لماذا يبتعد جيل جديد من اليهود الأمريكيين عن دعم إسرائيل؟

بقلم أنتوني لوينشتاين

ترجمة وتحرير مريم الحمد

إن من يراقب السياسة في الولايات المتحدة يرى موكباً لا ينتهي من الأفراد الذين يساومون ليجدوا طرقاً جديدة لتكريس أنفسهم للقضية الإسرائيلية، وكأن كل مشاهد الإبادة الجماعية في غزة وعمليات القتل الجماعي في الضفة الغربية المحتلة لا تشكل عائقاً أمام التزامهم تجاه إسرائيل!

رغم ضآلة الأصوات الداعمة لفلسطين، إلا أن هناك تحولاً جذرياً في الرأي العام الأمريكي في بعض الحالات، حتى داخل المجتمع اليهودي، فلم تكن إسرائيل مدعومة من قبل كل المتطرفين من المسيحيين الإنجيليين واليهود المحافظين والأحزاب السياسية الأوروبية ذات الخلفيات النازية واليمين المتطرف العالمي كما هي اليوم، فكراهية المسلمين والإسلام والتعددية الثقافية والتعددية الديمقراطية هي أهم العوامل التي تربط هذه التيارات ببعضها.

يعد استطلاع الرأي الذي أجرته يوجوف في مجلة الإيكونوميست مؤخراً في الولايات المتحدة بمثابة تذكير مهم بأن الإجراءات الإسرائيلية في غزة وخارجها منذ 7 أكتوبر عام 2023، قد تسببت بانخفاض هائل دعم الرأي العام الأمريكي لإسرائيل.

وفقاً لاستطلاع للرأي أجراه مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية في شهر مايو الماضي، وافق حوالي ثلث اليهود الأمريكيين على أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة

أظهر الاستطلاع أن هناك 21% من البالغين الأمريكيين ممن باتوا يتعاطفون أكثر مع الفلسطينيين، مقارنة بـ 31% مع الإسرائيليين، وتلك أكبر نسبة في التعاطف مع فلسطين منذ طرح هذا السؤال لأول مرة في استطلاع يوجوف من قبل مجلة الإيكونوميست قبل 7 سنوات.

ولعل الأمر الأكثر دلالة هو تأثير ذلك على الناخبين الديمقراطيين والجمهوريين، فالجمهوريون ما زالوا يدعمون إسرائيل بقوة، فيما عبر 35% من الديمقراطيين عن تعاطف أكبر مع الفلسطينيين مقارنة 9% مع إسرائيل.

تضليل الديمقراطيين

ليس من المستغرب أن يرفض العديد من الناخبين في ولاية ميشيغان المتأرجحة التصويت لصالح المرشحة الرئاسية الديمقراطية كامالا هاريس في انتخابات نوفمبر الماضي بسبب دعم حزبها المتعصب لإسرائيل. 

بالعادة، نادراً ما تكون السياسة الخارجية عاملاً حاسماً رئيسياً في الانتخابات الغربية، إلا أنه من الواضح أن غزة كانت عائقاً أمام احتفاظ الديمقراطيين بالبيت الأبيض، خاصة مع اقتناع بعض الناخبين العرب بأن ترامب سينهي الحرب في غزة. 

حتى يومنا هذا، يواصل الديمقراطيون إلقاء اللوم على الناخبين بسبب تخليهم عن الحزب بسبب غزة، وهي استراتيجية مضللة تظهر أن نخبة الحزب لم تتعلم إلا القليل بعد الهزيمة، فلا يوجد دليل على أن هاريس كانت مهتمة بنزع أحشاء الفلسطينيين في غزة يومياً، لذا فإن التصويت لها بدلاً من ترامب الأحمق، لم يكن خيار الأمريكيين الذين يهتمون بما تفعله إسرائيل.

لقد وصل الانقسام إلى اليهود الأميركيين وقد طال انتظار ذلك، فوفقاً لاستطلاع للرأي أجراه مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية في شهر مايو الماضي، وافق حوالي ثلث اليهود الأمريكيين على أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.

من ناحية أخرى، فقد تم تشويه الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في جميع أنحاء الولايات المتحدة خاصة في الجامعات، من قبل النقاد باعتبارها مسيرات كراهية معادية للسامية، ولكن من بين اليهود الأمريكيين الذين شملهم الاستطلاع، رأى 28% منهم أن المظاهرات مناهضة بالكامل لإسرائيل، فيما وصفها 34% بأنها مؤيدة للسلام ومناهضة للحرب. 

من ناحية أخرى، فقد أيد أكثر من نصف الذين شملهم الاستطلاع فكرة حجب الأسلحة الأمريكية عن إسرائيل في سياق غزو رفح، وذلك شكل ضربة للإجماع المتعصب لإسرائيل في الولايات المتحدة.

في نوفمبر الماضي وخلال تصويت الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية، أظهر استطلاع آخر لليهود الأمريكيين، أجري نيابة عن جماعة الضغط الصهيونية الليبرالية جي ستريت، دعماً عاماً لإسرائيل مع تحفظات على حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

أظهرت نتائج الاستطلاع تأييد 62% عدم إرسال واشنطن بعض الأسلحة إلى إسرائيل حتى يدعم نتنياهو اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، كما كان لدى غالبية الذين شملهم الاستطلاع آراء غير إيجابية تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي وأيدوا فرض عقوبات على الوزراء اليمينيين المتطرفين في حكومته.

انقسام حاد

إن أعلى الأصوات اليهودية في معظم الدول الغربية عادة ما تكون الأكثر عدوانية في دعمها لإسرائيل، وكلما أصبحت الحكومة الإسرائيلية أكثر تطرفاً وعنصرية بشكل علني، كلما أصبح مؤيدوها هؤلاء أكثر اضطراباً وتعصباً.

لقد كان هناك دائماً انقسام حاد في المجتمع اليهودي حول إسرائيل بين أولئك الذين يعتقدون أنه من الواجب دعم كل ما تفعله، وآخرين قد أدركوا منذ فترة طويلة بأن قيمهم مختلفة وبعيدة عن دعم دولة عرقية يهودية في الشرق الأوسط. 

لقد كان يُنظر إلى الصهيونية دائمًا على أنها مشروع استعماري، ولكن الآن بدأ الكثيرون في الدول الغربية يرون القنبلة الموقوتة داخل حدودها

لقد أصبح من المستحيل إنكار تحول إسرائيل إلى اليمين المتطرف، حيث تدعم إسرائيل بفخر رؤية ترامب للتطهير العرقي في غزة، إلى جانب رغبة إسرائيل في حكم الفلسطينيين إلى أجل غير مسمى في الأراضي المحتلة. 

الحقيقة أن ما يقرب من 60 عاماً من الاحتلال غير القانوني ليس مؤقتاً، بل هو دائم ويتعمق يوماً بعد يوم، وباعتباري مواطناً يهودياً ألمانياً أسترالياً، فقد كنت أعتقد منذ فترة طويلة أن يهود الشتات سمحوا لمجتمعاتنا بأن يتم تمثيلها من قبل الجماعات الصهيونية الأكثر تطرفاً والتي تظهر ازدراءاً للفلسطينيين والديمقراطية، جماعات مثل “إيباك” في الولايات المتحدة و”محامون من أجل إسرائيل” في المملكة المتحدة و”إيجاك” في أستراليا.

ومع تحرك إسرائيل بسعادة نحو مستقبل ثيوقراطي محتمل، يتعين على داعميها الرئيسيين اليوم أن ينظروا بحسد إلى أفغانستان التي تسيطر عليها حركة طالبان، فسوف يكون من الصعب الحفاظ على صورة إسرائيل باعتبارها الليبرالية الوحيدة في قلب الشرق الأوسط، بغض النظر عن حجم الأموال التي يتم إنفاقها على الدعاية الوقحة. 

بالنسبة لعدد لا يحصى من الأمريكيين، بمن فيهم اليهود، فإن هذه النتيجة تثير القلق والألم، ربما أصبح من غير الآمن أن تكون يهودياً من إسرائيل أكثر من أي مكان آخر على هذا الكوكب تقريباً، وبالتالي فإن جاذبية إسرائيل، التي طالما روج لها المتحدثون باسم المؤسسة اليهودية، قد تضاءلت إلى حد كبير. 

لقد كان يُنظر إلى الصهيونية دائمًا على أنها مشروع استعماري، ولكن الآن بدأ الكثيرون في الدول الغربية يرون القنبلة الموقوتة داخل حدودها.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة