بقلم جو غيل
ترجمة وتحرير مريم الحمد
في الأسابيع الأخيرة، لم ترُق لكبار الليبراليين الصهاينة في إسرائيل والمملكة المتحدة موجة الغضب التي يقودها التقدميون في الغرب تجاه ما يحصل في غزة، وحاولوا التصدي لها عبر اتهام اليسار التقدمي بالفشل في إدانة هجمات حماس في 7 أكتوبر، في وقت يشتد فيه القصف الإسرائيلي على غزة التي باتت تواجه كارثة إنسانية غير مسبوقة.
قائد الهجوم الإسرائيلي هو يوفال نوح هراري، المؤلف الأكثر مبيعًا لكتب الأنثروبولوجيا الشهيرة Sapiens وHomo Deus، والذي كان من أبرز المؤيدين للاحتجاجات ضد نتنياهو في وقت سابق من هذا العام، ولكنه بات يركز الآن على أن اليسار في أوروبا والولايات المتحدة يرفض إدانة “وحشية حماس التي تسببت في الدمار الكارثي” على حد توصيفه.
في منشور له على موقع اكس، كتب هراري “أشعر بقلق عميق إزاء الرد غير الكافي على استهداف حماس للمدنيين الإسرائيليين، وهو اتجاه مثير للقلق في الثقافة السياسية لليسار العالمي”.
وقد ذكرت صحيفة الغارديان في أحد تقاريرها أن عمة هراري وعمه كانوا يعيشون في أحد الكيبوتسات التي استهدفها المقاتلون الفلسطينيون، ولكنهم نجوا.
يذكر أن هراري أضاف اسمه إلى بيان وقعه العشرات من الأكاديميين والناشطين الإسرائيليين، حيث جاء في الرسالة “لم نتخيل أبدًا أن اليساريين، المدافعين عن المساواة والحرية والعدالة، قد يقعون بهذا الخطأ الحساس والتهور السياسي”.
مهاجمة اليسار
من الأمثلة على مهاجمة اليسار، انتقاد هراري لتصريحات صادرة عن مجموعة من طلاب جامعة هارفارد قالوا فيها أن أعمال العنف التي بدأت في 7 أكتوبر كانت خطأ الاحتلال الإسرائيلي بالكامل، كما اعترض على بيان صادر عن الاشتراكيين الديمقراطيين الأمريكيين جاء فيه “أحداث 7 أكتوبر هي نتيجة مباشرة لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي”.
لقد شهدت هذه الحملة إسقاط 6 آلاف قنبلة في أيامها الأولى، ما يعادل نحو ما أسقطته الولايات المتحدة في أفغانستان خلال عام، أو حتى أي عدد استخدمته الولايات المتحدة في حربها ضد داعش.
تمركز جزء من هجوم هراري حول ربط اليسار بالديكتاتور السوفييتي، جوزيف لينين، فكتب “هذه ليست المرة الأولى التي يجد فيها اليسار الراديكالي نفسه متحالفًا مع بعض الحركات والأنظمة الوحشية، خلال سعيه تحقيق العدالة”، بل وادعى أن إسرائيل لا تشن حملة لمحو الفلسطينيين في غزة، فقال “نحن لا نرى حملة تهدف إلى محو غزة، وضع الفلسطينيين مروع، ولكن من الواضح أن إسرائيل لا تنوي قتل عدد كبير من المدنيين، على عكس نظام الأسد في حمص وحلب”.
ويدعي هراري أنه يجب “نزع السلاح” من حماس وإخراجها من غزة، لأنها تشكل عقبة أمام أي احتمال لوجود تسوية سلمية، وهنا كان يقصد التطبيع بين إسرائيل والسعودية، باعتبار ذلك صفقة التطبيع الناجحة.
في الغالب، فإن هراري قد تشرب الدعاية الإسرائيلية، أو شاهد الكثير من أخبار الحرب من وسائل إعلام غربية، فادعاءاته تتعارض مع الأدلة الدامغة التي تم الحصول عليها خلال الأسبوعين الأخيرين من التدمير الشامل للقطاع المحاصر والمكتظ بالسكان، حيث يعيش 2.3 مليون شخص محاطين بإسرائيل من البر والجو والبحر.
