لماذا قتلت إسرائيل آخر جراح عظام في شمال غزة؟

بقلم غادة مجدلي

ترجمة وتحرير مريم الحمد

كان الدكتور سعيد جودة، أخصائي جراحة العظام الوحيد في شمال غزة، قبل إصابته برصاصة في رأسه أطلقت من طائرة إسرائيلية رباعية الدفع أثناء تنقله بين مستشفى العودة ومستشفى كمال عدوان.

أكدت وزارة الصحة في غزة أن جودة أصيب بشكل مباشر وتوفي متأثرا بإصابته، وكان قد أصيب سابقاً قبل أسبوعين، فقد كان يتنقل بشكل دائم بين المستشفيين لمعالجة النقص الحاد في الموظفين.

لم يكن قتله بهذا الشكل مجرد فقدان طبيب جديد في القطاع، بل هو عمل محسوب ضمن استراتيجية أوسع لإعاقة نظام الرعاية الصحية في غزة، ليس فقط لتعطيل علاج الإصابات ولكن لحرمان السكان من الشفاء والتعافي وبالتالي القدرة على الصمود.

مع وفاة جودة، فقد وصل عدد الشهداء من العاملين في القطاع الطبي إلى 1057، بحسب وزارة الصحة.

وتأتي هذه الجريمة في ظل تكثيف حاصل للهجمات على البنية التحتية للرعاية الصحية في شمال غزة، ضمن جملة من ممارسات أوسع التجويع والهجمات على الملاجئ، وكل ذلك بهدف تحقيق “خطة الجنرالات” لإخلاء شمال غزة.

دمار شبه كامل

لقد واجه مستشفى كمال عدوان، أحد المرافق الثلاثة التي تعمل جزئياً في المنطقة، هجمات متواصلة بين غارات الطائرات بدون طيار والاقتحامات البرية والتفجيرات.

أذكر أنه في أحد هذه الاعتداءات وفي هجمة طائرة بدون طيار تحديداً، استشهد مريض يبلغ من العمر 16 عاماً، يُدعى محمود أبو العيش، بينما كان على كرسيه المتحرك، فيما أصيب ما لا يقل عن 12 شخصاً آخر بمن فيهم أفراد من الطاقم الطبي.

لقد وقع الهجوم على جودة بعد فترة وجيزة من تصريح أحد كبار المدعين في المحكمة الجنائية الدولية بأن ادعاءات مقاتلي حماس باستخدام المستشفيات كقواعد “ربما تكون مبالغة”.

رغم تحدي بيان المحامي المدعي لمبررات إسرائيل لاستهداف المستشفيات، إلا أنه قد فشل مجدداً في معالجة الواقع الأوسع والأكثر خطورة، وهو التفكيك الممنهج لنظام الرعاية الصحية في غزة مع استمرار قدرة إسرائيل على تنفيذ هذا التدمير دون عقاب لأكثر من عام الآن.

عملت إسرائيل على إضعاف نظام الرعاية الصحية في غزة بأشكال عديدة، منها قصف المرافق وقتل وأسر العاملين في مجال الرعاية الصحية وفرض الحصار الذي يقطع الإمدادات الأساسية مثل المياه والدواء ومنع البعثات الإنسانية.

صمت وتباطأ المجتمع الطبي العالمي  يضفي الشرعية على هجمات إسرائيل ويؤدي إلى تآكل وسائل الحماية العالمية المصممة لحماية أنظمة الرعاية الصحية في مناطق النزاع

وتشكل هذه الإجراءات جزءاً من استراتيجية أوسع لتهيئة الظروف التي تهدف إلى تدمير مقدرات الفلسطينيين التي تمكنهم من البقاء في غزة، من أجل ضمان بقاء سكان غزة غير قادرين على التعافي أو إعادة البناء، الأمر الذي يؤدي إلى إلحاق ضرر طويل الأمد يمتد إلى ما هو أبعد من الوفيات المباشرة.

تبرر إسرائيل أفعالها دائماً من خلال إساءة الاستخدام السافر لقوانين الحرب، باعتبار مرافق الرعاية الصحية والعاملين فيها أهدافاً مشروعة بناءً على ادعاءات لا أساس لها بالاستخدام العسكري من قبل حماس، حيث سهّلت هذه الرواية قتل المرضى والطواقم الطبية والمدنيين، ومنعت الملايين من الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية بسبب التدمير شبه الكامل لنظام الرعاية الصحية.

مجتمع طبي صامت

إن تضحيات الطواقم الطبية في غزة، الذين يواصلون الخدمة رغم الاعتداءات المتواصلة، يعد تأكيداً على الأهمية الاجتماعية والسياسية العميقة لعملهم، فالهجمات الإسرائيلية تهدف إلى إخماد جهود أطباء غزة الذين يكافحون من أجل إنقاذ الأرواح.

في الوقت الذي يواجه فيه مقدمو الرعاية الصحية في غزة تهديدات لا يمكن تصورها، لا يوجد استجابة حقيقية من قبل زملائهم من العاملين في مجال الصحة والمؤسسات الصحية على مستوى العالم، الأمر الذي يكشف عن فشل مثير للقلق في التضامن والالتزامات الأخلاقية والمهنية.

أما داخل المجتمع الطبي الإسرائيلي، فهناك دعوات مفتوحة لتدمير المستشفيات في غزة، في الوقت الذي يتم فيه إسكات واضطهاد مقدمي الرعاية الصحية الفلسطينيين، وتجريدهم من الفاعلية السياسية والنفوذ داخل نظام الرعاية الصحية.

لقد فشل المجتمع الطبي العالمي في الاستجابة بشكل حقيقي لما يحصل من تفكيك ممنهج لنظام الرعاية الصحية في غزة، فقد ظل صامتاً رغم الأدلة الدامغة على الهجمات التي استهدفت المستشفيات وقتل الطواقم الطبية، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية، إلى جانب الدعوات المتكررة من المجتمع الطبي في غزة للتضامن العالمي.

لا يقف الأمر عند الصمت، فإن صمت وتباطأ المجتمع الطبي العالمي  يضفي الشرعية على هجمات إسرائيل ويؤدي إلى تآكل وسائل الحماية العالمية المصممة لحماية أنظمة الرعاية الصحية في مناطق النزاع.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة