لماذا يلوم الليبراليون الناخبين على هزيمة هاريس في الانتخابات الأمريكية؟

بقلم جو جيل

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

لو كان الفوز بالانتخابات يعتمد على المشاهير فلن يخسر الديمقراطيون أبداً، فقد كان لدى كامالا هاريس كلاً من تايلور سويفت، وأوبرا وينفري، وجورج كلوني، وتشارلي إكس سي إكس، وبيونسيه، ولكن للأسف، يتم تحديد نتيجة الانتخابات من قبل الناخبين العاديين، وبقدر ما يمكن للناخبين الاختيار عندما تحصر الخيارات بين نسختين من السيئ.

وفي أعقاب الهزيمة المذهلة لهاريس على يد دونالد ترامب، بات صرير أسنان المعلقين الليبراليين المفتقرين إلى النقد الذاتي أمراً يستحق المتابعة، فحتى تكون ليبرالياً حقيقياً، يجب ألا تعرف شيئاً ولا تتعلم شيئاً، باستثناء كيفية إلقاء اللوم على الآخرين في هزيمة سياساتك الذاتية.

لم يكن لدى الديمقراطيين ما يقدمونه لملايين الأميركيين العاديين الذين يعيشون على راتب شهري والذين تضرروا من التضخم في اقتصاد يخدم الأغنياء فقط، ويبدو أن قول هذا هو بمثابة تبرير للسلوك المروع للناخبين الأميركيين البيض، لكنني أكره أن أقول ذلك لفقاعة إنستغرام الليبرالية: كانت قاعدة كامالا هاريس تتكون من طبقة المانحين الرأسماليين، وليس الطبقة العاملة.

وبالنسبة للعديد من الليبراليين، فإن محاولة فهم كيف تبدو الحياة من وجهة نظر الأميركيين العاديين، سواء كانوا من البيض أو السود أو العرب أو اللاتينيين، أمر مرهق للغاية، إذن دعونا نستمر في إلقاء اللوم على الناخبين، فهذا أكثر تطهيراً للذات، لقد فعلوا ذلك، مرة أخرى، يا لهم من حمقى!

يعتقد مارتن كيتل من صحيفة الغارديان وهو من قدامى المعلقين الليبراليين أن فوز ترامب سيمثل نهاية الولايات المتحدة باعتبارها “الأمة الأساسية والموثوقة في العالم الحر”، هذه ليست الطريقة التي يُنظر بها إلى أمريكا في عالم ينظر إليها في الغالب على أنها دولة مارقة متعطشة للدماء.

ثم يقوم كيتل بجولة سريعة في تصرفات النبلاء الأميركيين الأخيرة على مستوى العالم.

“كان باراك أوباما وجو بايدن مترددين مؤخراً وبشكل مأساوي في استخدام العصا الأميركية الغليظة، وخاصة في الشرق الأوسط، ولكن الآن، لا مجال للاختباء من الحقائق”، يكتب كيتل، مستخدماً نوعاً من المخدرات المناهضة للواقع لوصف السياسة الخارجية الأميركية وكأن الحروب الأميركية الأخيرة لم تحدث قط.

حروب أوباما وبايدن

في الواقع، خلال رئاسة أوباما شهدنا “زيادة” في أفغانستان، وقصف ليبيا وقتل معمر القذافي (“لقد أتينا، ورأينا، ومات”، على حد تعبير هيلاري كلينتون)، وبرنامج الطائرات بدون طيار في باكستان واليمن والصومال، في حين دعمنا أيضًا الحرب السعودية في اليمن.

إن الافتقار إلى المراجعة الذاتية من جانب المعلقين الليبراليين في أعقاب الهزيمة المذهلة التي منيت بها هاريس على يد دونالد ترامب أمر يستحق المتابعة

وفي سوريا، تجنب أوباما التدخل المباشر في الحرب الأهلية بعد كارثة ليبيا، وبدلاً من ذلك، انخرطت الولايات المتحدة مع الأنظمة العربية الموالية للغرب وتركيا لتولي مهمة مضايقة الدكتاتور السوري بشار الأسد بقوات مسلحة، وكانت النتيجة النهائية هي الحرب الأكثر دموية في هذا القرن، على الأقل حتى وقت قريب.

ثم، لتتويج هذه النزعة غير القوية المزعومة، كانت هناك الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، الذي اختمر في السجون التي تديرها الولايات المتحدة في العراق بعد الغزو، وهي الحرب التي كثفها ترامب.

كما قالت منظمة أوقفوا الحرب في تعليقها بعد الانتخابات، لم يكن ترامب صانع سلام عندما يتعلق الأمر بإسرائيل والشرق الأوسط: “إن دعم ترامب لسياسة نتنياهو واضح، وعلى الرغم من كل حديثه عن رغبته في وقف الحروب، فإن سجله عندما تولى منصبه آخر مرة يظهر أنه بعيد عن تحقيق السلام، فقد ضاعف من الحرب الأمريكية والحروب بالوكالة في سوريا والصومال وأفغانستان واليمن”.

بعد فترة ترامب، انسحب نائب الرئيس أوباما المؤيد للحرب دائمًا جو بايدن، بمجرد انتخابه، من أفغانستان (مستعيدًا سياسة ترامب)، مما أدى إلى إنهاء حرب استمرت 20 عامًا، في حين فرض عقوبات صارمة على سكان يعانون بالفعل من الفقر.

