عاش قطاع غزة يوم الجمعة على وقع قصف وحشي طال خيام النازحين وعمال البلدية الذين يعملون في آبار المياه والمنازل في جميع أنحاء غزة.
وأسفر قصف الاحتلال في واحد من أكثر الأيام دموية للفلسطينيين منذ أسابيع عن استشهاد أكثر من 75 فلسطينياً.
فقد استهدف القصف المدفعي وإطلاق النار من دبابات الاحتلال النازحين الذين لجأوا إلى منطقة المواصي الساحلية في رفح، والتي أعلنها جيش الاحتلال سابقاً “منطقة إنسانية”.
وذكرت وزارة الصحة الفلسطينية أن 25 فلسطينياً على الأقل استشهدوا في الهجوم وأصيب 50 آخرون.
وقبل ساعات، هاجمت قوات الاحتلال منشأة تابعة للبلدية في غزة بغارة جوية، مما أسفر عن استشهاد سبعة أشخاص على الأقل بينهم خمسة عمال يعملون في آبار المياه.
وأدت غارة أخرى على منزل في مخيم الشاطئ للاجئين المكتظ بالسكان والذي دمرته الحرب إلى استشهاد 10 فلسطينيين وإصابة 17 آخرين، وفقاً للجزيرة.
ووردت أنباء عن غارات دموية أخرى في البلدة القديمة بغزة وحي الزيتون ومخيم النصيرات للاجئين.
وقال الدكتور فضل نعيم، مدير مستشفى الأهلي، الذي كان يعمل بشكل محدود بسبب الهجمات المتكررة من قبل قوات الاحتلال في الأشهر الأخيرة، أن ما لا يقل عن 30 شخصاً استشهدوا في جميع أنحاء غزة.
وأضاف الدكتور نعيم أن المدينة واجها “يوماً صعباً ووحشياً”، حيث تزامنت الضربات مع تكثيف الهجمات البرية لجيش الاحتلال على جميع مناطق رفح تقريباً في جنوب غزة.
وشملت الهجمات التقدم نحو المراكز السكانية في غرب وشمال المدينة.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد صرح في وقت سابق أن هجمات الاحتلال على المراكز السكانية في رفح ستنهي دعم واشنطن لحرب الاحتلال.
وقد أدى تصعيد الغزو البري لرفح إلى قتال عنيف في الأيام الأخيرة، مع سماع دوي الانفجارات وإطلاق النار المتواصل في المنطقة.
وخلفت هذه الهجمات موجة جديدة من نزوح الفلسطينيين بمن فيهم الذين كانوا يحتمون في “المناطق الإنسانية” التي حددتها قوات الاحتلال، مع اقتراب الدبابات كل يوم منها.
وفي الأثناء، قتلت قوات الاحتلال بالرصاص فلسطينيين اثنين داخل سيارتهما في مدينة قلقيلية بالضفة الغربية المحتلة، فيما وصفه السكان بأنه عملية اغتيال متعمد.
وزعمت قوات الاحتلال أن الشهيدين كانا عضوين في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وقاوما الاعتقال وفتحا النار أولاً، في حين قال جيش الاحتلال إنه “ينظر” في الهجمات على المواصي وحادث منفصل في غزة، وفقاً لرويترز.
وحذرت منظمة الصحة العالمية يوم الجمعة من تقاقم الأزمة الإنسانية في غزة، الناجمة عن القصف والحصار من قبل قوات الاحتلال، بسبب الحرارة الشديدة.
وقال ريتشارد بيبركورن من منظمة الصحة العالمية: “لقد شهدنا نزوحاً هائلاً على مدى الأسابيع والأشهر الماضية، ونحن نعلم أن الجمع بين الحرارة والطقس الحار يمكن أن يتسبب في ارتفاع الأمراض”.
وأضاف: “ارتفاع حرارة المياه أدت إلى تلوثها، وسوف نشهد تلفاً أكبر في الغذاء بسبب ارتفاع درجة الحرارة، حيث سينتشر البعوض والذباب والجفاف وضربات الشمس”.
وأضاف بيبركورن أن “التوقفات” اليومية التي أعلن عنها جيش الاحتلال خلال عطلة نهاية الأسبوع لم تخفف من إعاقة عمليات تسليم المساعدات”.
من جهتها، دعت منظمة الصحة العالمية إلى إعادة فتح معبر رفح، الذي استولت عليه قوات الاحتلال في أوائل أيار/مايو ثم دمرته، لتسهيل إيصال المساعدات والإجلاء الطبي لعشرة آلاف جريح يحتاجون إلى العلاج في الخارج.
ومع استمرار تفاقم حصيلة الشهداء من المدنيين والظروف الإنسانية، وخاصة أزمة الجوع المتزايدة في شمال غزة، نفى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو استهداف المدنيين عمداً أو فرض سياسة التجويع.
في مقابلة مع وكالة الأنباء الأمريكية المحافظة Punchbowl News، وصف نتنياهو الاتهامات بأنها “افتراء دموي ضد الشعب اليهودي”.
وقال: “هذه افتراءات موجهة إلى الدولة اليهودية، تماماً كما قالوا إننا نقتل الأطفال المسيحيين لخبز الماتزو في العصور الوسطى أو أننا ننشر الحشرات لتسميم السكان بالكامل”.
واتهمت جماعات حقوق الإنسان وخبراء الأمم المتحدة الاحتلال بممارسة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين منذ الهجوم الذي قادته حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، بما في ذلك استخدام التجويع كسلاح حرب.
وفي الأسبوع الماضي، خلص محققو الأمم المتحدة إلى أن دولة الاحتلال مذنبة بارتكاب جريمة “الإبادة” في غزة، إلى جانب أعمال العنف الجنسي، والتعذيب، واستخدام التجويع كسلاح حرب، من بين جرائم حرب أخرى وجرائم ضد الإنسانية.
وفيما يتعلق بمستقبل الحرب، قال نتنياهو إنه سيكون هناك “نزع سلاح مستدام” في قطاع غزة، وهي المهمة التي لا يمكن لأحد غير دولة الاحتلال القيام بها.
وأضاف أن الإدارة المدنية سوف تتضمن “التعاون برعاية عربية مشتركة ومساعدة من الدول العربية”.
وزعم أن إدارة عملية إعادة إعمار قطاع غزة، الذي دمر أو تضرر أكثر من نصفه بسبب الغارات الجوية للاحتلال، سوف تتم إلى حد كبير من قبل المجتمع الدولي.
وجاءت تصريحات نتنياهو وسط توترات متزايدة بينه وبين الجيش بشأن الحاجة إلى حل سياسي لإنهاء القتال في غزة.
ويبقى الانتظار سيد الموقف إلى أن ترد دولة الاحتلال على أحدث مقترح لوقف إطلاق النار من حماس، والذي تم تقديمه إلى الوسطاء قبل أسبوع.
وقال رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني يوم الجمعة إنه كان هناك بعض “التقدم إلى حد ما” في المفاوضات، لكن الفجوات لا تزال قائمة.
وخلال مشاركته في الحوار الاستراتيجي القطري الإسباني في مدريد قال آل ثاني: “نواصل مساعينا وكانت هناك اجتماعات متتالية مع حركة حماس في محاولة لسد الفجوة بين الجانبين والتوصل إلى اتفاق لتحقيق وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والأسرى”.
وفي الوقت نفسه، تتواصل المخاوف في التصاعد بشأن احتمال اندلاع حرب شاملة بين الاحتلال وحزب الله اللبناني.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للصحفيين: “إن خطوة متهورة مثل خطأ واحد في التقدير يمكن أن تؤدي إلى كارثة تتجاوز الحدود، وبصراحة، تتجاوز الخيال”.
وتابع: “دعونا نكون واضحين: إن شعوب المنطقة وشعوب العالم لا تستطيع أن تسمح بأن يصبح لبنان غزة أخرى”.