قصف غير مسبوق
لقد شهدت هذه الحملة إسقاط 6 آلاف قنبلة في أيامها الأولى، ما يعادل نحو ما أسقطته الولايات المتحدة في أفغانستان خلال عام، أو حتى أي عدد استخدمته الولايات المتحدة في حربها ضد داعش.
وفقًا للبيانات كشفت عنها الاستخبارات الأمريكية حول عملية “العزم الصلب” بين 2015-2019، فقد بلغ القصف ذروته في أغسطس 2017 خلال معركة الرقة، عندما تم إسقاط 5400 قنبلة في شهر واحد، ما أدى إلى مقتل 1800 شخص.
علاوة على ذلك، فبعد الدمار الهائل والخسائر الكبيرة في أرواح المدنيين، بالإضافة إلى استهداف الصحفيين والعاملين في الصحة وموظفي الإغاثة التابعين للأمم المتحدة، بات من السخيف ادعاء أن إسرائيل تظهر أي ضبط للنفس في ضرباتها الجوية، التي تهدف إلى ترويع سكان غزة.
بالنسبة للملايين حول العالم الذين يرون الحملة زيادة في تهجير الفلسطينيين واستمرار لحصار غزة، فإن الحملة مجرد زيادة سطور في كتاب المدافعين عن جرائم الحرب الإسرائيلية التي لا تنتهي!
ادعى كاتب العمود في صحيفة الغارديان، جورج مونبيوت، في منشور له على موقع اكس، أنه يجب التمييز بين جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل وبين الهجمات التي شنتها حماس في 7 أكتوبر، على حد وصفه، فكتب “لقد استهدف إرهابيو حماس المدنيين، هذا فارق مهم، كما أنهم أطلقوا صواريخ نحو المناطق الحضرية مثلما فعلت الحكومة الإسرائيلية، وعلى الرغم من اختلافهما، إلا أن كلاهما يعتبران جريمة”.
مونبيوت يريد لنا أن نتقبل فكرة أن هجوم حماس كان أكثر وحشية من حيث النوعية من حملة القصف الإسرائيلية، ويريدنا أن نرى أن ذبح إسرائيل لآلاف المدنيين يمكن مقارنته بأي شكل من الأشكال مع هجمات حماس يوم 7 أكتوبر.
نية واضحة للتطهير العرقي
على مدار التاريخ الحديث، سعت الدول الإمبريالية المنخرطة في حروب في الشرق الأوسط إلى تثبيت أساليبها العسكرية، القائمة على القوة الجوية واستخدام الأسلحة عالية التقنية، لأنها أكثر دقة وأقل عمقًا، مقارنة بأساليب الجهات غير النظامية.
وفي حالة الصراع الحاصل في غزة، فإنه حتى لو تجاوزنا سياق الاحتلال والمعاملة الوحشية للفلسطينيين قبل 7 أكتوبر، فإن العنصر الرئيسي الذي لم يتناوله مونبيوت هو تصريحات القادة الإسرائيليين عن نواياهم، عندما قال وزير الحرب يوآف غالانت إن إسرائيل تقاتل “حيوانات بشرية وسوف تتصرف وفقا لذلك”، وعندما يقول رئيس إسرائيل، إسحاق هرتسوغ، صراحة أنه لا يوجد مدنيون أبرياء في غزة، أما نتنياهو فقال “لا يوجد في غزة أحد آمن من القصف”، أم هل يقترح مونبيوت أن نتجاهل ببساطة هذه التصريحات الصريحة عن نية استهداف المدنيين؟
وفقاًً لبيانات المركز الأورومتوسطي، فقد تجاوز عدد الضحايا في غزة عدد ضحايا الإبادة الجماعية في سربرنيتسا على يد قوات صرب البوسنة عام 1995، عندما وصل عدد الضحايا إلى 8 آلاف شخص.
يهدف رد الصهاينة الليبراليين إلى الضغط على منتقدي الحرب من الغرب، بالإضافة إلى إضفاء طابع أخلاقي على الحملة الوحشية على غزة، لكن بالنسبة للملايين حول العالم الذين يرون الحملة زيادة في تهجير الفلسطينيين واستمرار لحصار غزة، فإن الحملة مجرد زيادة سطور في كتاب المدافعين عن جرائم الحرب الإسرائيلية التي لا تنتهي!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)