لم تُطلق تركيا إدانات للضربات الأمريكية الأخيرة على منشآت نووية إيرانية، على عكس الانتقادات التي وجهتها دول إقليمية ودبلوماسيون غربيون اعتبروا هذه الخطوة “مناورة محفوفة بالمخاطر”.
لكن أنقرة تبنت لهجة حذرة توازن على ما يبدو بين رفض العدوان من جهة والسعي نحو لعب دور الوساطة من جهة أخرى.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن في خطاب متلفز مساء السبت عن تنفيذ ضربات ضد ثلاثة مواقع نووية في إيران، زاعماً بأن الهجمات نجحت في تعطيل عمليات التخصيب هناك.
وقال ترامب: “لقد تم تدمير منشآت تخصيب اليورانيوم الرئيسية في إيران بشكل كامل وتام، إما أن يكون هناك سلام أو ستواجه إيران مأساة أكبر مما شهدناه خلال الأيام الثمانية الماضية”.
حذر متوازن في أنقرة
وفي تركيا، حذرت وزارة الخارجية من أن إمكانية أن تزعزع الهجمات الأمريكية استقرار المنطقة كلها، محذرة من خطر تحول الصراع إلى حرب شاملة.
وقالت أنقرة: ” تشعر تركيا بقلق عميق إزاء العواقب المحتملة للهجوم الأمريكي على المنشآت النووية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، هذه التطورات قد تؤدي إلى تصعيد الصراع الإقليمي إلى مستوى عالمي”.
وفيما تبدو هذه العبارة حازمة على نحو ما، إلا أنها جاءت خالية من التعابير القوية التي أدانت هجمات سابقة شنتها دولة الاحتلال على المنشآت الإيرانية، والتي وصفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حينها بعبارات حادة من قبيل أنها “لصوصية”.
خيار تركي في إدارة الملف النووي
ولطالما عارضت أنقرة حصول إيران على سلاح نووي، لكنها أعربت مرارًا عن تمسكها بحل دبلوماسي لهذا الملف.
ففي عام 2010 لعبت تركيا دوراً محوريًا مع البرازيل للتوصل إلى اتفاق تبادل الوقود النووي مع إيران، هو ما يُعرف باتفاق “تركي – برازيلي”.
ويقول الخبير في مركز أبحاث سيتا التركي والمستشار في مجلس العلاقات الخارجية التركي مراد يشلتاش أنه ينظر في تركيا نحو “سعي إيران إلى ما تسميه الردع النووي على أنه مقامرة خطيرة قد تؤدي إلى سباق تسلح إقليمي، ومعارضة تركيا لعدوان الاحتلال لا تعني تأييدها الضمني لطموحات إيران النووية”.
ووصفت أنقرة غارات الاحتلال السابقة بأنها “خطوات غير مبررة”، مستندة على تقارير استخباراتية غربية تفيد بأن إيران ليست في طور السعي الفوري نحو السلاح النووي.
دبلوماسية نشطة ووساطة طموحة
واتبعت تركيا نهجاً هادئاً وعملياً في إدارة الأزمة، حيث قام أردوغان بسلسلة اتصالات هاتفية مع قادة بارزين، بينهم نظيريه الأمريكي والإيراني، مبدياً جاهزيته لاحتضان مفاوضات نووية في إسطنبول.
وكشفت تقارير من “أكسيوس” نقلاً عن موقع ميدل إيست آي أن أردوغان نجح في حث ترامب على إرسال مسؤولين أمريكيين إلى اسطنبول للقاء وفد إيراني، لكن المحادثات لم تعقد إثر تردد من طهران.
واختتمت أنقرة بيانها بالدعوة إلى حل دبلوماسي، مؤكدة: “الحل الوحيد للصراع بشأن برنامج إيران النووي هو من خلال المفاوضات، وتركيا مستعدة للوفاء بمسؤولياتها وتقديم مساهمات بناءة”.
خلفية استراتيجية لقرار الحذر
ويقف أردوغان على حافة حاسمة في الصراع الإقليمي، فهو يسعى لإظهار تركيا كقوة “مستقلة ومعتدلة” تعمل لتقريب وجهات النظر وليست طرفاً في المواجهة.
وتستطيع أنقرة تحقيق هذا التوازن بفضل عضويتها في حلف شمال الأطلسي وعلاقاتها القوية مع واشنطن، مما يمنحها نفوذاً مع إيران والمعسكر الغربي على حد سواء.
ويوضح يشيلتاش: “موقف تركيا لا يستند إلى اعتبارات سياسية قصيرة الأجل، بل إلى تقدير شامل للمخاطر يقوم على أمن الأراضي والطاقة والاقتصاد والديموغرافيا”.
وباتت أنقرة تسير بخطى محسوبة بين رفض استخدام القوة وتبني الحلول الدبلوماسية، في سياق قضية نووية شديدة الحساسية، ولهذا فهي لا تقدم إدانة صريحة للهجوم، لكنها تشدد على ضرورة الحوار وتوفير منصة للوساطة.
وقد لا تؤمن هذه السياسة المتزنة للأتراك رضا أحد، لكنها تمنحهم هامشًا يُمكّنهم من لعب دور مركزي في صنع أي حل مستقبلي بشأن إيران.