أفضل، ولكن لمن؟

ومن دون توقف، انغمس بايدن مباشرة في فخ أعد بعناية في أوكرانيا، مع الوعد الكاذب بالتحرر من روسيا أمام الأوكرانيين، وهي حرب كلفت حتى الآن 174 مليار دولار، وقد دفع الثمن الحقيقي مئات الآلاف من الأوكرانيين الذين قاتلوا الروس الأفضل تسليحاً، ووعد ترامب بإنهاء الحرب، التي سئم الناخبون الأمريكيون من تمويلها (لا تستطيع حكومتهم حتى إيجاد المال لإجازة الوالدين المدفوعة الأجر لمواطنيها).

لقد جاءت حرب بايدن الثانية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث تم تسليم إمدادات غير محدودة من القنابل التي تزن 2000 رطل إلى بنيامين نتنياهو لتدمير غزة في أعقاب هجمات حماس، لم تكن “عصا غليظة” بقدر ما كانت حرباً مروعة شنت ضد معسكر اعتقال مكتظ بالسكان، ثم توسعت إلى لبنان في عام 2024.

انتهى كل هذا، وهو أمر غير مفاجئ، بهزيمة هاريس، ولا يستطيع كيتل أن يكبح شعوره بالمرارة تجاه الناخبين الأمريكيين وهي وجهة نظر ليبرالية للغاية بشأن فشل الديمقراطيين المذهل، “لقد ارتكب الناخبون الأمريكيون أمراً فظيعًا لا يغتفر هذا الأسبوع، لا ينبغي لنا أن نتردد في القول إنهم ابتعدوا عن الأخلاق والقواعد المشتركة التي شكلت العالم، بشكل عام للأفضل، منذ عام 1945”.

بشكل عام للأفضل، لمن؟ هذا ليس سؤالاً يطرحه أي إمبريالي ليبرالي يحترم نفسه، لأن الإجابة واضحة جدًا بحيث لا يمكن ذكرها في صحبة مهذبة، الأمريكيون البيض والأوروبيون بالطبع، هل يمكننا أن نزعم حقا أن العالم الذي تعيشه الغالبية العظمى من سكان الكوكب تحسن بشكل كبير تحت قيادة الولايات المتحدة، وخاصة في العقود الأخيرة؟

لقد أطلقت الفوضى التي خلقتها الحروب على المخدرات والحروب على الإرهاب منذ تسعينيات القرن العشرين فصاعداً في أفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط العنان لأزمة الهجرة التي يقول ترامب الآن إنه سيصلحها بترحيل ملايين المهاجرين.

إنصافا لكيتل، فهو محق في شيء واحد: انتخاب ترامب، والسياسات الأميركية التي تعود إلى ما قبله، يجب أن تمثل في النهاية نهاية الأسطورة الخطيرة القائلة بأن بريطانيا والولايات المتحدة دولتان مترابطتان، “مع إعادة انتخاب ترامب، فإن الادعاءات بالتشابه هي وهم ذاتي خطير، نحن بحاجة إلى التخلص من تلك النجوم المهووسة من أعيننا”.

ما لا يقوله هو أن ما وحد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر كان المغامرة الإمبريالية، والاستعداد لسحق الدول القومية وخوض حروب أبدية باسم مكافحة الإرهاب، في حين يمنح الإرهابيين في الواقع السبب الحقيقي الذي يحتاجون إليه للقتال، ولكن تحت هذا، تكمن استثنائية أنجلو ساكسونية، مبنية على تاريخنا المشترك من الاستعمار الاستيطاني العسكري، وفي لبنان وغزة، كانت نتائج هذه السياسة واضحة للعيان: حرب مدمرة وإبادة جماعية بلا نهاية.

ليس هناك أي إشارة إلى أن ستارمر لديه الشجاعة للتخلي عن الحروب المروعة التي تخوضها أميركا في غزة ولبنان والشرق الأوسط على نطاق أوسع

وفي تحليله التاريخي الختامي، يعيد كيتل اكتشاف العقلانية: “إن كل القوى الإمبريالية المتضائلة تكافح مع ميراثها الخاص، كما تفعل قوى القرن التاسع عشر مثل بريطانيا وفرنسا وحتى روسيا بطرق مختلفة، والولايات المتحدة، القوة الإمبريالية الأحدث بكثير، بدأت للتو هذه العملية”.

لا ينبغي لنا إذن أن ننجر إلى الهاوية بسبب إمبراطورية الولايات المتحدة المتعثرة، التي سمحت لبريطانيا بمواصلة الحلم بكونها لاعباً عسكرياً رئيسياً على الساحة العالمية.

ولكن في شخص كير ستارمر، ليس لدينا زعيم يسمح لنا بالانفصال عن هذا “الماضي المتسلط”، لقد ربط عربته بالولايات المتحدة، ومثله كمثل سلفه توني بلير، الذي ركب إلى بغداد على أذيال جورج دبليو بوش، لا توجد علامة على أن ستارمر لديه الشجاعة للانفصال عن حروب أمريكا المروعة في غزة ولبنان والشرق الأوسط الأوسع.

تخوض أمرغ هذه الحروب دفاعاً عن الهيمنة والثروة الغربية، والتي بنيت على إرث تقسيم الإمبراطورية البريطانية للمنطقة.

وإذا كانت المملكة المتحدة محظوظة، فسوف يفعل ترامب ما وعد به وينهي كل هذه الحروب، وإلا فإن المملكة المتحدة سوف تنجر نحو المزيد من الفوضى الدموية والعار، والتي تدفع ثمنها دماء عدد لا يحصى من العرب وربما الإيرانيين.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة