بقلم عمر سليمان
ترجمة وتحرير مريم الحمد
بعد نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة، قد يقرأ بعض الديمقراطيين هذا المقال على أمل العثور على اعتذار، أو اعتراف بخطأ استراتيجي في التقدير من جانب المسلمين الذين كانوا مع التصويت لطرف ثالث.
أعتقد أن عليهم بدلاً من ذلك، التفكير في حال حزبهم، الذي أشرف وما زال يشرف على الإبادة الجماعية الإسرائيلية بحق آلاف المدنيين الفلسطينيين الأبرياء في غزة، فالحزب لم يجلس صامتاً فحسب، بل إن إدارة بايدن دعمت بنشاط الإبادة الجماعية مالياً وعسكرياً وبكل الطرق التي يمكن تخيلها.
لقد حصل ضحايا إعصار هيلين الأمريكيين على أقل من 5% مما تلقته إسرائيل في العام الماضي وحده، فكيف يستمر الأمريكيون في تمويل الاحتلال والفصل العنصري والإبادة الجماعية المستمرة؟!
على الجانب الآخر، فإن أجندة الرئيس المقبل، دونالد ترامب، هي “أمريكا أولاً”، والتي تم الترويج لها في ولاية ترامب الأولى ليس باعتبارها خروجاً عن الهيمنة العالمية للولايات المتحدة، ولكن باعتبارها تحولاً نحو تحقيق التوازن بين القوى العالمية واتخاذ “قرارات السياسة الخارجية على أساس النتائج وليس على الأيديولوجية”، وتم وصفها على أنها إعادة ترتيب أولويات المواطنين الأمريكيين واهتماماتهم.
أما على أرض الواقع، فقد كشفت فترة ولاية ترامب الأولى أن هذا الوعد كان مجرد سراب، واليوم تؤكد ترشيحات ترامب لمجلس وزرائه لولاية ثانية صورة أكثر قتامة من سابقتها.
بالنسبة للعديد من الأمريكيين، تعتبر فكرة وضع المصالح الوطنية في المقام الأول فكرة بديهية ومقبولة من قبل الحزبين، ولكن ماذا لو لم يكن الساسة المنتخبون لديكم من أصحاب شعار “أمريكا أولاً” حقاً؟ ماذا لو كانوا يعطون الأولوية لمصالح الأمن القومي الإسرائيلي على ضروريات المواطن الأمريكي المحلية، مثل الرعاية الصحية والإسكان بأسعار معقولة؟!
على مدى عقود من الزمن، دق الملايين من الأمريكيين ناقوس الخطر حول النفوذ الضخم الذي يمارسه اللوبي الإسرائيلي على عملية صنع السياسات الأمريكية، فالدعم الحزبي لإسرائيل، والذي يتجلى في إرسال المليارات من دولارات دافعي الضرائب الأمريكيين إلى الخارج، ظل يتزايد رغم انتقاده، وهذا يتمثل فيما نشره بايدن على اكس حين كان الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ يزور البيت الأبيض، فكتب: “التزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل صارم”.
تمويل الاحتلال
منذ 7 أكتوبر عام 2023، منحت الولايات المتحدة إسرائيل أكثر من 22 مليار دولار من المساعدات العسكرية، وهذا في حد ذاته رقم يصعب فهمه!
بالمقابل، في سبتمبر الماضي، وبعد أن قتل إعصار هيلين أكثر من 230 شخصاً في جنوب شرق الولايات المتحدة وأثر على مئات الآلاف من الأسر، وافقت إدارة بايدن على مساعدة زهيدة بقيمة مليار دولار “للأفراد والعائلات للمساعدة في دفع تكاليف السكن والإصلاحات واستبدال الممتلكات الشخصية وجهود التعافي الأخرى”.
لقد حصل ضحايا إعصار هيلين الأمريكيين على أقل من 5% مما تلقته إسرائيل في العام الماضي وحده، فكيف يستمر الأمريكيون في تمويل الاحتلال والفصل العنصري والإبادة الجماعية المستمرة؟! فكما قال عالم السياسة، جون ميرشايمر، في مقابلة حديثة مع قناة الجزيرة، بأن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل اليوم ليست عقلانية ولا استراتيجية.
من المرجح أن تؤدي رئاسة ترامب إلى جعل الأمور أسوا، ولو كانت أجندة “أمريكاً أولاً” حقيقية حقاً ولا تتأثر بأيديولوجية معيبة، فلابد أن كانت لتتوقف عن دعم إسرائيل وجرائم الحرب التي ترتكبها
علاوة على ذلك، يتم تصنيف الجهود التي يبذلها مناهضو الصهيونية لإضعاف قبضة جماعات مثل إيباك على صناع السياسة الأمريكيين استراتيجياً على أنها معاداة للسامية، تهدف إلى خنق الانتقادات الموجهة إلى الأيديولوجية الصهيونية من خلال الخلط بينها وبين كراهية الشعب اليهودي.
إن الحجج المضادة التي يقدمها صناع السياسات والجماعات المؤيدة لإسرائيل تثير الذهول، فهم يرون أن “إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” أو أن “إسرائيل حليف استراتيجي” أو حتى اننا “نتقاسم القيم اليهودية المسيحية”، وربما أفظع هذه المغالطات هو الادعاء بأن الجيش الإسرائيلي هو “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”!
إسرائيل ليست “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، بل هي دولة فصل عنصري يعاني فيها الفلسطينيون من الفصل والتمييز، أو كما قال الكاتب تا-نيهيسي كوتس، بأن “زيارة الضفة الغربية المحتلة تشبه الدخول إلى جنوب جيم كرو، حيث يتم التعامل مع الفلسطينيين على أنهم دون البشر”.
أما جيش الاحتلال الإسرائيلي، فهو ليس “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”، وما تلك إلا أسطورة يستخدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ورفاقه وقطاعات كبيرة من المجتمع الإسرائيلي بهدف خداع القيادة الغربية التي تسعى إلى إيجاد حليف لدرء “البرابرة”.
وفي الواقع، ليس هناك ما يخفي الصورة الوحشية التي رسمتها البيانات والأدلة، فقد ذُبح أكثر من 43 ألف رجل وامرأة وطفل فلسطيني خلال العام الماضي وحده، كما تم تداول تقارير عن الاعتداء الجنسي والاغتصاب بحق الأسرى الفلسطينيين، بالإضافة إلى عمليات إعدام جماعية لرجال فلسطينيين مقيدي الأيدي ومقابر جماعية وأطفال أطلق القناصة الإسرائيليون النار على رؤوسهم.
ستظل الإبادة الجماعية في غزة وصمة عار على جبين إدارة بايدن-هاريس، وربما تكون فترة ولاية الرئيس المنتخب الجديد أسوأ من ذلك أيضاً!
تشجيع على الإبادة
كان سفير الولايات المتحدة إلى إسرائيل خلال إدارة ترامب الأولى، ديفيد فريدمان، فعالاً في اتفاقات أبراهام، والتي كانت محاولة إسرائيلية فاشلة لتحقيق سلام مصطنع مع حفنة من الأنظمة العربية الشاذة، وما أطلق عليها “صفقة القرن” قد تحولت الآن إلى أضحوكة، ولكن أكثر من عام من الإبادة الجماعية قد تركت تأثيراً عميقاً على المنطقة، وأصبحت المشاعر المعادية لإسرائيل الآن أكثر صرامة.
كيف ستبدو ولاية ترامب الثانية إذن؟ فنحن نعلم أن الحزب الجمهوري سوف يشجع على استمرار الإبادة الجماعية في غزة، بينما يعمل على تسريع سرقة الأراضي في الضفة الغربية المحتلة، وهذا ما تشير إليه ترشيحات ترامب الوزارية، فكلها مؤيدة لإسرائيل وبشدة، الأمر الذي سيؤدي إلى تصاعد الدعم الأعمى لجرائم الحرب الإسرائيلية، مقابل تجريم الجهود المناهضة للاحتلال.
عام 2022، قدم مرشح ترامب لقيادة وكالة حماية البيئة، لي زيلدين، قانون مكافحة مقاطعة إسرائيل وذلك لمكافحة حركة المقاطعة (BDS)، كما عارض مرشح ترامب لمنصب وزير الخارجية، ماركو روبيو، بشدة فكرة وقف إطلاق النار في الهجوم على غزة، وظل طوال حياته المهنية الفارغة يعبر عن دعمه الأعمى لـ “إعادة إمداد” ترسانة إسرائيل.
أما حاكمة داكوتا الجنوبية ومرشحة ترامب لمنصب وزير الأمن الداخلي، كريستي نويم، فترى بأن لإسرائيل كل الحق في الدفاع عن “وطنها الذي وهبه الله لها”، واصفة إدارة بايدن بأنها “ضعيفة في السياسة الخارجية”، وهذا يؤكد أنه من الواضح أن رعاية الإبادة الجماعية في غزة ليست كافية بالنسبة لهم!!
إضافة إلى ذلك، فقد اختار ترامب حاكم أركنساس السابق، مايك هوكابي، سفيراً لدى إسرائيل، وهو صهيوني إنجيلي يؤمن بإسرائيل الكبرى ويحلم ببناء منزل لقضاء العطلات في الضفة الغربية، حيث صرح سابقاً بالقول: “لا يوجد شيء اسمه تسوية، هذه مجتمعات قائمة ولا يوجد شيء اسمه احتلال، فالمحتلون الوحيدون كانوا البابليين والآشوريين والأتراك والبريطانيين والرومان، واليهود هم من تعرضوا للاحتلال”.
ليس هناك عقلانية في هذه العلاقة بين إسرائيل وأمريكا، بل ومن المرجح أن تؤدي رئاسة ترامب إلى جعل الأمور أسوا، ولو كانت أجندة “أمريكاً أولاً” حقيقية حقاً ولا تتأثر بأيديولوجية معيبة، فلابد أن كانت لتتوقف عن دعم إسرائيل وجرائم الحرب التي ترتكبها.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)