لماذا يختار المراهقون الفلسطينيون حياة القتال في الضفة وغزة؟

بقلم لينا السعافين

ترجمة وتحرير مريم الحمد

في ظل التطبيع والقبول العالمي لقتل الفلسطينيين على يد القوات الإسرائيلية، لم يعد من المستغرب مرور حادثتين منفصلتين لقتل مراهقين فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة مرور الكرام فبالكاد تم تسجيلهما!

الحقيقة أن الأمر غير العادي هو أن يكون لدى هؤلاء الشباب الذين يبلغون من العمر 18 عاماً هو التزام بمحاربة الاحتلال الإسرائيلي رغم صغر سنهم!

لقد تم إطلاق سراح وائل مشة وطارق داود خلال عملية تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس في نوفمبر الماضي، وهي ذات الصفقة التي تم خلالها تبادل إطلاق سراح 240 امرأة وطفلاً فلسطينياً مقابل إطلاق سراح 81 إسرائيلياً و24 أجنبياً كانوا محتجزين في قطاع غزة.

 “لقد تحول من أسير إلى مطلوب ثم إلى شهيد” والدة وائل مشة- شاب فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية في الضفة

وفقاً لجمعية الأسير الفلسطيني، فقد أعادت إسرائيل منذ ذلك الحين اعتقال 24 من المفرج عنهم!

كان الناس قد تجمعوا في تلك الليلة من شهر نوفمبر في بيتونيا غرب رام الله، لاستقبال عشرات الأطفال الفلسطينيين المفرج عنهم من السجون الإسرائيلية، وهناك تم حمل وائل على الأكتاف للاحتفال بحريته، فهتف لكتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، التي صنفتها المملكة المتحدة ودول أخرى كمجموعة إرهابية، فقال: “الله يحفظ المقاومة ويرحم الشهداء ويشفي جرحانا”. 

تحدث وائل، وهو من مخيم بلاطة للاجئين في نابلس، لوسائل الإعلام عن الظروف المؤسفة التي يواجهها الأطفال الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، حيث تراوحت بين الاعتداءات اللفظية والضرب الجسدي المبرح ومنعهم من الاستحمام، وختم بالقول: “فرحتنا لا توصف لكنها ناقصة لأن الأطفال ما زالوا في السجن”.

في 15 أغسطس الماضي، وبعد شهر من عيد ميلاده الثامن عشر، قُتل وائل على يد طائرة إسرائيلية بدون طيار فجراً خلاله اشتباك ضد غارة إسرائيلية على مدينة نابلس، حيث قالت والدته أن ابنها تأثر بشدة بالإبادة الجماعية التي يشهدها قطاع غزة: “لقد تحول من أسير إلى مطلوب ثم إلى شهيد”.

ولا يبدو هذا المشهد جديداً اوغريباً على سكان الضفة الغربية المحتلة، فقد أدت الغارات الإسرائيلية اليومية على القرى والبلدات ومخيمات اللاجئين إلى مقتل أكثر من 600 فلسطيني منذ 7 أكتوبر عندما اندلعت الحرب.

يواجه الشباب الفلسطيني في الضفة تضييقاً في التعبير السياسي وسط تفشي الاستعمار الاستيطاني، وبسبب شعورهم بالإحباط من السلطة الفلسطينية الفاسدة والمتواطئة، التي تقمع الشباب وتتعاون أمنياً مع إسرائيل، لم يعد أمامهم سوى خيارات قليلة.

قبل أيام قليلة من مقتل وائل، قُتل داود برصاص القوات الإسرائيلية بالقرب من بلدة عزون بالضفة الغربية المحتلة، وهو مطلوب لقيامه بعدة هجمات إطلاق نار شملت مستوطنات إسرائيلية ومركبات إسرائيلية في شمال الضفة الغربية المحتلة بحسب الجزيرة ومصادر فلسطينية محلية.

تحتجز إسرائيل جثة داود، في ممارسة شائعة لحرمان العائلات الفلسطينية من توديع أبنائهم!

بحسب ما ذكرت مصادر محلية، فقد تمت مداهمة منزل عائلته 40 مرة على الأقل للضغط عليه لحمله على الاستسلام، كما تم القبض على والديه 25 مرة واعتقال العديد من أفراد الأسرة الآخرين بشكل متكرر.

من جهة أخرى، فهناك أسير ثالث تم إطلاق سراحه في صفقة تبادل نوفمبر، هو جبريل جبريل البالغ من العمر 18 عاماً، فهو مختبئ ولا يزال مطلوباً لصلته بهجمات على القوات الإسرائيلية، وقد تم استهداف عائلته أيضاً، حيث قام الجنود الإسرائيليون باعتقال والده بشكل متكرر.

مهزلة سياسية

إن مشاركة هؤلاء المراهقين الثلاثة في القتال ضد الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن فهمها إلا في سياق المهزلة السياسية التي عصفت بهم منذ ولادتهم في عام 2006، حيث شهد ذلك العام إجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية بمشاركة حماس للمرة الأولى.

“ليس لدينا خيار سوى التعافي والوقوف مرة أخرى ومواصلة النضال” رفعت العرعير- كاتب فلسطيني قتلته إسرائيل في غزة

فازت حماس بأغلبية ساحقة، لكن إدارة بوش في الولايات المتحدة لم تتقبل هذه الممارسة للحقوق الديمقراطية الفلسطينية، وسعت إلى الإطاحة بحماس من خلال تدبير انقلاب بقيادة رجل فتح القوي محمد دحلان، ولكن سرعان ما تم إحباط الانقلاب من قبل حماس، وشهد عام 2007 اقتتالاً مدنياً فلسطينياً وتم الفصل الرسمي بين أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. 

على مدى 15 عاماً متتالية بعد ذلك، شن الجيش الإسرائيلي عدة حروب على غزة، مما أسفر عن مقتل آلاف الأشخاص، فيما شهدت الضفة الغربية المحتلة زيادة في بناء المستوطنات وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، كما شن المستوطنون هجمات على الفلسطينيين، وسط تقاعس الحكومة الفلسطينية الاستبدادية بقيادة الرئيس محمود عباس.

واليوم، كشفت الإبادة الجماعية، التي تقترب من العام في غزة، عن نوايا إسرائيل الحقيقية والمتمثلة بالإبادة الكاملة للشعب الفلسطيني الذي تعتبره تهديدا ديموغرافياً ووجودياً، وهو الأمر الذي دفع هؤلاء المراهقين مثل وائل وداود وجبريل إلى اختيار الاشتباك في المعركة. 

قبل وفاته، أعرب داود عن أمله في أن يكون الفلسطينيون على “طريق الحرية والتحرر من الاحتلال”، وكما كتب الشاعر رفعت العرعير، الذي قتلته إسرائيل في ديسمبر الماضي، في مقال نشره عام 2022: “ليس لدينا خيار سوى التعافي والوقوف مرة أخرى ومواصلة النضال”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة