بقلم راغب صويلو
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
حين شبه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الشهر الماضي، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بهتلر بسبب قتله أكثر من 20 ألف فلسطيني في غزة، ثارت ضجة في إسرائيل.
وقال أردوغان متسائلاً “كيف تختلف عن هتلر؟ هل هناك ما فعله نتنياهو أقل من هتلر؟” ثم أجاب: “لا”.
ولاحقاً، وجه نتنياهو الانتقادات لأردوغان، واتهمه بارتكاب إبادة جماعية ضد الأكراد، ووصفه الكثيرون في دوائر واشنطن بأنه معاد للسامية، لكن من المفارقات أن العديد من النشطاء الذين يتفقون بالفعل مع ما قاله أردوغان بشأن إسرائيل اتهموه بالنفاق.
ويقول هؤلاء النشطاء أن أردوغان يستخدم خطابًا قاسيًا ضد إسرائيل لكنه يحافظ على العلاقات التجارية معها، وأشار البعض إلى أن تركيا لا تزال تسهل تدفق النفط الأذربيجاني إلى سفن الشحن التي تحمله إلى الموانئ الإسرائيلية، فما الذي يمكننا أن نستنتجه من مثل تلك الحجج؟
عندما يتعلق الأمر بإسرائيل فهناك سقف مرتفع للتوقعات من تركيا، قد يقول كثيرون أن هذه التوقعات هي من صنع أردوغان نفسه من خلال خطابه القاسي، لكن هذه قراءة غير عادلة، فكثيراً ما يستخدم أردوغان صوته المرتفع لطرح قضيته دون تنفيذ أي عقوبات.
نهاية الأسبوع الماضي مرت 100 يوم على هجوم حماس في 7 تشرين الأول / أكتوبر، ألغت أنقرة زيارة كان من المقرر أن يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إليها منذ فترة طويلة، واستدعت سفيرها في تل أبيب للتشاور، وجمدت المحادثات بشأن التعاون في مجال الطاقة التي كانت يمكن أن تشمل مد خط لأنابيب الغاز.
وكما قلت في مقال سابق، فقد اتبعت تركيا بعد السابع أكتوبر نهجاً متوازناً تجاه الصراع وعينها على دور وساطة محتمل، لكن بعدما اتضح بشكل متزايد لأنقرة أن نتنياهو لا يتطلع إلى عقد اتفاق ويركز عوضاً عن ذلك على قصف غزة وتحويلها إلى أنقاض فقد تغير خطاب أردوغان.
ومبتعداً بشكل واضح عن حلفائه في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فإن أردوغان يستخدم الآن منبره الدولي لإدانة إسرائيل بقوة، وبالمقارنة مع الصمت المخزي الذي يلوذ به العالم الغربي إزاء قتل إسرائيل الوحشي للمدنيين في غزة، والذي يصفه العديد من الخبراء بالإبادة الجماعية، فإن انتقادات أردوغان لها وزنها.
ما وراء الخطاب
ومع ذلك، فإن النهج الدبلوماسي التركي تجاه الحرب يتجاوز مجرد الخطابة، حيث تتشابك حسابات أنقرة تجاه إسرائيل مع قضيتين رئيسيتين هما حل الدولتين وإسقاط نتنياهو.
فقد كرر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، منذ الأيام الأولى للحرب، الحاجة إلى حل الدولتين، واقترح نموذج ضمان يمكن أن يشمل حلف شمال الأطلسي والحلفاء العرب من خارج الناتو لحماية أي اتفاق، وشكلت تركيا ودول عربية وإسلامية أخرى وفداً من وزراء الخارجية، يسافر أعضاؤه حول العالم لإقناع أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والدول الغربية بالدفع من أجل وقف إطلاق النار.
وفي 26 تشرين الأول / أكتوبر أثمرت تلك الجهود حين أيدت 120 دولة طلب الأردن بوقف إطلاق النار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مقابل تصويت 14 دولة ضد الطلب وامتناع 45 دولة عن التصويت، لكن وبعد الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بذلها أردوغان وفيدان والوفد العربي الإسلامي بين الدول التي لم تدعم القرار، تغيرت هذه الأرقام بشكل كبير فشهد التصويت في كانون الأول / ديسمبر دعم 153 دولة لوقف إطلاق النار ومعارضة 10 دول فقط وامتناع 23 عن التصويت.
لقد كان هذا إنجازًا كبيرًا، لكنه لم ينل التقدير المستحق وسط الكارثة الإنسانية المستمرة في غزة.
إن مثل هذه الخطوات الدبلوماسية المخططة بعناية تتجاوز الإجراءات العقابية السطحية وقصيرة النظر
وأيضاً تسعى أنقرة إلى توحيد الفصيلين الفلسطينيين الرئيسيين، حماس وفتح، وقال أردوغان أن أنقرة تحاول جمع الطرفين معًا لبناء جبهة موحدة قبل النقاش النهائي حول إقامة دولة فلسطينية، وقد أشارت فتح إلى انفتاحها على مثل هذه النقاشات.
إن مثل هذه الخطوات الدبلوماسية الدقيقة والمخططة بعناية تتجاوز الإجراءات العقابية المبسطة وقصيرة النظر، والتي لم تكسب أنقرة أي نفوذ بين صناع القرار الإسرائيليين في الماضي.
ومراراً وتكراراً قال المسؤولون الأتراك، بمن فيهم أردوغان نفسه، أن نتنياهو يتحمل المسؤولية الأساسية عن حرب غزة، في حين يبدو أن حياته السياسية تقترب من نهايتها، ولهذا السبب كان أردوغان يستهدف نتنياهو مباشرة، بدلا من انتقاد المجتمع الإسرائيلي بأكمله، وكثيراً ما ذكر أردوغان المعارضة الشعبية الإسرائيلية لحكم نتنياهو مما يترك الباب مفتوحاً للمناورة بعد مغادرة الأخير لمنصبه.
وفي ذات الوقت، تدعم تركيا رسمياً قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وقد اقتلعت مؤخراً أكثر من عشرين مشتبهاً بعمالتهم لإسرائيل زُعم أنهم كانوا يجمعون معلومات عن مواطنين فلسطينيين يقيمون على الأراضي التركية.
الطريق إلى الأمام
وفيما يتعلق بمسألة التجارة، لا تؤمن أنقرة بإمكانية فرض عقوبات جماعية على المجتمع الإسرائيلي بأكمله من خلال قطع العلاقات تمامًا، وهي خطوة من شأنها أن تؤثر سلبًا أيضًا على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وحتى بعد مذبحة مافي مرمرة عام 2010 التي نفذها جنود إسرائيليون، لم تنه تركيا علاقاتها التجارية الثنائية.
بالإضافة إلى ذلك يبدو أن الكثير من الناس لديهم معلومات خاطئة عن العلاقات التجارية التركية الإسرائيلية، فقد جادل البعض على وسائل التواصل الاجتماعي بأن الصادرات التركية إلى إسرائيل زادت بنحو 35% في كانون الأول / ديسمبر مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذه الزيادة كانت مجرد ارتفاعاً موسمياً لا زيادة فعلية.
إذا قارنت بدلاً من ذلك بيانات التصدير بين كانون الأول / ديسمبر 2023 مع كانون الأول / ديسمبر 2022، فستجد بالفعل انخفاضًا بنسبة 30% في السلع والخدمات التركية المباعة إلى إسرائيل، حيث انخفضت من 611 مليون دولار إلى 431 مليون دولار، وانخفض إجمالي تجارة تركيا مع إسرائيل بين 7 تشرين الأول / أكتوبر و31 كانون الأول / ديسمبر بنسبة 45% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، من حوالي 2.3 مليار دولار إلى 1.2 مليار دولار.
كما أن المسؤولين الأتراك لن يقوموا بإلغاء الصفقات التجارية الملزمة للقطاع الخاص، مثل الترتيبات المتعلقة بالصادرات الأذربيجانية عبر الموانئ التركية إلى إسرائيل، أو الشركات التركية الخاصة التي تحمل البضائع المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، ودائمًا ما يكون هنالك دعوات مقاطعة ضد إسرائيل أو أي دولة أخرى تمر تركيا بأزمة معها، لكن هذا لا يعني أن أنقرة ستتصرف بناءً على هذه الدعوات.
للمضي قدمًا، واستنادًا إلى محادثاتي مع المسؤولين الأتراك، من الواضح جدًا بالنسبة لي أن أنقرة تظل مستعدة لأن تكون جزءًا من قوة حفظ السلام في غزة تحت رعاية اتفاق يهدف إلى حل الدولتين، كما أنها مستعدة للمساهمة في مشاريع إعادة الإعمار في ظل حكومة فلسطينية شرعية، إن قطع كافة العلاقات مع إسرائيل لن يخدم هذه الأجندة.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)