لماذا على تركيا أن تتصدى لعدوان الاحتلال في سوريا؟

لماذا على تركيا أن تتصدى لعدوان الاحتلال في سوريا؟

بقلم علي باكير

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

بعد أن نجح الشعب السوري في إسقاط الرئيس السابق بشار الأسد، شهدت الديناميكيات الجيوسياسية في المنطقة تحولاً زلزالياً، حيث بدأت دولة الاحتلال باتخاذ إجراءات عدوانية ضد الإدارة السورية الجديدة وحلفائها، وخاصة تركيا. 

استهدفت دولة الاحتلال مئات المنشآت العسكرية ومخازن المعدات في جميع أنحاء سوريا، بهدف منع الحكومة الجديدة من ترسيخ سيطرتها على البلاد وتحقيق الاستقرار، وإلى جانب الغارات الجوية، سعت إلى إثارة الانقسامات الطائفية بين الدروز والأكراد والعلويين، مما أدى إلى التشرذم والصراع الداخلي.

وقد حاول رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو حشد المعارضة ضد القيادة السورية الجديدة وتركيا من خلال الضغط على إدارة ترامب للحفاظ على الوجود الأمريكي في سوريا، ومواصلة دعم ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية، وحتى دعوة روسيا للعودة إلى قواعد عسكرية رئيسية لموازنة نفوذ أنقرة، غير أن نتنياهو واجه خلال زيارته الأخيرة لواشنطن مقاومة لم يكن يتوقعها من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وخلال الشهر الماضي أيضًا، أصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحذيرًا شديد اللهجة لجميع الجهات التي تسعى إلى زعزعة استقرار سوريا، وقال بعد اجتماع لمجلس الوزراء في أنقرة: “دعوني أكون واضحًا: كل من يقف في طريق سوريا نحو السلام والاستقرار الدائمين سيجد الحكومة السورية وتركيا تقفان في مواجهته”، لقد أكد هذا البيان عزم تركيا على حماية مصالحها واستقرار المنطقة.

ولم يثنِ تحذير أردوغان دولة الاحتلال عن أعمالها، فقد صعّدت من عدوانها ووجّهت غارة جوية مؤخراً قرب القصر الرئاسي في دمشق رسالة تهديد إلى القيادة السورية، حيث قال نتنياهو ووزير دفاعه إسرائيل كاتس في بيان: “هذه رسالة واضحة للنظام السوري، لن نسمح بإرسال قوات جنوب دمشق أو أي تهديد للدروز”.

“أفعال متهورة

وأدانت الرئاسة السورية غارة الاحتلال ووصفتها بأنها “هجوم مستهجن يعكس استمرار الأفعال المتهورة التي تسعى إلى زعزعة استقرار البلاد وتفاقم الأزمات الأمنية”، وفي بيانٍ حثّت فيه الدول العربية والمجتمع الدولي على دعم سوريا، وأشارت الرئاسة إلى أن “سوريا لن تتنازل عن سيادتها أو أمنها، وستواصل الدفاع عن حقوق شعبها بكل الوسائل المتاحة”.

وكانت دولة الاحتلال قد دأبت على تسليح الأقليات في المنطقة لإشعال الفتنة الطائفية، وتشجيع الطموحات الانفصالية، وتأجيج العنف الداخلي الذي يُمكّنها من العمل في بيئة مواتية.

يسلط عدوان الاحتلال الأخير على سوريا الضوء على تركيا، وهي طرف إقليمي رئيسي، لا سيما بعد فشل محادثات خفض التصعيد بين أنقرة وتل أبيب الشهر الماضي في أذربيجان، وهذا يُسلّط الضوء على عبثية الحوار ما لم تُوقف دولة الاحتلال تدخلها في سوريا.

وإذا لم يُمكَّن الشرع من أداء دوره، فمهما اتخذ من إجراءات على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، فإنّ مصيرها هو الفشل.

وإذا استمرت تركيا في إصدار التحذيرات دون الاستعداد لصد هجمات الاحتلال، فإنها تُخاطر بتقويض مصداقيتها، الأمر الذي قد يُسفر عن عواقب وخيمة، وإذا استمر الاحتلال في استراتيجيته لزعزعة الاستقرار، فستتحمل تركيا وطأة الفوضى المتدفقة من سوريا.

ويُشكل صمت المجتمع الدولي إزاء عدوان الاحتلال في سوريا تحديًا آخر، إذ ينبغي على تركيا إثارة هذه القضية عبر منصات عالمية، ووضعها في إطار سياسات الاحتلال المزعزعة للاستقرار في غزة والضفة الغربية المحتلة ولبنان وأماكن أخرى، وبهذه الطريقة، يُمكن لتركيا تسليط الضوء على التداعيات الأوسع لعدوان الاحتلال، وحشد الضغط العالمي.

وينبغي لآلية الأمن الإقليمي التي تدعمها أنقرة لدعم سوريا أن تُسرّع من عملها، وذلك لتجنب امتداد العنف الذي قد يؤثر على الأردن ولبنان والعراق ودول أخرى، حيث تُواجه دول المنطقة بالفعل تحديات اقتصادية وسياسية، إلى جانب تصاعد الغضب الشعبي إزاء سياسات الاحتلال.

والأهم من ذلك، ينبغي على تركيا تفعيل علاقاتها مع الولايات المتحدة على وجه السرعة، أو الاستعداد لسيناريوهات بديلة إذا ما تم احباط هذا التعاون من قِبل الصقور المؤيدين للاحتلال والمناهضين لأنقرة داخل إدارة ترامب.

خمس نقاط حاسمة

وعلى أردوغان توضيح خمس نقاط حاسمة لترامب، أولاً، إذا استمرت دولة الاحتلال في مساعيها لزعزعة الاستقرار، فقد تتدخل جهات إقليمية أخرى وتوسّع نفوذها في سوريا وخارجها، فعلى سبيل المثال، قد يُضفي عدوان الاحتلال شرعية على أفعال طهران في نظر كثيرين في جميع أنحاء المنطقة، وقد يؤدي هذا الوضع سريعاً إلى امتداد العنف إلى دول مجاورة هشة.

ثانياً، تضع استفزازات الاحتلال الرئيس السوري أحمد الشرع أمام خيارين بالغي الخطورة: إما الرد بطريقة غير متكافئة، مما قد يؤدي إلى إشعال فتيل الحرب، أو الصمت، فيظهر ضعيفاً وغير كفؤ، مما سيُفقده شرعيته داخلياً، وكلا السيناريوهين يُهيئ بيئة خصبة لازدهار التطرف.

ثالثاً، يُنذر تسليح الاحتلال للأقليات السورية بإطلاق العنان لعنف طائفي غير مسبوق، فلعقود، شعر السنة في المنطقة بالإحباط من الديكتاتوريين المدعومين من الغرب وسياساته التي تحرض الأقليات ضدهم، وإذا قوضت دولة الاحتلال آمال سوريا الجديدة في الوحدة والاستقرار، فقد يتجاوز رد الفعل الحدود، مهددًا الأنظمة الحليفة في جميع أنحاء المنطقة.

رابعًا، سيؤدي تحريض الاحتلال المستمر في نهاية المطاف إلى جرّ دول أخرى إلى مساعدة سوريا، وستستنزف الأجندات المتنافسة موارد الدول المعنية دون أن يستفيد منها أحد، تمامًا كما فعلت السنوات الخمس عشرة الماضية من الصراع، سيُهدر المال والوقت والجهد والأرواح، بينما تفقد سوريا فرصتها الضئيلة في الاستقرار، ومن المرجح أن يتبعها آخرون.

وأخيرًا، قد توفر استراتيجية دولة الاحتلال المتمثلة في إحاطة نفسها بالدول الفاشلة راحة مؤقتة، لكنها ستؤدي في النهاية إلى نتائج عكسية، وكما هو الحال في أفغانستان والعراق، تصبح الدول الفاشلة حاضنة للتطرف وأزمات الهجرة، وإذا اتبعت سوريا المسار نفسه، فستُجرّ الولايات المتحدة حتمًا إلى المنطقة لدعم دولة الاحتلال، وبذلك ستخسر موارد ثمينة في بيئة يُنظر إليها فيها بشكل كبير على أنها عدو.

مع أخذ كل هذا في الاعتبار، ينبغي على تركيا التعاون مع دول الشرق الأوسط وأوروبا ذات المصلحة الراسخة في منطقة مستقرة وآمنة خالية من سياسات الاحتلال المزعزعة للاستقرار، وسيكون هذا التعاون أساسيًا لإقناع الولايات المتحدة برفع العقوبات، مما يُمكّن القيادة السورية الجديدة من مواجهة التحديات المقبلة.

وإذا لم يُمكَّن الشرع من أداء دوره، فمهما اتخذ من إجراءات على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، فإنها ستفشل حتمًا، وسيقع هذا الفشل في نهاية المطاف على عاتق الدول التي تُقوّض مسيرة سوريا نحو إعادة بناء الدولة والمجتمع السوريَين.

مقالات ذات صلة