بقلم محمد سلامي
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
تركت الثورة الإسلامية في عام 1979 تأثيرين رئيسيين على الحكومة والأمة في إيران: تفضيل المصالح الأيديولوجية على المصالح الموضوعية والمادية، ودعم الحركات الإسلامية، حتى خارج العالم الإسلامي.
لكن هناك حالات عديدة اختارت فيها طهران على مدى العقود الأربعة الماضية البراغماتية على المثالية، وآخر هذه الحالات العدوان الجاري على قطاع غزة.
فبعد انقضاء شهر ونصف تقريبًا على العدوان، لم تدخل طهران القتال بشكل مباشر، ولم يشن حليفها اللبناني حزب الله حربًا واسعة النطاق على إسرائيل.
وتؤكد بعض الروايات الإعلامية الغربية أن إيران تخلت عن حليفها الفلسطيني، أما في الواقع، فيبدو أن هدف طهران هو مساعدة حماس على إنهاء الحرب والنجاح بتجاوزها.
بالنسبة لطهران التي تتمحور خطتها حول تحمل أقل قدر من الضرر مهما كانت النتائج، فإن هناك نتيجتين محتملتين لانتهاء العدوان على غزة، أما النتيجة الأولى فهي خطر خسارة حماس كحليف لإيران في فلسطين.
يمثل حزب الله جوهرة التاج الإيراني، لكن حماس وبسبب وجودها داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، تلعب دور اللاعب الرئيسي عندما يتعلق الأمر باحتواء تل أبيب.
وفي بداية هذا العدوان، نفى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أن يكون لبلاده أي دور في هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لكنه قال: “نحن نقبِّل أيدي من خططوا للهجوم على النظام الصهيوني”، حيث أشارت كلماته إلى عدم رغبة إيران في الانخراط المباشر في حرب غزة.
النفوذ الإقليمي
على مدى عقود، ظلت الحرب بالوكالة تمثل تكتيك إيران الأساسي لكسب النفوذ الإقليمي، وفيما يتعلق بغزة، فإن الخيار الأفضل أمام إيران يتلخص في الاعتماد على حليف، بدلاً من المواجهة المباشرة مع إسرائيل وربما الولايات المتحدة.
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن بلاده لا تريد أن تنتشر الحرب، لكنه أضاف: “المنطقة عند نقطة الغليان وقد تنفجر في أي لحظة، وهذا قد يكون أمراً لا مفر منه، إذا حدث هذا، فسوف تفقد جميع الأطراف السيطرة”، مبيناً أن القوى المسلحة في لبنان واليمن والعراق وسوريا يمكن أن تفتح جبهات متعددة ضد إسرائيل.
يمكن أن يساعد فتح جبهات إضافية طهران من خلال زيادة الضغط على إسرائيل والحد من قدرتها على محاربة حماس، وفي ذات الوقت، فقد جرى استهداف القواعد الأمريكية في العراق وسوريا 55 مرة خلال الشهر الماضي، بحسب البنتاغون، حيث تريد طهران أن تدفع واشنطن ثمن استمرارها في دعم إسرائيل.
كما أن خطر التصعيد الإقليمي يمنح طهران نفوذاً على الدول العربية المجاورة، التي تنخرط الكثير منها في برامج تنمية اقتصادية طموحة ولا تريد أن تتوسع الحرب.
لقد اختارت إيران المشاركة غير المباشرة بدلاً من الانخراط عسكرياً في القتال في غزة، وهي تحاول ضمان بقاء حماس.
خلال ذلك، تعتمد إيران على دبلوماسيتها، حيث قام أمير عبد اللهيان بجولة إقليمية لجلب الدعم للشعب الفلسطيني، وأجرى الرئيس إبراهيم رئيسي محادثات مع مختلف القادة الإقليميين والدوليين، بمن فيهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهي المرة الأولى التي يتحدث فيها الزعيمان منذ استئناف العلاقات الثنائية.
كما حضر رئيسي قمة طارئة للزعماء العرب والمسلمين في الرياض في وقت سابق من هذا الشهر، وهي أول زيارة من نوعها للمملكة منذ أكثر من 15 عامًا.
ويأتي كل هذا مع تصاعد الاحتجاجات العالمية وتزايد الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للاستقالة، فقد نظمت عائلات وأقارب الرهائن الذين احتجزتهم حماس مؤخراً مسيرة استمرت خمسة أيام من تل أبيب إلى القدس للاحتجاج على فشل الحكومة في تأمين إطلاق سراحهم.
جمهور منقسم
أما النتيجة الثانية المحتملة لحرب غزة بالنسبة لطهران فهي تدهور صورة إيران العامة ومصداقيتها، بحيث تصبح الصورة التي يتم تداولها في العالم هي أن إيران، باعتبارها زعيمة “محور المقاومة”، تخلت عن فلسطين وحماس، الأمر الذي يضر بمصداقيتها بين أنصار هذا المحور.
ينقسم الرأي العام في البلاد إلى ثلاث فئات، الأول هو من شكل الهيئة الفكرية أو التنفيذية لاحتجاجات 2022، لقد سئمت هذه الفئة التي تتكون في معظمها من الشباب من الثورة ولم تعد تقبل أيديولوجية النظام، ويعتقد البعض أن إيران تقدر القضية الفلسطينية أكثر من المصالح الوطنية، وتضحي بالثروة المحلية من أجل الأيديولوجية العربية.
بل إن معارضي موقف النظام احتجوا على عرض العلم الفلسطيني في الأحداث الرياضية، مما يسلط الضوء على الاستقطاب المتزايد في المجتمع الإيراني بشأن هذه القضية.
أما الفئة الثانية فتتألف من الأصوليين الذين يعتقدون أن إيران لم تقم بواجبها الثوري المتمثل في “تحرير” القدس، وبحسب ما ورد، فقد اجتذبت حملة لتجنيد الإيرانيين للانضمام إلى القتال في غزة أكثر من ثلاثة ملايين متطوع.
أما المجموعة الثالثة، التي يدعمها النظام، فتضم المعتدلين الذين يعتقدون أن إيران قادرة على تقديم التضامن الإسلامي والوطني لدعم الفلسطينيين، لكن لا ينبغي لها أن ترسل قوات للانضمام إلى القتال.
وتحاول إيران ومعها الصين وروسيا تعزيز فكرة أن واشنطن لم تتمكن من القيام بواجبها في وقف الحرب، وأنها باتت في حد ذاتها مصدراً لعدم الاستقرار، ويؤكد هذه السردية أن الولايات المتحدة، من خلال دعمها المتحيز لإسرائيل، تعمل على إدامة الحرب في حين يشكل “الشرق” قوة جديدة للوساطة المحايدة.
لقد اختارت إيران الحضور غير المباشر بدلاً من الانخراط في حرب غزة عسكرياً، وتحاول طهران ضمان بقاء حماس، لكن وسط المخاوف من عدم قدرتها على السيطرة على جميع وكلائها الإقليميين، فإن هناك خطر كبير من أن يتصاعد الصراع المستمر إلى حرب أوسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)