بقلم ماجد مندور
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
بعد مرور عشر سنوات على بدء الانتفاضة السورية وبعد ثلاثة عشر عاما من الحرب الأهلية المدمرة، انهارت حكومة الأسد في غضون أيام.
لقد غُمرت وسائل التواصل الاجتماعي بصور ومقاطع فيديو للأسرى وبينهم الأطفال، الذين تم إطلاق سراحهم من زنازين يمكن وصفها بأنها تنتمي إلى حقبة العصور الوسطى، فيما احتفل السوريون بحريتهم المكتسبة حديثًا ومستقبلهم الذي بدا لأول مرة منذ عقود خاليًا من وحشية حكم عائلة الأسد.
وبالرغم من ذلك، فإن هناك بعض الدروس التي يمكن تعلمها من الانهيار السريع لأحد أكثر الأنظمة وحشية في تاريخ الشرق الأوسط، والذي لم تدمر رغبته في البقاء في السلطة بأي ثمن سوريا فحسب، بل زرعت أيضًا بذور انهياره.
الدرس الأكثر وضوحًا هو خطأ الاعتماد بشكل كبير على الدعم الخارجي من الرعاة الأجانب، والاعتقاد بأن مثل هذا الدعم لا نهاية له وأن هذه الأنظمة مهمة للغاية أو “كبيرة جدًا بحيث لا يمكن السماح بسقوطها”.
وهذا واضح في حالة بشار الأسد، الذي تلقى دعماً كبيراً من إيران، وكانت ثقته بعدم الاستغناء عنه كجزء من “محور المقاومة” بمثابة ضوء أخضر أمام ممارسته للغطرسة، فعلى سبيل المثال، استثمرت إيران ما يقدر بنحو 30 إلى 50 مليار دولار على مدى السنوات الـ 13 الماضية في دعم الأسد، وهو ما يقدر بما بين 7.5% إلى 12.5% من ناتجها المحلي الإجمالي اعتبارًا من عام 2023، وهو مبلغ ضخم من المال بالنسبة لدولة خاضعة للعقوبات.
ترتب على هذا الاستثمار الضخم أيضًا كلفة بشرية، حيث قُتل العديد من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا، معظمهم على يد الاحتلال، وقتل ما لا يقل عن 1000 جندي إيراني بحلول عام 2016، وارتفع إلى 2300 جندي إيراني بحلول عام 2019.
هذه الاستثمارات الضخمة هي ما خلق وهمًا بالضرورية، حيث حاول الأسد، معتقدًا أن منصبه آمن، أن ينأى بنفسه عن إيران ويعيد دمج نفسه في الحظيرة العربية، معتقدًا أن المليارات من الخليج ستتدفق إلى سوريا وجيوبه تحت ستار “إعادة الإعمار”.
والواقع أن الأسد بذل جهوداً كبيرة لتجنب المشاركة النشطة في المواجهة بين إيران وإسرائيل، حتى عندما كان يتم اغتيال قادة إيرانيين رفيعي المستوى على الأراضي السورية، مع مخاوف إيرانية من أن تسريبات الاستخبارات من أجهزة الأمن السورية قد تعرض سلامة قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا للخطر، لقد كان هذا خطأً قاتلاً في التقدير، حيث رفضت إيران تقديم دعم عسكري إضافي مع انهيار الجيش السوري بسرعة.
لا تسوية
وليس الدعم الخارجي بلا نهاية ولا غير مشروط، وخاصة حين يواجه رعاتك تحديات أخرى تخصهم، وحتى عندما تسبقه سنوات من الاستثمار الضخم، وفي الواقع، مع استمرار حكومة الأسد في الاعتماد على الدعم الخارجي السخي، كان رعاتها يواجهون تحديات جيوسياسية متزايدة، مما قيد قدرتهم على دعم حليفهم الضعيف.
على سبيل المثال، تورطت روسيا في أوكرانيا، وأصبح هذا واضحاً عندما فشلت في الرد بقوة على سقوط حلب حيث نشرت معظم قوتها الجوية في أوكرانيا، مما جعل سوريا مسرحاً ثانوياً بالنسبة لموسكو في أفضل الأحوال.
الدرس الثاني هو أن الافتقار إلى الإصلاح قد يكون مؤشراً على زوالك، فمن الممكن القول إنه بعد سقوط حلب في يد النظام وحلفائه في ديسمبر/كانون الأول 2016، تحول اتجاه الفوز في الحرب الأهلية بشكل حاسم لصالح الأسد.
وتبع ذلك استسلام قوات المعارضة في درعا في الجنوب والغوطة الشرقية في دمشق بعد حصار وقصف عنيف من قبل النظام وحلفائه في عام 2018.
