كاتبة هذه القصة لا تستخدم اسمها الحقيقي خشية استهدافها وعائلتها بجرائم الكراهية.
فيما أكتب هذه المقالة، قُتل العشرات من أفراد عائلتي وأصدقائي في غزة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، كان من بين الضحايا بعض الرجال، لكن معظمهم من النساء والأطفال، ولم يتم إنقاذ الجدات ولا الصغار.
وإلى الآن، مازال لدي أحباء محاصرون تحت الأنقاض، حيث يقوم الجيران ومن تبقى من عائلتنا بالحفر بأيديهم بشكل محموم لمحاولة إنقاذهم.
وخلال الأيام المقبلة، سنفقد المزيد من الأرواح البريئة في الغزو البري الإسرائيلي والغارات الجوية المتواصلة.
يقودني صمت المؤسسة البريطانية الذي يصم الآذان إلى الاستنتاج بأن المحنة التي تعيشها عائلتي في فلسطين تعتبر أقل أهمية بالنسبة لها من حياة الآخرين وهذا يحطم قلبي إلى ألف قطعة.
قال زعيم حزب العمال، كير ستارمر، في البرلمان، إن المسلمين البريطانيين يجب ألا يعتذروا عن الهجمات الإرهابية التي ارتكبت باسمنا، ولكنه أتبع ذلك بعد بضعة أيام بزيارة أحد مساجد ويلز، حيث كرر دعوته إلى “الإفراج عن كل الرهائن” وكأن المسلمين البريطانيين في حاجة إلى تذكر هذه الحقيقة، ومنذ ذلك الحين رفض الدعوة إلى وقف إطلاق النار على الرغم من اعترافه بأن إسرائيل تقتل آلاف الأطفال.
لقد استخدم رئيس الوزراء ريشي سوناك ووزيرة الداخلية سويلا برافرمان القصف الذي يتعرض له شعبي كوسيلة لممارسة السياسة، إما من خلال محاولة تصوير حزب العمال على أنه معاد للسامية أو من خلال اللعب في حروب ثقافية حقيرة، وقد دعا بعض السياسيين في المملكة المتحدة إلى وقف إطلاق النار، بما في ذلك حمزة يوسف، الوزير الأول الاسكتلندي، الذي لا زالت عائلته محاصرة في غزة.
كم من سياسيينا المنتخبين سيقبلون أن تُقتل عائلاتهم البريئة باسم السلام؟ يختلف الأمر تمامًا عندما يكون أحباؤك هم ضحايا الحرب الأبرياء، وليس بعض المسلمين العرب الذين لا تقدرهم.
الأصوات المعارضة
ومن بين السياسيين العماليين الآخرين الذين أيدوا دعوات وقف إطلاق النار عمدة لندن صادق خان، وزعيم حزب العمال الاسكتلندي أنس ساروار، وعمدة مانشستر الكبرى آندي بورنهام وآخرون.
ربما تكون هذه الأصوات المعارضة قد نجحت في السيطرة على الضرر، حتى لا يخسر حزب العمال بشكل كامل نسبة 71% من المسلمين الذين صوتوا له في الانتخابات العامة لعام 2019، كما أن موقفهم الشجاع سيمكن المزيد من أعضاء البرلمان من حزب العمال من اتخاذ ذات الموقف، وربما يضمن تسليم ستارمر مفاتيح داونينج ستريت.
في غضون ذلك، رفض سوناك الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة، متبعًا الموقف الأمريكي الداعي إلى هدنة لأسباب إنسانية.
إذا لم يكن الأمر واضحًا في الماضي، فهو كذلك الآن: ليس لدى المسلمين البريطانيين والفلسطينيين البريطانيين، وسطاء عادلون، ومتوازنون، ونزيهون.
يعني ذلك ببساطة أنه بدلاً من أن أتعرض للقتل اليوم، يمكن لعائلتي أن تُقتل غداً، على الرغم من تصريح أكثر من 250 محاميًا وأستاذ قانون بريطانيًا بأن إسرائيل انتهكت القانون الدولي، إلا أن حكومتنا تواصل تأييد العقاب الجماعي للنساء والأطفال الأبرياء، بما في ذلك 200 فلسطيني بريطاني عالقين في غزة، بينما تخاطر أكثر بحياة الرهائن البريطانيين المحتجزين لدى حماس.
بالنسبة للعديد من الشباب البريطانيين المسلمين، هذه هي المرة الأولى التي يرون فيها غالبية الشخصيات السياسية والمؤسساتية لدينا تثبت أن الحياة ليست متكافئة.
وحتى الملك تشارلز، الذي أصدر بيانًا من أجل الضحايا الإسرائيليين وأجرى محادثات مع الحاخام الأكبر، لم يصدر بيانًا لدعم المسلمين البريطانيين المكلومين ولم يلتق بعائلات الفلسطينيين البريطانيين، إن هذا المعيار المزدوج من جانب ملك يدعي أنه قريب من المجتمعات الإسلامية العالمية قد تم كشفه أمام العالم أجمع.
ومما زاد من تفاقم هذه المشكلة، عقد الملك اجتماعًا في قصر باكنغهام مع وكالات الإغاثة لغزة، لكنه لم يقم بدعوة الجماعات الإسلامية مثل الإغاثة الإسلامية، أكبر مؤسسة خيرية إسلامية في المملكة المتحدة.
مواطنون من الدرجة الثانية
وقال كبير الحاخامات، إفرايم ميرفيس، مؤخراً: “إلى جميع أصدقائنا الذين لم نسمع منهم كلمة واحدة حتى الآن، إن صمتكم يصم الآذان”.
بالنسبة له، أقول إنه فقد كل الدعم بسبب فشله في التنديد بتجريد أحبائي في غزة من إنسانيتهم، الذين لا علاقة لهم بالهجمات الإرهابية، كما أن صمته يصم الآذان لأنه فشل في إدانة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب وصفه للفلسطينيين بأنهم “أبناء الظلام” واستحضار العماليق، وهم أمة توراتية أُمر الإسرائيليون بالقضاء عليها.
فشل كبير الحاخامات وغيره من الزعماء الدينيين في الرد عندما شبه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الفلسطينيين بـ “الحيوانات البشرية”. واقترح رئيس أساقفة كانتربري، في حديثه على القناة الرابعة، “عدم التسرع في الحكم”، لكنه في المقابلة نفسها، أشار بأصابع الاتهام في اتجاه واحد وليس الآخر، مما أثار غضب زعماء الكنيسة المسيحية والمسيحيين الفلسطينيين على حد سواء.
يأتي ذلك في الوقت الذي تقول فيه منظمة إنقاذ الطفولة إن عدد الأطفال الفلسطينيين الذين قتلوا في الأسابيع الثلاثة الماضية يتجاوز العدد السنوي للأطفال الذين قتلوا في مناطق النزاع حول العالم منذ عام 2019.
باعتباري مسلمة بريطانيًة فلسطينيًة، واجهت عددًا من الهجمات خلال الأسابيع القليلة الماضية، بما في ذلك تخريب ممتلكاتي والإساءة اللفظية في الشوارع، ولهذا السبب أخشى حتى أن أضع اسمي في هذا المقال، لأنني أعلم أن ذلك سيجعلني وعائلتي الصغيرة هدفًا أكبر لجرائم الكراهية.
وفي عام 2017، أدى هجوم إرهابي على مسجد في فينسبري بارك إلى مقتل رجل وإصابة حوالي عشرة آخرين، وقبل بضعة أيام فقط، ألقيت علبة بنزين مكتوب عليها عبارة “حكم جيش الدفاع الإسرائيلي” من فوق بوابة مسجد في أكسفورد.
إذا لم يكن الأمر واضحا في الماضي، فهو واضح الآن: ليس لدى المسلمين البريطانيين والفلسطينيين البريطانيين وسطاء عادلون ومتوازنون ونزيهون، وحتى عندما يتحدث شخص مثل الأمين العام للأمم المتحدة بطريقة متوازنة، تتم إدانته.
ويظهر هذا الصراع أن حياة الناس جميعاً ليست متساوية، وأن المسلمين مواطنون من الدرجة الثانية في بريطانيا، ليس لديهم موطن سياسي أو دعم من المؤسسة، لقد تبين لنا أن حياة الفلسطينيين البريطانيين لا تهم.