وجه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يوم الأربعاء تهديدات بشن هجوم على قبرص، مما أثار المخاوف من إمكانية اندلاع حرب شاملة قد تمتد عبر شرق البحر الأبيض المتوسط.
وقال نصر الله في خطاب متلفز أن: “فتح المطارات والقواعد القبرصية أمام الاحتلال لاستهداف لبنان يعني أن الحكومة القبرصية جزء من الحرب، وأن المقاومة ستتعامل معها على هذا الاعتبار”.
ومن المرجح أن تثير تصريحات نصر الله الصدمة في قبرص، الجزيرة المنقسمة عرقياً، وكذلك في اليونان، الحليف الوثيق لنيقوسيا ولدولة الاحتلال معاً.
من جهته وصف غابرييل هاريتوس، الخبير في العلاقات القبرصية الإسرائيلية في مؤسسة اليونان للسياسة الأوروبية والخارجية (إليامب) ومقرها القدس، تصريحات نصر الله بأنها: “تهديد عسكري غير مسبوق”.
وقال هاريتوس: “حزب الله ليس بعيداً على الإطلاق، وإذا كان قد تمكن من استهداف ضواحي تل أبيب، فيمكنه ضرب قبرص. إنه أمر لا يمكن استبعاده”.
وجاء تهديد نصر الله ضد قبرص في الوقت الذي اختتم فيه وزير خارجيتها، قسطنطينوس كومبوس، اجتماعاً يوم الاثنين في واشنطن مع نظيره أنتوني بلينكن.
وقال بلينكن عقب اللقاء: “قبرص لاعب مهم في المنطقة، ونثمن عالياً شراكتها للولايات المتحدة”.
هذا وبرزت مكانة قبرص كمركز للقوات الخاصة الأميركية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، حيث أجرى مقاتلو القوات البحرية الأميركية الخاصة تدريبات مشتركة مع نظرائهم القبارصة هذا العام.
وقدمت قبرص نفسها كمحطة انطلاق فعال للمساعدات إلى غزة حيث كان ميناء لارنكا أول نقطة دخول للمساعدات المتجهة إلى الرصيف الذي بنته الولايات المتحدة في غزة.
وأظهرت تصريحات نصر الله حول قبرص أن حزب الله كان يراقب بقلق العلاقات المتعمقة بين كل من دولة الاحتلال والولايات المتحدة مع الجزيرة الواقعة على بعد 260 كيلومتراً فقط من ساحل لبنان في شرق البحر الأبيض المتوسط.
قال قسطنطينوس فيليس، مدير معهد الشؤون العالمية في أثينا: “من الواضح أن حزب الله محبط من توقيع قبرص على اتفاقية تعاون استراتيجي مع الأميركيين”.
وإبّان العقد الماضي، تقاربت دولة الاحتلال بتسارع مضطرد مع كل من قبرص واليونان.
وتنقسم قبرص بين حكومة يونانية معترف بها دولياً في الجنوب وحكومة قبرصية تركية في الشمال لا تعترف بها سوى أنقرة.
وطغى تطبيع عدد من الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة والمغرب لعلاقاتها مع الاحتلال بموجب اتفاقيات إبراهيم على العلاقات المزدهرة بين الاحتلال واليونان وقبرص.
وتعد قبرص عضواً مؤسساً في منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط، الذي سعى إلى تعميق التعاون في مجال الطاقة بين الاحتلال والدول العربية، وسط التوترات البحرية مع تركيا.
وفي العام الماضي، عملت قبرص على تعزيز علاقاتها في مجال الطاقة مع دولة الاحتلال من خلال الضغط من أجل خط أنابيب غاز جديد بين البلدين.
كما استفادت قبرص مع اليونان من تدفق الاستثمارات العقارية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة.
ومع احتدام القتال في غزة وعلى طول الحدود مع لبنان، استغلت تل أبيب علاقاتها الاستراتيجية والأمنية الممتدة منذ سنوات مع قبرص لأغراض عسكرية.
فقد ورد أن قوات الاحتلال الجوية استخدمت المجال الجوي القبرصي لإجراء تدريب يحاكي سيناريو هجوم إيراني على إسرائيل.
“ستكون قبرص قلقة للغاية وستخلق مع اليونان بعض الضغوط على إسرائيل” – مايكل هراري، السفير الإسرائيلي السابق في قبرص
ومنذ عام 2021، شاركت قبرص مع اليونان والولايات المتحدة في تدريبات بحرية سنوية تحت اسم “نوبل دينا”، كما أجرت تدريبات بحرية واسعة النطاق في عام 2023 شهدت إبحار الأساطيل البحرية الإسرائيلية إلى قبرص.
وتتدرب القوات الخاصة في جيش الاحتلال على الأراضي القبرصية حيث تشبه التضاريس الصخرية تضاريس لبنان.
وذكر مايكل هراري، السفير الإسرائيلي السابق في قبرص أن تهديد نصر الله ضد الجزيرة يشير إلى قلقه من أن إسرائيل على وشك شن عملية ضد لبنان.
وقال موقع “ميدل إيست آي” يوم الأربعاء أن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين أبلغ مسؤولين لبنانيين أن الولايات المتحدة ستدعم هجوماً إسرائيلياً على لبنان بعد خمسة أسابيع إذا لم يتوقف القتال اليومي حزب الله المدعوم من إيران.
وأردف هراري: “إدخال قبرص في هذه الحلبة يعني أن نصر الله تحت الضغط ويعتقد أن إسرائيل قد تمضي قدماً في الهجوم”.
وأضاف: “إنها خطوة ذكية، لأنه يعلم أن قبرص ستكون قلقة للغاية وأن اليونان ستخلق بعض الضغوط على إسرائيل بشأن الهجوم على لبنان”.
وكانت دولة الاحتلال وحزب الله قد تبادلا إطلاق النار بشكل شبه يومي منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر، لكن حدة القتال تصاعدت الأسبوع الماضي بعد أن اغتالت قوات الاحتلال طالب سامي عبد الله، أحد كبار قادة الحزب الذي رد بإطلاق وابل من مئات الطائرات المسيرة والصواريخ على دولة الاحتلال.
ويعد التحالف المتنامي بين قبرص ودولة الاحتلال جزءًاً من إعادة تنظيم نيقوسيا الشامل لعلاقتها مع الغرب، حيث تضع نفسها كحصن مؤيد للولايات المتحدة في شرق البحر الأبيض المتوسط.
“ليس لدى قبرص جيش قادر على إجراء عمليات ضد حزب الله، لذلك ستشعر بالتأثر من تهديدات الحزب”. – غابرييل هاريتوس، إليامب
وفي عام 2018، وقعت نيقوسيا بياناً للتعاون الأمني الثنائي مع الولايات المتحدة وفي عام 2022، رفعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حظر الأسلحة المفروض منذ عقود على الجزيرة.
وتمثل العلاقات المزدهرة بين قبرص والاحتلال تغييراً غير عادي منذ استقلالها عن الحكم الاستعماري البريطاني في عام 1960 عندما رحب زعيم البلاد آنذاك، رئيس أساقفة الروم الأرثوذكس مكاريوس الثالث، بشخصيات مثل جمال عبد الناصر واحتضنت الجزيرة علانية مقاتلي المقاومة الفلسطينية.
ظلت قبرص تضمر العداء لأميركا لعدة سنوات بسبب الإحباط المستمر من دعم الولايات المتحدة بهدوء لغزو تركيا للجزيرة عام 1974 بعد محاولة انقلاب فاشلة لتوحيدها مع اليونان، حيث تحتفظ تركيا بأكثر من 35000 جندي في شمال الجزيرة.
وقال فيليس إن حزب الله يعتقد أن قبرص معرضة للخطر بسبب هذه التوترات الجيوسياسية.
وأضاف: “يرى نصر الله أن قبرص هي الحلقة الأضعف في توازن القوى في شرق البحر الأبيض المتوسط لأنها لا تمتلك جيشاً حقيقياً وتتعرض لضغوط من تركيا، لذلك فهو يتهددها بالعواقب الوخيمة إذا ساعدت الاحتلال”.