ليست مجرد أزمة قضائية لإسرائيل بل هي معركة وجود واستمرار!

بقلم ريتشارد سيلفرستين

ترجمة وتحرير مريم الحمد

تواجه إسرائيل أخطر أزمة في تاريخها اليوم، فقد وضعت الحكومة الأكثر تطرفاً برنامجاً جذرياً لتحييد القضاء ونقل جميع السلطات تقريباً إلى الكنيست ورئيس الوزراء، الأمر الذي سوف يؤدي بالضرورة إلى القضاء على جميع الضوابط والتوازنات تقريباً بين أفرع الحكومة.

ما إن تم تمرير القانون المثير للجدل قبل أيام، حتى عمت الفوضى بين الإسرائيليين الذين احتجوا على الانقلاب المناهض للديمقراطية وعلى حكومة نتنياهو الحالية، وقبل التصويت، حاول محتجون منع أعضاء من الكنيست من دخول القاعة للتصويت، كما صمدوا في وجه خراطيم مياه الظربان الكريهة الرائحة التابعة للشرطة، والتي عادة ما يستخدمونها ضد الفلسطينيين، حتى أن بعضهم تعرض للضرب على يد الشرطة.

في الأيام الأخيرة قبل التصويت، تم إغلاق مراكز التسوق والمستشفيات الكبرى، ودخل الأطباء في إضراب، فيما هدد زعماء حزب العمل بإضراب عام، وانخفض مؤشر بورصة تل أبيب وتراجعت قيمة الشيكل، في ظل ذلك حذرت وكالة موديز من الآثار الضارة للتشريع الجديد على الاقتصاد الكلي.

بدأت حركة التمرد الاجتماعية تلك من خيمة واحدة في أحد شوارع تل أبيب، لكنها انتشرت لاحقاً إلى عشرات الآلاف الذين اعتصموا هناك لأسابيع

الأهم في كل ذلك كان قطاع التكنولوجيا الرائد في إسرائيل، فهو يشكل ما قيمته 15% من الناتج الاقتصادي الإجمالي ونصف قيمة الصادرات، ولكن بسبب ما يحدث، أعلنت 70% من الشركات الناشئة عن اتخاذها خطوات نحو نقل بعض عملياتها خارج إسرائيل.

من جانب آخر، أعلن 10 آلاف جندي احتياطي وألف طيار رفضهم لتأدية الخدمة، كما انضم عدد من قادة الجيش والموساد والشين بيت السابقين إلى المعسكر المؤيد للديمقراطية، في مشهد تظهر فيه إسرائيل وهي تمشي نحو حالة من الشلل أو التوقف. 

لقد واجهت إسرائيل احتجاجات كبيرة في السابق، بما في ذلك مظاهرة حاشدة عام 1982، وشارك فيها 400 ألف شخص، وذلك بعد مذبحة صبرا وشاتيلا في لبنان، فقامت الحكومة الإسرائيلية آنذاك بتعيين لجنة تحقيق خلصت إلى إقالة أرئيل شارون من حقيبة وزارة الدفاع.

وفي عام 1993، تم توقيع اتفاقيات أوسلو على هدف نهائي تمثل بإقامة دولة فلسطينية وضمان وقف العنف بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن الاتفاقية جوبهت برد فعل عنيف من قبل اليمين المتطرف.

احتجاجات من أجل السلام

بعد عامين على أوسلو، سعت حركة “السلام الآن” إلى إعادة تنشيط عملية السلام، من خلال مظاهرة ضخمة في قلب تل أبيب، لم يكن فيها عامل جذب رئيسي سوى رئيس الوزراء آنذاك، إسحاق رابين، ولكن التجمع كان تعبيراً عميقاً عن رغبة إسرائيل في السلام، لكن تم اغتيال رابين في تلك الليلة على يد مستوطن متطرف، ربما لو لم يمت رابين يومها، لكانت عملية السلام قد نجحت.

عام 2011، ظهرت حركة تدعى J14، وهي حملة عدالة اجتماعية شعبية عفوية، واجتاحت شوارع إسرائيل، فقد كانت بمثابة ثورة على المجتمع الجشع الذي أصبحت عليه إسرائيل، أو حركة تمرد قادها شباب لم يعد بمقدورهم تحمل الإيجارات المتصاعدة، فالطبقة العاملة في إسرائيل لم تعد قادرة على تحصيل لقمة العيش، بالنظر إلى الزيادات الهائلة في الأسعار.

بدأت حركة التمرد الاجتماعية تلك من خيمة واحدة في أحد شوارع تل أبيب، لكنها انتشرت لاحقاً إلى عشرات الآلاف الذين اعتصموا هناك لأسابيع، فقد كانت تلك الحركة تطمح لإحداث تغيير في المجتمع الإسرائيلي وجعله أكثر إنصافاً وعدالة، ولكن بدلاً من ذلك، انتظر السياسيون حتى يتلاشى الزخم، وقطعوا الوعود بالتغيير، حتى عينوا لجاناً لضمان أخذ المطالب على محمل الجد، لكن شيئاً لم يحدث!

لقد نشأت حركات العدالة الاجتماعية والسلام التي ذكرتها في الأعلى من قبل اليسار، وعلى الجانب الآخر، كان هناك حملات قادها اليمين المتطرف، وقد كانت أكثر نجاحاً، ففي عام 2005، أعلن رئيس الوزراء آنذاك، أرئيل شارون، الانسحاب الأحادي من المستوطنات في غزة، دون التشاور مع السلطة الفلسطينية أو حماس، وبذلك كان الانسحاب سبباً في كارثة مستمرة.

لم يسفر الانسحاب عن أي تقدم في عملية السلام مع الفلسطينيين، بل وأدى إلى توليد تعاطف كبير مع المستوطنين، فقاموا بتأطير حملة التعاطف، أسوة بالثورات اللونية في أوروبا، واعتمدوا اللون البرتقالي لوناً لهم، وكانت صور الأطفال وهم يبكون والمستوطنون على أسطح المنازل مع الجنود يتسلقون السلالم لطردهم قد ملأت الصحف العالمية.

أما احتجاجات غوش قطيف، فقد كانت بارعة بطريقة شيطانية إن صح التعبير، فقد مهدوا من خلالها الطريق للمشروع الاستيطاني الضخم الذي يجري العمل عليه حالياً، فقد قضت الصدمة الوطنية بعد الانسحاب على أي معارضة يسارية كانت موجودة.

أجندة المستوطنين

لقد مهدت تلك الحقبة لنشطاء المستوطنين الوصول إلى أدوار قيادية في الحكومات اليمينية المتطرفة، من بينهم بتسلئيل سموتريتش، الذي اعتقله الشاباك عام 2005 بتهمة وجود قنبلة في سيارته، لكن لم يتم توجيه تهم رسمية قط، واليوم صار وزيراً للمالية، وتحت تصرفه مليارات الشواكل لتمويل عشرات الآلاف من الوحدات الاستيطانية، في طريق ضمان السيادة اليهودية على جميع الأراضي من النهر إلى البحر.

كل الحملات السابقة كانت بمثابة الشرارة التي أدت إلى الحديث عن بوادر تغيير جذري اليوم، وتعد حركة غوش قطيف الوحيدة التي كان لها التأثير المطلوب، عندما حولت إسرائيل إلى دولة استيطانية يسيطر فيها المستوطنون على السلطة، أما حملات العدالة الاجتماعية والسلام فلم تحقق الكثير!

هي أزمة وجودية لا يجب أن يكون لها إلا نتيجة واحدة وهي النصر، يعني هزيمة المتعصبين وإلا سوف يضيع الجميع

لقد اجتاحت الاحتجاجات الحالية جميع أنحاء إسرائيل، واستمرت لعام كامل حتى الآن، وعلى عكس احتجاجات اليسار السابقة، فإن هذه الحركة تبدو عنيدة وأكثر إصراراً، وتحمل أجندة مركزة، هي وقف التعديلات القضائية والإطاحة بالحكومة، في حال نجاحها، فليس هناك ما يضمن حصول التغيير بالفعل، وإذا فشلت، فسيخسر المتظاهرون بلادهم، ولذلك يرى المتظاهرون أن كل ما يخشون خسارته على المحك اليوم.

فور إقرار التعديلات، قامت الحركة المؤيدة للديمقراطية برفع دعوى استئناف لدى المحكمة العليا ضد القانون المناهض للقضاء، والآن يمكن للمحكمة إبطال القانون أو الموافقة عليه، لكن الاحتمال الثاني في الغالب غير وارد، لأن الموافقة تعني حرمان المحكمة من صلاحياتها أساساً، وفي حال رفضت القانون، فإن الحكومة سوف تصرح بأنها قد أزاحت سلطة المحكمة في مراجعة قوانين كهذه، وبذلك تظهر الأزمة التشريعية والقضائية بوضوح

هذا الإشكال سوف يضع فرعين من الحكومة في صراع مباشر بدعي فيه كل منهما أنه هو السلطة المناسبة، معظم الإسرائيليين سوف ينحاز إلى المحكمة لكن لن يكون لديهم سلطة إلا في الشارع، وبالتالي سيتم إهمالهم وتجاهلهم.

كثير من الإسرائيليون يرون أن هذه الحكومة تريد تدمير ما يعتبرونه ديمقراطية إسرائيلية، ويتهمونها بتدبير انقلاب فاشي لسرقة البلاد من مواطنيها، بالنسبة لهم، هي أزمة وجودية لا يجب أن يكون لها إلا نتيجة واحدة وهي النصر، يعني هزيمة المتعصبين وإلا سوف يضيع الجميع، لذلك تعد هذه أزمة لا مثيل لها في تاريخ إسرائيل، ونتيجتها سوف تحدد ما إذا كانت إسرائيل ستنجو أم تصبح ديكتاتورية ثيوقراطية.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة