بقلم عثمان مقبل
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
لو تم إطلاق النار على الجياع في أوكرانيا وقتلهم أثناء اصطفافهم للحصول على الطعام، لوصف الغرب ذلك بأنه جريمة حرب، وبالمثل، لو فتحت النار في سوريا، فإن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة سوف تدينان الأمر وتعتبرانه عملاً وحشياً آخر يرتكب في هذا السياق.
أما عندما اصطف الناس في طوابير للحصول على الطعام في غزة التي حذرت الأمم المتحدة من أنها تواجه أسوأ مجاعة سجلتها على الإطلاق، فقد أشارت الولايات المتحدة فقط إلى أن ذلك “سيعقد محادثات السلام“.
في وقت مبكر من يوم 29 آذار/ مارس، كان الفلسطينيون الجائعون يصطفون في شارع الرشيد بمدينة غزة للحصول على مساعدات غذائية طال انتظارها، عندما فتحت القوات الإسرائيلية النار عليهم، ووفقاً لمسؤولي الصحة في غزة، فقد استشهد ما لا يقل عن 112 شخصاً وجُرح 280 آخرين، ويبدو أن معظمهم أصيبوا بالرصاص.
وذكر فارس عفانة، رئيس خدمة الإسعاف في مستشفى كمال عدوان بغزة، أن المسعفين عثروا عند وصولهم إلى المكان على “عشرات أو مئات” الجثث ملقاة على الأرض، مبيناً أنه كان لا بد من نقل بعض الجرحى إلى المستشفيات على عربات تجرها الحمير، حيث لم يكن هناك ما يكفي من سيارات الإسعاف لنقل جميع القتلى والجرحى.
وهناك ادعاءات مضادة مفادها أنه تم إطلاق النار على مجموعة صغيرة فقط وأن الأغلبية قضوا أثناء التدافع الناجم عن الذعر من إطلاق النار، وفي الحالتين، ما كان هؤلاء ليموتوا لو لم يتم إطلاق النار على الجائعين بكثافة أثناء اصطفافهم للحصول على الطعام.
اللاإنسانية في أسوأ حالاتها
هذه جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، ليس في وثيقة واحدة فحسب ضمن القانون الدولي الإنساني بل في سلسلة المعاهدات والأعراف والاتفاقيات والمعايير المعترف بها دولياً، ففي كل تلك المعاهدات يتكرر التوضيح بشكل لا لبس فيه بوجوب السماح للأشخاص في مناطق النزاع بتلقي المساعدات، وبوجوب ألا يتم استهداف عمليات توزيع المساعدات أو المدنيين عسكرياً.
أخلاقياً، لا يمكن للغرب أن يستمر في الابتعاد عن تسليط الضوء على انتهاكات حقوق المتأثرين بالصراع سواء كان ذلك في أوكرانيا أو سوريا أو كما حدث يوم الخميس في غزة.
كذلك فإن منع أحد الأطراف العسكرية للسكان من الحصول على حقهم الإنساني الأساسي في الغذاء، مما يتسبب في انتشار الجوع والمجاعة هو انتهاك آخر للقانون الدولي الإنساني.
وهذا اتهام آخر تم توجيهه لإسرائيل خلال الهجوم المستمر على غزة، على الأقل من قبل مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء، أليس الأمر الأكثر قسوة وإيلاماً هو أن يتم إطلاق النار على الناس في غزة وقتلهم أثناء وقوفهم في الطابور، بعد أن وصلوا إلى مستويات قياسية من الجوع، لذا اصطفوا بشكل جماعي للحصول على أي معونة غذائية حتى لا يموتوا جوعاً؟
وبالنظر إلى عملي منذ عقود في حالات الطوارئ والصراعات الإنسانية التي شهدت خلالها الوحشية في أسوأ حالاتها، فإني لا أذكر أنني رأيت فظائع أكثر مما يرتكب في غزة خلال حياتي.
لا يمكن النظر إلى أحداث الخميس دون تسميتها على حقيقتها: جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، والسبب البسيط لعدم تسميتها على ما هي عليه سياسي، ومع ذلك، ليس هناك ما هو سياسي في قتل المدنيين الأبرياء.
اقتحام رفح
وقد أكد وزير الدفاع الأمريكي نفسه أن أكثر من 25 ألف امرأة وطفل قتلوا حتى الآن في فلسطين، خلال خمسة أشهر فقط، وفي 10 آذار/ مارس، سيحتفل الكثير من الناس حول العالم بعيد الأم ولكن في غزة، فقد الكثير من الأطفال أمهاتهم وفقدت الكثير من الأمهات أطفالهن بسبب هذا الصراع الوحشي.
وهناك مناسبة أخرى، هي بداية شهر رمضان المبارك، وهو الوقت الذي يصوم فيه غالبية سكان غزة ويصلون ويشاركون في التأمل الروحي والارتقاء بالذات والتفاني، لكن بيني غانتس، عضو مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي، توعد بأن رفح قد تواجه توغلاً برياً في بداية شهر رمضان، وهو ما حذر منه العالم أجمع بما في ذلك شركاء إسرائيل في واشنطن بسبب احتمال سقوط ضحايا على نطاق واسع بين المدنيين.
وإذا حدث ذلك فإن فظائع الخميس ستتكرر مراراً وتكراراً، وستصبح إحدى أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم مسرحًا للحرب، مما يعني المزيد من الضحايا بين المدنيين والإصابات التي تدمر الحياة.
إذا كان إطلاق النار على الجوعى المصطفين للحصول على الطعام يمر دون ردع ودون عقاب من قبل المجتمع الدولي، فما هو الحافز الذي قد يدفع الجهات العسكرية إلى إنقاذ أرواح المدنيين في هجوم بري على رفح؟ ولماذا لا تزال الحكومات في جميع أنحاء العالم تزود إسرائيل بالأسلحة اللازمة لتنفيذ هذه الفظائع بدلاً من تقديم الأموال لمساعدة الحياة البشرية في غزة؟
بالنسبة للذين يحتفلون بشهر رمضان هذا العام، وأولئك الذين لا يحتفلون به، يجب علينا أن ندعم شعب غزة بكل ما نستطيع، ويجب علينا أن نصلي من أجل وضع حد للفظائع التي ترتكب ضدهم، ويجب علينا أيضًا أن نصلي من أجل محاسبة الأطراف التي ارتكبت انتهاكات للقانون الإنساني الدولي ومعاهدات حقوق الإنسان.
إذا لم يحدث ذلك، فما الذي يمنع الجهات العسكرية من إساءة معاملة السكان المدنيين في المستقبل أثناء الصراعات في جميع أنحاء العالم؟
إن هذه المظالم تحتاج إلى معالجة ليس فقط لشعب غزة، بل للبشرية جمعاء.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)