لقد بدا أن قبضة الأسد على السلطة باتت آمنة، النظام بلغ الوقت الأمثل لبدء عملية سياسية بشروطه الخاصة، لكنه ابتعد بالرغم من كل ذلك عن أي شكل من أشكال التسوية، ولم يفكر في بدء عملية سياسية من شأنها أن تضمن السيطرة على المعارضة
في المقابل، استمر النظام في الاعتماد الشديد على القمع كقاعدة عامة، حيث شملت ممارساته مصادرة الممتلكات وهدم المنازل على نطاق واسع والتعذيب والاحتجاز التعسفي لآلاف السوريين ومواصلة انتهاكات اتفاق خفض التصعيد في إدلب.
وقد اقترن هذا العناد بالرفض المستمر من جانب الأسد لمحاولات روسيا التوسط في تطبيع العلاقات مع تركيا.
لقد مهد عجز الحكومة السورية عن التوصل إلى تسوية مع المعارضة ومنافسيها الدوليين من موقع القوة الطريق لسقوطها، والواقع أنه من المعقول أن نزعم أنه لو كان الأسد قد طبَّع العلاقات مع أنقرة، لكان من الصعب على المعارضة أن تشن هجومها دون دعم وموافقة تركية ضمنية.
من ناحية أخرى، لو كان الأسد قد بادر إلى عملية سياسية ولم يدفع المعارضة إلى الزاوية، فإن احتمالية إطلاق الهجوم الذي أسقط حكمه ستكون أقل.
دولة المخدرات
العناد والاستحقاق هما الركيزتان الأساسيتان لسقوط الأسد، وهما مرتبطان ارتباطا وثيقا على الأرجح بالسبب الأكثر أهمية الذي أدى إلى انهيار الحكومة ألا وهو فقدان الدعم في نواة النظام، وفي ظل غياب الإجماع على أن لدى النظام ما يقدمه لقاعدته، فإن عليه أن يعاني للحفاظ على دعمها، ومن الواضح أن الأسد فشل في القيام بذلك.
فعلى سبيل المثال، بحلول وقت انهيار حكومته، كان 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، مع وصول التضخم إلى 120% في أبريل/نيسان 2024، وكانت العملة منهارة والاقتصاد في حالة يرثى لها، حيث انكمش الناتج المحلي الإجمالي السوري من 67 مليار دولار في عام 2011 إلى 8.9 مليار دولار في عام 2021.
وبدا أن حل الأسد يدور حول تحويل سوريا إلى دولة مخدرات، ومركز لتصنيع وتصدير الكبتاغون، وهي صناعة بلغت قيمتها 5.7 مليار دولار في عام 2021.
وبعبارة أخرى، قرر الأسد التضحية بنسيج الحياة الاقتصادية في البلاد من أجل البقاء في السلطة، وفي النهاية، كان ما قدمه النظام هو الموت المستمر في حرب لا نهاية لها وحياة من البؤس والفقر.
وامتد هذا إلى الجيش السوري، الضامن لسلطة النظام، الذي كان أفراده يتقاضون رواتب هزيلة، مما جعل الفساد المستشري ضرورة للبقاء، وكان هذا يعني نهاية الجيش كقوة قتالية فعالة، مما فتح الطريق أمام انهياره السريع.
من التالي؟
من المرجح أن تمر هذه الدروس دون أن تلتفت إليها الحكومات الاستبدادية الأخرى في المنطقة ورعاتها، حتى عندما تكون هناك أوجه تشابه واضحة ومؤلمة بينها وبين الأسد.
المثال الأكثر وضوحاً هو عبد الفتاح السيسي في مصر، الذي يرأس أيضاً دولة تعتمد بشكل كبير على الدعم المالي الخارجي، وهو مقاوم للغاية للإصلاح، ويعتمد على القمع الجماعي، ولا يقدم سوى القليل من حيث التحسينات الاقتصادية لغالبية السكان بما في ذلك قاعدة دعمه.
ولكن هناك اختلافات كبيرة بين سوريا ومصر تجعل هذا السيناريو غير مرجح، وتشمل هذه الاختلافات ضعف المعارضة المصرية، والمستوى الكبير من الدعم الشعبي الذي تتمتع به حكومة السيسي، والاستقلال المؤسسي للجيش، وهو عائق كبير أمام احتمالات التحول الديمقراطي.
وعلى النقيض من سوريا، نجت مصر أيضاً من ويلات الحرب الأهلية الوحشية، والتي كانت بمثابة مقدمة لانهيار الجيش السوري، ولكن مثله كمثل الأسد، يعاني السيسي من نقاط ضعف بنيوية مماثلة قد تؤدي إلى إضعافه بشكل كبير إذا تغيرت الظروف الجيوسياسية.
إن ما أظهره الأسد هو أنه لا يوجد أحد مهم أو كبير أو استراتيجي للغاية بحيث لا يمكن السماح له بالفشل، حتى بعد استثمارات بمليارات الدولارات في حكمه من قبل الرعاة الأجانب.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)