بقلم معتز أحمدين خليل
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
تُمثل ردود الفعل الإيجابية تجاه الجولة الأولى من المحادثات “غير المباشرة” بين الولايات المتحدة وإيران، التي عُقدت في العاصمة العُمانية مسقط الأسبوع الماضي فرصةً متجددةً لاحتواء الآفاق العسكرية للبرنامج النووي الإيراني.
ففي مرحلة لاحقة قد تُنعش هذه الجولة أيضًا جهود نزع السلاح في الشرق الأوسط، بما في ذلك إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية، ويمكن تناول قدرات إيران الصاروخية وأنظمة إطلاقها في هذا السياق الأوسع.
وبحسب تقارير صحفية حديثة، فقد وصلت إيران إلى مرحلةٍ تُمكّنها من تصنيع سلاح نووي في غضون أسبوع، حيث ظل تقليص هذه المدة اللازمة لتجاوز العتبة النووية دون الحاجة إلى بناء مثل هذا السلاح هدف طهران منذ إطلاق برنامجها النووي السري.
سمعتُ هذا الكلام بشكل مباشرةً من مسؤول إيراني رفيع المستوى خلال مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، وفي ذلك الوقت، كانت إيران على بُعد ما بين 15 و18 شهرًا من تصنيع سلاح نووي إذا قررت الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي والتركيز على هذا الهدف، كما أخبرني المسؤول.
وتقول إيران إنها اضطرت إلى عدم الإفصاح عن بعض أنشطتها للوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد استهداف بعض المنشآت والعلماء الإيرانيين المشاركين في عمليات تفتيش الوكالة بأعمال تخريب واغتيال، واتهمت طهران أجهزة الاستخبارات الغربية والإسرائيلية بتدبير الهجمات.
من ناحية أخرى، اتهمت دولة الاحتلال والولايات المتحدة والغرب عمومًا إيران بالسعي الدائم وراء أهداف عسكرية نووية، سعيًا لتدمير الدولة العبرية، وتوسيع النفوذ الإيراني، وتصدير الثورة الشيعية إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وبغض النظر عن صحة الادعاءات المتعارضة، فقد أتيحت للغرب فرصة للسيطرة على البرنامج النووي عام 2015، لكن الولايات المتحدة وليس إيران هي من انسحبت في النهاية من الاتفاق.
لقد مكن تفكيك الاتفاق الذي كان يحظى بدعم الجناح المعتدل في النظام الإيراني والاتحاد الأوروبي وإدارة أوباما، طهران من الانسحاب من اتفاقية الضمانات الخاصة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتسريع جهودها لتقصير فترة الاختراق النووي.
والواقع الآن هو أنه على مدار العقد الماضي، تم تقصير فترة الاختراق النووي بشكل كبير، وأصبحت إيران في وضع يسمح لها بتصنيع عدد محدود من الأجهزة النووية في غضون فترة زمنية قصيرة نسبيًا، إذا ما اختارت ذلك.
هذه النقطة الأخيرة مهمة، لأن الموقف الرسمي للمرشد الأعلى لإيران هو أن الشريعة الإسلامية تحرم امتلاك سلاح نووي.
سنوات مضطربة
لم تبدأ إيران برنامجها النووي من الصفر بعد ثورة 1979 بل على العكس، بدأ البرنامج بتشجيع من الولايات المتحدة في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، في ظل نظام الشاه الإمبراطوري، بهدف تعزيز مكانة إيران الإقليمية كحليف لكل من الولايات المتحدة ودولة الاحتلال.
وقد غضت الولايات المتحدة الطرف تقريبًا عن سعي إيران الصامت للردع النووي آنذاك، حيث جُمّد البرنامج لفترة محدودة خلال السنوات الأولى المضطربة للثورة الإيرانية، لكنه استؤنف تدريجيًا في الثمانينيات بعد أن هدأت الأمور وعندما شعر النظام الجديد بالتهديد من الحرب الإيرانية العراقية وعدم الود الذي أبداه الغرب والعديد من جيرانه بغض النظر عن أسباب هذا العداء المتبادل.
يتطلب تجميد البرنامج النووي الإيراني تقديم تنازلات عديدة من كلا الجانبين، بما في ذلك قبول إيران لعملية تحقق صارمة.
ومنذ هجوم حماس على دولة الاحتلال في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أدت عدة عوامل إلى تجدد الجدل حول حظر إيران الرسمي للأسلحة النووية، بما في ذلك مشاركة حلفاء إيران الإقليميين من غير الدول في دعم حماس في غزة عسكريًا ورد الاحتلال والمواجهات المباشرة المتبادلة بين دولة الاحتلال وإيران وضعف حلفاء الأخيرة ولا سيما حماس وحزب الله والحوثيين، والتهديدات المتزايدة لإيران من كل من دولة الاحتلال والولايات المتحدة.
فهل ضعفت إيران ونفوذها الإقليمي إلى الحد الذي يدفع طهران إلى التفكير في الخيار النهائي لردع أي معتدٍ محتمل وحماية البلاد والنظام؟ أستخدم كلمة “ردع” هنا لأنه بعد أول استخدام للأسلحة النووية في تاريخ البشرية، وهو الهجوم الأمريكي على هيروشيما وناغازاكي في الحرب العالمية الثانية، أصبح المبدأ السائد هو أن الأسلحة النووية ليست للاستخدام الفعلي، بل لأغراض الردع فقط.
وحتى عندما فكرت دولة الاحتلال في استخدام قدراتها النووية الناشئة في أكتوبر/تشرين الأول 1973، في مواجهة تهديد شبه وجودي بسبب الهجوم المفاجئ الذي شنته مصر وسوريا، اختارت عدم القيام بذلك، بعد أن جاءت الولايات المتحدة لإنقاذها بالأسلحة التقليدية والقوة السياسية.
بوليصة تأمين
وبالنسبة لإيران، قد يُنظر إلى تسليح برنامجها النووي على أنه بوليصة تأمين فعّالة ضد تغيير النظام أو التدمير الشامل، وهي طريقة نجحت مع دول أخرى طورت قدرات عسكرية نووية خارج نطاق نظام حظر الانتشار العالمي أو رغمه، بما في ذلك دولة الاحتلال وجنوب إفريقيا والهند وباكستان وكوريا الشمالية.
ولطالما كان تفكيك قدرات إيران الصاروخية، التي تشمل أنظمة توصيل محتملة للأسلحة النووية، هدفًا ثابتًا للاحتلال والغرب على مدار عقود.
ولكن في حين أن تسليح برنامجها النووي المحتمل محظور بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، فإن قدراتها الصاروخية لا تخضع لأي التزام قانوني دولي، لكن هذا لا يمنع من إمكانية معالجة قدراتها الصاروخية في مرحلة لاحقة، في سياق أوسع من الخطوات المتبادلة لتحقيق الشفافية ونزع السلاح في المنطقة، مع ضمانات أمنية كافية.
ويبدو أن تجميد البرنامج النووي الإيراني في وضعه الحالي هو الخيار الوحيد الممكن والذي من شأنه أن يعود بنتائج إيجابية على الجميع: الولايات المتحدة، وإيران، دولة الاحتلال، والمنطقة، والعالم، وبالنسبة للولايات المتحدة والاحتلال، فإن هذا سيحقق الهدف الرئيسي المتمثل في منع إيران من امتلاك سلاح نووي.
يمكن لمثل هكذا حل أن يجنب المنطقة والعالم حربًا ذات مستويات دمار غير مسبوقة وتداعيات اقتصادية مدمرة في بيئة دولية متوترة أصلًا وآثارًا بيئية كارثية في منطقة معرضة للخطر، أما بالنسبة لإيران، فإن مثل هذا الحل يمكن أن ينقذها من هجوم أمريكي قد يُضعفها، مما قد يُثير دعوات داخلية لتغيير النظام.
وكأفضل خيار واقعي، يتطلب تجميد البرنامج النووي الإيراني تقديم تنازلات عديدة من كلا الجانبين، بما في ذلك قبول إيران لعملية تحقق صارمة، وتخلي الولايات المتحدة والاحتلال عن الفكرة غير الواقعية المتمثلة في تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، مع الأخذ في الاعتبار أن تدمير البنية التحتية بالقوة لا يمحي المعرفة العلمية المكتسبة على مدى عقود، وبالتالي لا يمنع إيران من المحاولة مرة أخرى بمزيد من العزم.
أما سيناريو التصعيد والمواجهة العسكرية البديل فسيؤدي حتماً إلى كارثة، ويدمر أي فرصة للسلام والأمن الإقليمي، إن لم يكن العالمي، ولعقود قادمة.
والأهم من ذلك، أنه لن يؤدي إلا إلى تسريع مساعي إيران للحصول على سلاح نووي، مما يُطلق شرارة سباق نووي إقليمي محموم.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)