لماذا لا ينبغي لأوروبا أن تغلق أبوابها أمام اللاجئين السوريين بعد سقوط الأسد؟

بقلم علاء جبور

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

بعد أقل من 24 ساعة على سقوط نظام الأسد، ترددت أصداء سؤال رئيسي في وسائل الإعلام: متى سيعود السوريون إلى بلادهم؟

بالنسبة لي وللعديد من اللاجئين السوريين الذين أسسوا حياة جديدة في مختلف أنحاء أوروبا وخارجها، لم يكن هذا السؤال مجرد استفسار نظري، فقد خلق سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد موجات من الصدمة في مختلف أنحاء العالم.

ففي غضون ساعات، أعلنت دول الاتحاد الأوروبي عن خطط فعلية لوقف معالجة طلبات لجوء السوريين، حيث أصبح الأمر وكأن الأساس الذي بنيناه هنا في أوروبا أصبح موضع شك.

ومع تطور الأحداث، تسابقت أفكاري، وظهر سؤال معاكس: كيف يجب أن يشعر اللاجئون السوريون عند سماع هذه الرسائل، وخاصة في وقت نتمتع فيه بمشاعر جياشة مملؤة بالفرح والأمل، ولكن أيضاً بالقلق والخوف وعدم اليقين بشأن المستقبل، سواء هنا أو في الوطن؟

بالنسبة للعديد منا، عادت ذكريات النزوح من سوريا والعواطف المرتبطة بهذه التجربة إلى الظهور بقوة، وكأننا مطالبون بالاختيار بين مستقبلين غير مؤكدين: واحد في بلدنا المتبني والآخر في وطننا الذي تغير إلى الأبد بسبب الحرب والمعاناة.

وما زال السؤال حول شكل البلد الذي سيعود إليه السوريون يثقل كاهلي بشدة، فالعديد من اللاجئين السوريين في جميع أنحاء العالم، من الاتحاد الأوروبي إلى تركيا ولبنان والأردن، يتصارعون مع هذا الشك وهم يراقبون الأحداث تتكشف في سوريا.

ونادراً ما تتناول وسائل الإعلام السؤال حول ما إذا كانت سوريا آمنة حقًا للعائدين، وعندما تتطرق لهذا السؤال فليس ثمة إجابة، إذ لا يزال الوضع على الأرض فوضوياً وغير واضح.

مشاعر مختلطة

تثير أنباء عودة السوريين إلى بلادهم مشاعر مختلطة بين الرغبة في لم شمل الأسرة والوطن والخوف وعدم اليقين بشأن ما إذا كانت العودة آمنة حقاً.

وفي غياب مثل هذا الوضوح، يواجه السوريون حالة من عدم اليقين المزدوج: مكانهم في البلدان التي استقبلتهم والظروف التي تنتظرهم إذا عادوا إلى ديارهم. 

إن هذا الاضطراب العاطفي مرهق، ويجبرهم على العيش في حالة من الغموض، غير متأكدين أبدًا من المكان الذي ينتمون إليه حقًا.

لقد بدأ الأمل والفرح الذي ميز الأيام الأولى للاحتفال في المجتمعات السورية يتلاشى، فقد عاش العديد من السوريين في بلدانهم الجديدة لسنوات، وبعضهم لأكثر من عقد من الزمان.

وقد أوضح العديد من السوريين أنهم ليسوا مجرد متلقين سلبيين للدعم، بل إنهم يريدون حقًا أن يكونوا جزءًا من مجتمعاتهم الجديدة. 

وفي جميع أنحاء أوروبا، يستثمر السوريون في المجتمعات التي يعيشون فيها، إنهم يدرسون ويشاركون في المناقشات الاجتماعية والسياسية ويساعدون في بناء المستقبل ويساهمون بنشاط في تطوير مجتمع يقدر التنوع والشمول.

وفي ضوء هذا، ألا ينبغي أن تُسمع أصوات السوريين في أوروبا وأجزاء أخرى من العالم في المناقشات حول ما يحمله لهم المستقبل؟ ألا ينبغي أن يتمكنوا من التعبير عن آرائهم ومخاوفهم وتطلعاتهم؟

ورغم أنه يبدو أن الثورة السورية قد وصلت إلى نقطة تحول، فإن الوضع على الأرض لا يزال دون حل، فإعادة بناء سوريا ستكون تحديًا هائلاً، وستتطلب معالجة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية عميقة الجذور.

إن إحياء الاقتصاد وإصلاح النظام التعليمي واستعادة المؤسسات السياسية وشفاء المجتمع الممزق بالحرب هي مهام ضخمة ستستغرق سنوات، إن لم يكن عقودًا.

كما أن السوريين يحتاجون إلى الوقت والمساحة لإعادة بناء حياتهم مع العلم أنهم قادرون على القيام بذلك في بيئة آمنة، سواء في بلدانهم التي لجأوا إليها أو في سوريا.

حوار عالمي

ولا يريد أحد أن يكون لاجئاً في المقام الأول، ولا يريدون حتى تكرار هذه العملية، إن احتمال العودة إلى بلد لا يزال في خضم إعادة البناء، حيث لا يتم ضمان السلامة والاستقرار، هو فكرة مرعبة.

قد تكون هناك حاجة إلى إعادة تقييم عمليات طلبات اللجوء السورية ووضع اللاجئين في المستقبل، لكن اليوم ليس الوقت المناسب لمثل هذه المناقشة. 

وفي الوقت الحالي، يجب على الدول الأوروبية والدول المضيفة الأخرى العمل مع السوريين، والاستماع إليهم، ومناقشة كيف يمكنهم المساعدة في جعل سوريا خيارًا آمنًا وقابلًا للعودة، وهذا المستقبل لم يأت بعد.

وحتى ذلك الوقت، فإن بلجيكا وألمانيا والسويد ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى ليست مجرد ملاجئ مؤقتة للسوريين، بل أصبحت موطناً لهم، ليس فقط لأنها توفر الأمن المادي، بل وأيضاً لأنها توفر فرص النمو والتعليم والتكامل الاجتماعي.

بالنسبة للعديد من السوريين، فإن أوروبا هي المكان الذي يمكنهم فيه أن يحلموا من جديد، ويخططوا للمستقبل، وينشئوا أسراً ويساهموا بشكل هادف في المجتمع. 

ومن الأهمية بمكان أن يستمر شعورهم بالترحيب والتقدير والاعتراف بمساهماتهم، كما ويتعين على المجتمع الدولي أن ينظر إلى اللاجئين ليس باعتبارهم أعباءً، بل باعتبارهم مشاركين نشطين في المجتمعات التي يعيشون فيها.

فلنواصل بناء مجتمعات شاملة، حيث يشعر الجميع، بغض النظر عن أصلهم وموطنهم، بأنهم مسموعون ومقدرون. 

وفي الوقت نفسه، فلنعمل من أجل مستقبل حيث يمكن للسوريين العودة أخيراً إلى سوريا الآمنة المعاد بناؤها عندما يحين الوقت المناسب، ليس بدافع الخوف، بل بالأمل في مستقبل أكثر إشراقاً.

حتى ذلك الحين، يستحق السوريون في أوروبا أن تُسمع أصواتهم وأن تُعترف بمساهماتهم كجزء من حوار عالمي حول مستقبل وطنهم ومكانهم في العالم.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة