قبل أيام قليلة، زار قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون رئيس مجلس النواب نبيه بري لبحث كيفية رد الجيش على غزو الاحتلال لجنوب لبنان، حيث أكد الطرفان على موقف السلطات السياسية اللبنانية في أنه لا ينبغي للجيش اللبناني أن يتورط في حرب إسرائيل ومعاركها مع حزب الله.
لكن مصادر مقربة من المؤسسة العسكرية قالت أن هذا الموقف لا يعني أن الجيش سينسحب من مواقعه في الجنوب ويتحرك شمال نهر الليطاني، على بعد حوالي 30 كيلومتراً من الحدود مع دولة الاحتلال.
ومع تصعيد الاحتلال لعدوانها الشرس الأسبوع الماضي استباقاً للغزو البري، قرر عون سحب بعض قواته من مراكز المراقبة على طول الخط الأزرق شبه الحدودي الذي يفصل لبنان عن إسرائيل، حيث تعرضت القوات لنيران قوات الاحتلال.
وبالرغم من ذلك، فإن الجيش اللبناني سيبقى على الرغم من قدراته المحدودة في جنوب لبنان وسيرد على النيران الإسرائيلية على مواقعه، كما فعل خلال اليومين الماضيين.
وفي يوم الخميس، أدت غارة للاحتلال على موقع عسكري بعيد نسبياً عن الخط الأزرق إلى ارتقاء جندي، مما دفع القوات اللبنانية إلى الرد بإطلاق النار من دباباتها، في سابقة كانت الأولى التي يرد فيها الجيش على نيران الاحتلال منذ بدء القتال قبل عام.
وقتلت إسرائيل ما لا يقل عن 18 جندياً لبنانياً وجرحت 45 منذ اندلاع المواجهة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، حيث استشهد ثلاثة من الجنود اللبنانيين في غارات الاحتلال المباشرة، بينما ارتقى الباقون في غارات استهدفت منازلهم أو قراهم.
وقال مصدر عسكري لبناني أن: “غرفة عمليات الجيش تتابع التطورات على الأرض ساعة بساعة، وتترقب الغزو البري الإسرائيلي لجنوب لبنان وتعطي التعليمات للجنود والضباط المتمركزين في الجنوب”.
وفي حين لم ينسحب الجيش من الجنوب، فإنه يدرك تمام الإدراك أن قدراته ضعيفة للغاية بحيث لا يمكنها مواجهة الأسلحة والتكنولوجيا والمركبات العسكرية الإسرائيلية المتفوقة.
وحتى قبل أن ينزلق لبنان إلى أزمة اقتصادية كارثية في عام 2019، كانت القوات المسلحة اللبنانية تعاني من نقص الموارد وتعتمد على الدعم الأجنبي، وفي الآونة الأخيرة، عانت من الضعف إلى حد تلقي المساعدات الغذائية من الأردن.
وقال المصدر: “لا مجال للمقارنة بين دبابة ميركافا الإسرائيلية ودبابة M48 التي يستخدمها الجيش اللبناني، الاختلافات بينهما هائلة، لكن الجيش يظل مستعدًا للرد، ضمن النطاق المحدود لقوته، إذا تعرض لإطلاق النار”.
وقتلت إسرائيل أكثر من 2000 شخص في لبنان منذ بدء العدوان في أكتوبر/تشرين الأول، وأغلبهم في الأسابيع الثلاثة الماضية.
وفي حين يبدو الإسرائيليون مصممين على مواصلة هجومهم، مع التكهنات بأنهم ينوون إعادة احتلال أجزاء من جنوب لبنان ودفع حزب الله بعيداً عن الحدود، فإن الحزب اللبناني يقاتل بشراسة ويسجل ضربات كبيرة للقوات الغازية.
ويجري الحديث عن أن خريطة الطريق لوقف إطلاق النار سوف تشمل الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المنتشرة في الجنوب، كما كانت الحال بعد حرب عام 2006.
وقال محمد عبيد، وهو سياسي مقرب من حزب الله والمؤسسة العسكرية، أن الثقة في قدرة الجيش على أن يصبح قوة حفظ السلام في الجنوب تعتمد على كيفية تعامله مع الحرب على الأرض الآن.
وأضاف عبيد لميدل إيست آي: “المشكلة هي كيف يمكن للجنوبيين أن يثقوا بالمؤسسة العسكرية لحمايتهم إذا قررت سحب قواتها من المعركة؟”.
وأوضح عبيد أن تجربة المؤسسة العسكرية خلال حرب إسرائيل على لبنان عام 2006 لم تكن ناجحة، مسلطًا الضوء على حادثة سيئة السمعة سلم خلالها جنود لبنانيون أسلحتهم للقوات الإسرائيلية الغازية في بلدة مرجعيون وشربوا الشاي معهم.
وقال عبيد: “بالطبع، هذا لا يعني الانخراط الشامل في القتال لأنه من المعروف أن الجيش غير قادر على ذلك، لكن هذه الحرب ستكون اختبارًا للجيش لإلهام الثقة بأنه يمكن أن يكون قوة حقيقية قادرة على الدفاع عن الجنوبيين”.
وتعتقد المؤسسة السياسية اللبنانية أن نهجها في التعامل مع الصراع ودور الجيش فيه قد أدير بدقة وحكمة كبيرتين، مما أدى إلى تحقيق التوازن الصحيح، في وقت تركز فيه الجهود الدبلوماسية الدولية على تحييد الجيش اللبناني عن المعركة بشكل كامل.
ورغم أن حزب الله يعتبر أقوى منظمة عسكرية غير حكومية في العالم وأقوى بكثير من الجيش اللبناني، إلا أن الولايات المتحدة وغيرها من اللاعبين الدوليين الرئيسيين يرسمون للبنان مستقبلا تتولى فيه المؤسسات العامة مثل الجيش الإشراف على أمنه.
وقالت مصادر دبلوماسية لـ ميدل إيست آي أن اتفاقاً شبه ضمني قائم بالفعل مع واشنطن، الراعي الأكبر للجيش، يضمن عدم تورطه الجيش في الحرب، لكن المصادر أوضحت أن الأميركيين يضغطون على إسرائيل لتجنب مهاجمة الجيش اللبناني.
وخلال الأزمات والصراعات المختلفة في لبنان، سعى الجيش إلى السمو فوق الانقسامات الطائفية كرمز للدولة التي تجمع اللبنانيين من جميع الطبقات والأديان.
وعلى الرغم من أن النظام السياسي الطائفي لتقاسم السلطة في البلاد ينص على تولي جنرال من الطائفة المارونية منصب رئاسة الأركان إلا أن الجيش لا يعتبر تابع لأي طائفة.
ويواجه لبنان أزمة عميقة وشللا في نظامه السياسي، حيث وصلت الثقة في الطبقة السياسية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق بعد الانهيار الاقتصادي في عام 2019، ولم تتمكن الأحزاب من الاتفاق على رئيس جديد منذ عامين، فيما تشرف على البلاد حكومة تصريف أعمال ضعيفة.
وبالرغم من ذلك، تقول مصادر دبلوماسية أن الثقة الدولية في الجيش لا تزال قائمة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن تمويله لا يخضع لسيطرة الحكومة اللبنانية، كما أن قائده جوزيف عون يتمتع بمكانة جيدة في الغرب وهو منافس جاد ليصبح الرئيس القادم.
وقال مصدر مقرب من القيادة العسكرية لميدل إيست آي أن قيادة الجيش تسير على حبل مشدود، ففي تعاملها مع الحرب، يحتاج الجيش إلى التأكد من أنه ليس متواطئاً مع العدو الإسرائيلي، ولكنه في ذات الوقت ليس محايداً.
وأضاف أنه يجب على القيادة الحفاظ على الجيش، بما في ذلك هياكله وضباطه وأفراده، مع العلم أن الكثيرين يرون فيه حلاً لإنهاء الصراع.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)