بقلم ماركو كارنيلوس
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
خلال الأسبوع الماضي، التقى قادة مجموعة الدول السبع الكبرى في منتجع فاخر في بوليا بإيطاليا، ليتظاهروا بثقة بأنهم يديرون عالماً تتزايد فيه التحديات ويتسم “بأزمات مترابطة متعددة”.
إنهم يتظاهرون بأنهم يفعلون ذلك من خلال مجموعة من القواعد العالمية التي تصوروها ويفسرونها وينفذونها حصرياً، لكن لا يوجد ما هو أبعد من ذلك عن الحقيقة حيث تكافح أعداد متزايدة من الدول حول العالم لتصديق رواية مجموعة الدول السبع الكبرى.
ومن الناحية السياسية، فإن أغلب قادة الدول السبعة في أفضل الأحوال هم مجرد بط أعرج، أو في أسوأ الأحوال، موتى يمشون، وربما تكون مجموعة الدول السبع الكبرى بمثابة أشباح سبعة.
فقد أكد هؤلاء الزعماء في بيانهم الختامي على “إيمانهم المشترك بالمبادئ الديمقراطية والمجتمعات الحرة، وحقوق الإنسان العالمية، والتقدم الاجتماعي، واحترام التعددية وسيادة القانون”، كما تعهدوا “بتوفير الفرص والسعي إلى تحقيق الرخاء المشترك والسعي إلى تعزيز القواعد والمعايير الدولية لصالح الجميع”.
كما أكدوا رسمياً التزامهم “باحترام ميثاق الأمم المتحدة، وحماية السلام والأمن الدوليين، ودعم النظام الدولي الحر والمفتوح القائم على القواعد ودعم النظام العالمي الأكثر فعالية وشمولاً وعدلاً ليعكس عالمنا المتغير”.
إن مراقبة سلوك بعض أعضاء مجموعة الدول السبع عن كثب في العقود الأخيرة، وخاصة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تجعل هذه التصريحات جوفاء، على أقل تقدير.
لقد تمسكوا بمبادئهم العليا بشأن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي خصصوا لها الجزء الأكبر من بيانهم، ولكنهم لاذوا بالصمت وغاب عنهم الحسم بشأن المذبحة المستمرة في غزة، حيث يزيد الظرف خطورة وعدد الضحايا قد أصلح أعلى بكثير بسبب إسرائيل “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، كما وصفها أعضاء مجموعة الدول السبع.
تناقض صارخ
فيما يتعلق بأوكرانيا، توسع مجموعة الدول السبع “احترامها” المزعوم لميثاق الأمم المتحدة وتخاطر بمصداقية النظام المالي الدولي من خلال “الاستفادة من العائدات غير العادية للأصول السيادية الروسية المعطلة” لتوفير 50 مليار دولار لكييف.
كما يظهر أعضاء مجموعة الدول السبع محاربين بشكل مخيف عندما يتباهون “بجهودهم الجماعية لنزع سلاح المجمع الصناعي العسكري الروسي وسحب التمويل منه”.
في موسكو، لا يمكن تفسير هذا إلا باعتباره تأكيداً صارخاً على رغبتهم في جعل روسيا غير قادرة على الدفاع عن نفسها، فهل كان من الضروري، في ظل خطر اندلاع حرب عالمية، إدراج مثل هذه الكلمات في البيان الختامي لمجموعة الدول السبع؟
وعلى العكس من ذلك، عندما يتعلق الأمر بغزة، فإن مجموعة الدول السبع، التي تخشى رد فعل محتمل من حكومة الاحتلال، لم تحرك ساكناً لتطبيق بعض المعايير التي تطبقها بإصرار شديد على روسيا.
يتناقض زعم مجموعة الدول السبع باحترام ميثاق الأمم المتحدة والالتزام “بدعم الكرامة الإنسانية وسيادة القانون في جميع أنحاء العالم” بشكل صارخ مع الموقف الذي اتخذته بلدانها تجاه أزمة غزة على مدى الأشهر الثمانية الماضية.
إن أعضاء مجموعة الدول السبع بحاجة إلى الاستيقاظ والخروج من الفقاعة الفكرية المنفصلة عن الواقع التي يعزلون أنفسهم فيها، لأنهم في الوقت الحالي ليسوا مجرد أشباح، بل هم أيضاً نائمون يتحركون نحو حافة الهاوية
ويوضح البيان هذا المعيار المزدوج الهائل، ويظهر كيف أن أعضاء آخرين في مجموعة الدول السبع قد وافقوا بشكل كامل على الرواية الأميركية المغلوطة جوهرياً بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
يبدأ الجزء المخصص لغزة بتكرار “الإدانة القوية من جانب مجموعة الدول السبع للهجمات الإرهابية الوحشية التي شنتها حماس وغيرها من المنظمات الإرهابية ضد دولة الاحتلال في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023” ويعلن تضامن هذه الدول “ودعمها الكامل لإسرائيل وشعبها”، إلى جانب “الالتزام الثابت بأمنها”.
ويدين البيان حماس لإخفاقها في “الفصل والتمييز بين نفسها والمدنيين في غزة”، لكنه في ذات الوقت لا يقدم كلمة واحدة في لوم الاحتلال على فشله الذريع في التمييز بين حماس والمدنيين في عملياته العسكرية، التي قتلت ما يقرب من 40 ألف فلسطيني.
الكلمات الوحيدة المخصصة للاحتلال في البيان تتمثل في أن عليه أن “يمتثل بالكامل لالتزاماته بموجب القانون الدولي”، ولكن لا توجد عواقب إذا لم يتم احترام هذه الالتزامات، كما هو الحال في الغالبية العظمى من الحالات.
الصمت المطبق
ولا يتوقف النفاق في بيان مجموعة السبعة عند هذا الحد، فالبيان يدعو حماس بشكل منفرد إلى “قبول وتنفيذ اقتراح وقف إطلاق النار بشكل كامل وصريح، كما هو موضح في القرار 2735″، رغم أن الحركة أقرب من الاحتلال، كما هو ملاحظ، إلى قبول المقترح الذي عرضه الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وفي حين أعرب البيان عن “إدانته الشديدة للهجوم الإيراني على إسرائيل في 13-14 نيسان/أبريل”، إلا أنه لاذ بالصمت المطبق حيال هجوم الاحتلال على القنصلية الإيرانية في دمشق قبل بضعة أيام من الرد الإيراني.
وفي منطقة رئيسية أخرى من المشاكل، منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فإن مجموعة الدول السبع تعترف بأهمية الصين وتؤكد على البحث عن علاقات بناءة ومستقرة معها.
وتحث المجموعة بكين على التعاون في معالجة التحديات العالمية، لكنها تنكر أن يكون لديها أي تطلعات لإلحاق الضرر بالصين أو إحباط تنميتها الاقتصادية.
غير أن مثل هذه الكلمات لا تتطابق مع الأفعال، بالنظر إلى العقوبات والتعريفات الجمركية الجديدة التي تبنتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد بكين، وفي أفضل الأحوال، فإن هذه الاستراتيجية في التعامل مع الصين لن تنجح وفي أسوأها الأحوال ستؤدي إلى نتائج عكسية.
كما يضلل بيان مجموعة الدول السبع المجتمع الدولي من خلال عرض التوترات في بحر الصين الجنوبي على أنها نابعة حصرياً من تصرفات بكين، على الرغم من أن هناك مطالبات متنافسة ومتداخلة على المنطقة بين العديد من الدول الإقليمية الأخرى.
وقد أدى حضور بعض أعضاء مجموعة البريكس، بما في ذلك البرازيل والهند، في قمة مجموعة الدول السبع إلى تعزيز اعتقاد البعض بأن المنافسة في الجنوب العالمي لا تزال مفتوحة، أي أنهم مازالوا يخدعون أنفسهم.
لقد أصبحت الصين القوة المرجعية للجنوب العالمي، ويبدو أن تدفقات التجارة تؤكد هذا الاتجاه، وإذا استمرت مجموعة الدول السبع في تسليح قوتها المالية والدولار الأميركي، فربما ينشأ عاجلاً أم آجلاً نظام مالي بديل أو موازٍ، وسوف يتآكل أحد ركائز القوة العالمية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)