بقلم لبنى مصاروة
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
لم تمض ساعات على نزول السوريين إلى الشوارع للاحتفال بحريتهم التي طال انتظارها، حتى شنت قوات الاحتلال هجوماً عنيفاً على البلاد قصفتها فيه بلا هوادة، وطال القصف العاصمة دمشق، لتثير بذلك مخاوف جديدة بشأن مستقبل سوريا والمنطقة بشكل عام.
كانت حشود السوريين تتجمع محتفلة في الساحات المركزية بالعاصمة، وراحت تلوح بعلم الثورة السورية بعد أن أنهت قوات المعارضة الحكم الوحشي لعائلة الأسد والذي دام نصف قرن.
وفي مشاهد تذكرنا بالأيام الأولى لانتفاضات الربيع العربي التي سبقت حملة القمع الوحشية وصعود الثورة وصولا إلى وقوع البلاد في حرب أهلية دامت 13 عاماً، غصت الشوارع بالسوريين وهم يرقصون ويغنون ويعزفون على الطبول، ولكن بالنسبة لإسرائيل، لم تكن مثل هذه الصور سبباً للاحتفال.
فبعد الإطاحة بالأسد من قبل مقاتلي الثورة السوريين، استغلت دولة الاحتلال على الفور الفراغ في السلطة لإلحاق دمار هائل في البنية التحتية العسكرية السورية، فدمرت من خلال أكثر من 500 غارة جوية أسراب الطائرات الحربية ومروحيات ومخازن أسلحة وأغلب قطع البحرية السورية.
وقال مكتب رئيس وزراء الاحتلال أن الغارات تهدف إلى منع وقوع المعدات العسكرية المتقدمة في أيدي المعارضة، لكن العديد من المسؤولين الإسرائيليين كانوا أكثر صدقًا عند حديثهم عن الهجوم.
فلم يتمكن المسؤولون الإسرائيليون من إخفاء فرحتهم بعد أن استولى جيشهم على أعلى قمة في سوريا، قمة جبل الشيخ، في اليوم الذي اقتحم فيه مقاتلو المعارضة دمشق.
ونشر يهودا فالد، المدير العام للحزب الصهيوني الديني، صورًا على X لجنود إسرائيليين يحملون أعلام إسرائيل في غزة ولبنان والآن سوريا، وكتب: “العلم الإسرائيلي، غزة، لبنان، سوريا، من كان ليصدق؟ هذا جنون!”
أما وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي فنشر على X الخبر السار هو تعزيز الأكراد وتوسيع سيطرتهم في شمال شرق البلاد، المنطقة المحيطة بدير الزور،”.
وأضاف: “من الناحية العملية، يجب على إسرائيل تجديد سيطرتها على جبل الشيخ وتثبيت خط دفاع جديد على أساس وقف إطلاق النار لعام 1974، ويجب عدم السماح للجهاديين بتثبيت تواجدهم بالقرب من مجتمعاتنا”.
وحتى قبل الإطاحة بالأسد، كانت العديد من البلدات السورية القريبة من مرتفعات الجولان المحتلة مهجورة، بما في ذلك مدينة القنيطرة المدمرة في المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل الأراضي السورية غير المحتلة عن الجولان.
واستولت إسرائيل على مرتفعات الجولان، وهي هضبة استراتيجية في جنوب غرب سوريا، في حرب عام 1967 ووضعتها تحت احتلال غير قانوني بموجب القانون الدولي منذ ذلك الحين، لكن الولايات المتحدة اعترفت بضم إسرائيل للجولان أثناء فترة إدارة ترامب الماضية.
الكفاح من أجل الديمقراطية
وأظهر استيلاء إسرائيل على جبل الشيخ أنها لا تنوي فقط الاستيلاء على الأراضي من جيرانها، بل إنها عازمة أيضًا على إحباط الاحتفالات في الكفاح الطويل من أجل التحرير والديمقراطية في العالم العربي.
فقد قال أمير فاخوري، الأكاديمي والناشط الفلسطيني، لموقع ميدل إيست آي: “ترى جيرانك يحتفلون بلحظة إنسانية، ولا ترى هذه اللحظة ولا تفهم ما تعنيه لهم، وبدلاً من ذلك، تسارع إسرائيل إلى قصفهم ومهاجمتهم”.
وبعد 72 ساعة من الإطاحة بالأسد، كان رؤساء الجيش والاستخبارات الإسرائيليون يجتمعون مع مسؤولين مصريين في القاهرة لإجراء محادثات عاجلة حول الاستقرار الإقليمي.
ووفقًا لصحيفة معاريف الإسرائيلية، فقد ورد أن رئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هاليفي ورونين بار، رئيس وكالة الاستخبارات شين بيت قد حضروا الاجتماع.
ولم يتم الكشف عن تفاصيل رحلة هاليفي وبار إلى القاهرة، لكن من المرجح أنهما كانا يتعاملان مع المخاوف بشأن زعزعة الاستقرار المحتمل في الأردن والمحاولات المحلية لمحاكاة نجاح المعارضة في سوريا.
استشهدت معاريف بمخاوف في الدوائر الرسمية من أن الانهيار المفاجئ لحكم آل الأسد قد يشجع الدعوات إلى التغيير السياسي في دول عربية أخرى، ولكن بحسب فاخوري، فإن إسرائيل تخشى حقاً أن تزدهر الديمقراطية في سوريا وتريد تقويض مثل هذا التحول بأي ثمن، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى مزيد من التضامن المؤيد لفلسطين.
وقال فاخوري: “في اللحظة التي تريد فيها دولة عربية التقدم وعندما تتاح الفرصة للديمقراطية، تريد إسرائيل تسجيل ذلك كلحظة إذلال وهزيمة، إن تدمير القوة العسكرية في سوريا، حتى لا تسجل هذه اللحظة كلحظة مجد وشرف، بل كلحظة تواضع وهزيمة، حتى يتم تسجيلها بهذه الطريقة في التاريخ”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)