدن متواطئة في الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال ضد الفلسطينيين من خلال الاستمرار في تقديم الدعم المالي والدبلوماسي، فضلاً عن الأسلحة.
وأكدت إدارة بايدن في ردها على الدعوى القضائية أن المحاكم لا تملك سلطة على السياسة الخارجية، وهو مفهوم قانوني يُعرف باسم مبدأ السؤال السياسي.
وفي كانون الثاني/يناير، أدلى فلسطينيون وأمريكيون من أصل فلسطيني بشهاداتهم في محكمة فيدرالية في أوكلاند بولاية كاليفورنيا، حول تأثيرات الأسلحة الأمريكية والدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للاحتلال على عائلاتهم وأحبائهم في غزة، وطلبوا من القاضي إصدار أمر طارئ لمنعها من إرسال المزيد من الأسلحة إلى دولة الاحتلال.
إذا استمرت المحاكم الأمريكية في إعطاء الضوء الأخضر لإفلات بايدن من العقاب، فسوف يدفع المزيد من الأطفال الفلسطينيين وعائلاتهم الثمن
فبعد أيام قليلة من إصدار محكمة العدل الدولية لأولى التدابير المؤقتة في قضية جنوب إفريقيا ضد دولة الاحتلال، مشيرة إلى أنها ترتكب “بشكل معقول” إبادة جماعية في غزة، رفض القاضي الفيدرالي الأمريكي الدعوى القضائية ضد إدارة بايدن على أسس قضائية، لكنه “ناشد” بايدن إعادة النظر في دعمه “الدؤوب” للاحتلال.
ومنذ ذلك الوقت، قتلت قوات الاحتلال آلاف الفلسطينيين في غزة واستهدفت بشكل متكرر الصحفيين والأطباء والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية وحاصرت المستشفيات وقصفت مخيمات النازحين وجوعت الأطفال الفلسطينيين المعوقين والأطفال حديثي الولادة حتى الموت ومنعت المساعدات الإنسانية والضروريات الأساسية من الوصول إلى المحتاجين، بل وفعلت أكثر من ذلك.
لكن بايدن واصل رغم ذلك كله تسريع نقل التمويل والأسلحة الأمريكية إلى الاحتلال، ولم يتم استخدام الأسلحة والطائرات الحربية والتكنولوجيا الأمريكية لتنفيذ جزء كبير من حملة الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال فحسب، بل دفع دافعو الضرائب الأمريكيون ثمنها.
الاختيار بين الحياة والموت
في نهاية شهر أيار/مايو، قذف جيش الاحتلال قنابل أميركية صغيرة الحجم من طراز GBU-39، من إنتاج شركة بوينج، على مخيم للنازحين في رفح مما أدى إلى اشتعال الخيام التي تؤوي آلاف الفلسطينيين، وقضى في الهجوم ما لا يقل عن 45 فلسطينياً بينهم النساء والأطفال.
كانت هذه العائلات تلجأ إلى “منطقة آمنة” بعد نزوحها من منازلها في أماكن أخرى من غزة، في أعقاب أوامر الإخلاء الصادرة عن قوات الاحتلال، وعلى أية حال، فقد قصفتها طائراته.
وفي حين أقر بايدن بأن قوات الاحتلال استخدمت أسلحة أميركية لقتل المدنيين، وذكر تقرير صادر عن وزارة الخارجية الشهر الماضي أنه “من المعقول أن نقدر أن قوات الأمن الإسرائيلية استخدمت مواد دفاعية أميركية منذ السابع من أكتوبر في حالات تتعارض مع التزاماتها بالقانون الإنساني الدولي”، فإنهم قد فعلوا في المقابل كل ما في وسعهم للحفاظ على تدفق الأسلحة الأميركية إلى الاحتلال.
أمام المحاكم الأميركية اليوم فرصة، إذ يمكن للقضاة اختيار اتخاذ خطوة بسيطة نحو السماح لـ DCI-P والمدعين الآخرين بالحصول على فرصة لمحاسبة إدارة بايدن على دورها في الإبادة الجماعية للفلسطينيين، أو يمكنهم الجلوس ورفض إجراء عمليات تفتيش على السلطة التنفيذية، إنه خيار، وهو حرفياً خيار بين الحياة والموت.
تقتل قوات الاحتلال، التي شجعها ما يسمى بالدعم القوي من إدارة بايدن،أكثر من 60 طفلاً فلسطينياً كمعدل يومي منذ السابع من أكتوبر، وهذا يعني أن أكثر من 15 ألف طفل لن يعودوا إلى المدرسة، ولن يلعبوا مع أصدقائهم، ولن يعانقوا والديهم مرة أخرى، ولن يكبر هؤلاء الأطفال الخمسة عشر ألفاً ليعيشوا في فلسطين الحرة.
إذا استمرت المحاكم الأمريكية في إعطاء الضوء الأخضر لإفلات بايدن من العقاب، فسوف يدفع المزيد من الأطفال الفلسطينيين وعائلاتهم الثمن، وهو ثمن لا أرغب، إلى جانب العديد من الناخبين الآخرين في الولايات المتحدة، في قبوله.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)