بقلم ماركو كارنيلوس
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع الماضي أن “إسرائيل عرضت مقترحاً جديداً شاملاً يشمل إعادة جميع الأسرى إلى الوطن، ويضمن أمن إسرائيل، ويجعل اليوم التالي للحرب في غزة أفضل دون وجود حماس في السلطة، ويمهد الطريق لتسوية سياسية توفر مستقبلاً أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء”.
ومازال من غير الواضح لماذا قرر بايدن تقديم هذا المقترح على أنه إسرائيلي بدلاً من كونه اقتراحاً أمريكياً، ففي الماضي، كانت إدارة سياسة الشرق الأوسط تعتمد على الوساطة والتسهيلات الأميركية، أما الآن، فيبدو أن واشنطن أخذت تقصر دورها على تقديم المقترحات الإسرائيلية.
يضفي هذا إلى حد ما مصداقية على الحجة القائلة بأن الولايات المتحدة لعبت دائماً دور أفضل محامٍ لإسرائيل، لكن الواقع هذه المرة يمكن أن يكون أكثر دقة بعض الشيء.
ومن الممكن أن يكون ما قدمه بايدن هو نسخة أمريكية من مقترح الاحتلال، الذي اضطر رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو إلى تقديمه بعد صياغته من قبل أعضاء حكومته، لكنه لم يتمكن من تبنيه بسبب الخشية من تهشم ائتلافه الحاكم الهش.
وربما قررت الإدارة الأمريكية طرح المقترح لمحاصرة كل من نتنياهو وقيادة حماس معاً، حيث يسعى بايدن إلى تهدئة التوترات الداخلية في الولايات المتحدة قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر، كما أنه يضع حماس في مرمى اللوم إذا لم يتم قبول مقترح وقف إطلاق النار.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت حماس ستقبل بالمقترح الجديد، رغم وصف رد فعلها الأولي بالإيجابي ونأمل أن تأتي المزيد من الأخبار قريباً من القاهرة والدوحة.
وفي أعقاب نصها المضلل المعتاد، فإن حكومة نتنياهو تبعث إشارات متضاربة حول مقترحها “الخاص”، حيث تعلن بعض المصادر المقربة من رئيس الحكومة أن دولة الاحتلال قبلت بالمقترح لكنه يتطلب بعض المراجعات.
عقبة رئيسية
يتوخى مقترح وقف إطلاق النار التنفيذ على ثلاث مراحل، وليس من الواضح بعد ما إذا كان قد تم قبول كل هذه المراحل، ناهيك عن حقيقة مفادها أن هذا المقترح لا يشكل البداية، وفقاً لأعضاء اليمين المتطرف في حكومة الاحتلال.
ورغم ذلك، فإن هذه القضايا ليست ذات أهمية من الناحية الموضوعية، حيث تشير ثلاثة عقود من التجربة السلبية إلى أن عملية طويلة من الالتفاف على المقترح سوف تلي تقديمه مع عرض تفسيرات مختلفة لبنوده، حيث يتم ممارسة التلاعب بإلقاء اللوم بالطريقة المعتادة لمهاجمة جانب أو آخر عندما تصل العملية إلى طريق مسدود.
وبحسب منشور على موقع X فقد قال الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد: “أبلغ نتنياهو لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست أن بايدن لم يعرض في خطابه كافة تفاصيل المقترح الإسرائيلي وأكد أنه في اليوم السادس عشر من المرحلة الأولى ستبدأ المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار الدائم وستقدم إسرائيل شروطها”.
وبالتالي، فإنه من المعقول أن نفترض في الوقت الراهن أن المرحلة الأولى من اقتراح وقف إطلاق النار والتي تستمر ستة أسابيع فقط هي التي يمكن تنفيذها، بما في ذلك انسحاب قوات الاحتلال من جميع المناطق المأهولة بالسكان في غزة وإطلاق سراح الأسرى من النساء وكبار السن والجرحى في مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين وعودة المدنيين الفلسطينيين إلى منازلهم، بما في ذلك في شمال غزة وزيادة المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر إلى 600 شاحنة يومياً.
وسوف تقع المشاكل الحقيقية عند الوصول إلى المرحلة الثانية، التي تفترض “تبادل إطلاق سراح جميع الأسرى الأحياء المتبقين، بمن فيهم الجنود الذكور، وانسحاب قوات الاحتلال من غزة، وطالما وفت حماس بالتزاماتها، فإن وقف إطلاق النار المؤقت سوف يصبح مجرد وقف للأعمال العدائية بشكل دائم”.
تشكل فكرة الوقف “الدائم” للأعمال العدائية عقبة كبيرة، وذلك لأنه وفقاً لموقف الاحتلال الدائم فإن التدمير الكامل لحماس هو وحده القادر على تحقيق هذا الهدف من الحرب، وتكمن المشكلة في أن أحداً لم يحدد بعد كيف سيكون شكل “التدمير الكامل” لحماس، ولا يوجد أحد أساساً في وضع يسمح له دون أدنى شك بالقضاء التام على الحركة الفلسطينية.
ويهدف الاقتراح الذي قدمه بايدن إلى إنهاء الصراع، وإعادة الأسرى إلى وطنهم، وتسهيل تسليم المساعدات الضخمة إلى غزة، والبدء في نهاية المطاف في إعادة إعمار القطاع، بعبارة أخرى، يهدف الاتفاق إلى استعادة الوضع الراهن قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وهذا على وجه التحديد هو بالتحديد وجه قصور الاتفاق، ليس ما يقدمه بل ما يغفله.
سياسات فاشلة
من المعلوم على نطاق واسع أن الدبلوماسية تتطلب الغموض أحياناً لكي تنجح، ولكن في هذه الحالة يبدو أنه قد تمت المبالغة في هذا الغموض.
ومن المغري أيضاً أن نسأل لماذا تقبل حماس اقتراحاً هدفه الواضح هو خلق “اليوم التالي في غزة بدون حماس في السلطة”، مع الوصول إلى هدف الاحتلال المتمثل في تدمير الحركة بالكامل؟
أما فيما يتعلق بهدف إعادة إرساء الوضع الراهن، فمن الجدير بالذكر أن هذا الوضع الذي مضى عليه عقود من الزمن والذي لا يمكن الدفاع عنه (بالنسبة للفلسطينيين) هو الذي أثار هجوم 7 أكتوبر الذي شنته حماس، التي تعتبر جماعة إرهابية في المملكة المتحدة ودول أخرى، إن إعادة إرساء مثل هذا الوضع ببساطة ليس وصفة للسلام بالتأكيد.
تبدو القضايا التي تم إغفالها في الاتفاق المقترح وكأنها هوة عميقة، عند تجاهل المنظور السياسي الفلسطيني، فخطاب بايدن لم يشر قط إلى حل الدولتين أو الدولة الفلسطينية، بل اكتفى بإشارة واحدة غامضة إلى حق الفلسطينيين في تقرير المصير.
كانت الكلمات الصادقة الوحيدة التي قالها هي تلك الموجهة لمخاطبة الإسرائيليين، بدلاً من حكومتهم حين قال: “وإلى شعب إسرائيل، أطلب منكم أن تأخذوا خطوة إلى الوراء وتفكروا فيما سيحدث إذا ضاعت هذه اللحظة، لا يمكننا أن نخسر هذه اللحظة، إن الحرب غير المهدفة سعياً وراء مفهوم غير محدد للنصر الكامل لن تؤدي إلا إلى تعثر إسرائيل في غزة، واستنزاف الموارد الاقتصادية والعسكرية والبشرية، وزيادة عزلة إسرائيل في العالم”.
لقد كان الخطاب محبطاً بحق، حيث ركز بشكل شبه حصري على الأمن الإسرائيلي، وكان الهدف النهائي هو ضمان “إمكانية اندماج إسرائيل بشكل أعمق في المنطقة، بما في ذلك المضي في اتفاق تطبيع تاريخي محتمل مع المملكة العربية السعودية، “يمكن أن تكون إسرائيل جزءاً من شبكة أمنية إقليمية لمواجهة التهديد الذي تشكله إيران”.
وكان بايدن آنذاك كريماً بما فيه الكفاية ليخصص بضع كلمات لتوضيح المنظور السياسي للفلسطينيين بعد عقود من الاحتلال: “وكل هذا من شأنه أن يخلق الظروف لمستقبل مختلف ومستقبل أفضل للشعب الفلسطيني، مستقبل تقرير المصير، الكرامة والأمن والحرية”.
وبطبيعة الحال، لن يكون هذا “المسار” متاحاً إلا بعد قبول “المقترح الإسرائيلي” من قبل حماس، عندما لا يكون من الواضح حتى أن الحكومة الإسرائيلية تقبله، ومن المرجح أن يحدث ذلك فقط بعد التوصل إلى اتفاق تطبيع إسرائيلي سعودي، وبعبارة أخرى، تتمسك الولايات المتحدة بالسياسات والممارسات الفاشلة التي استمرت لعقود من الزمن.
وبالتالي، فإن طريق الشعب الفلسطيني نحو دولته وإنهاء الاحتلال، وهما الشرطان الوحيدان اللذان يمكن أن يخلقا أمناً حقيقياً ومستداماً لإسرائيل، سيظل طويلاً ومؤلماً، وعلى الأرجح لن يرى النور أبداً في نهاية النفق، إن النهج الأمريكي المتمثل في استعادة الوضع الراهن قد يؤدي إلى مأساة 7 أكتوبر أخرى في المستقبل.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)