مؤسسة هند رجب تطارد مجرمي الحرب الإسرائيليين عالميًا لمحاسبتهم على جرائم غزة

بقلم سندس عصام

ترجمة وتحرير مريم الحمد

استخدم الجنود الإسرائيليون منصات مثل تيك توك وانستغرام لأكثر من 15 شهراً في توثيق ما اقترفته أيديهم في غزة بهدف المفاخرة به، الأمر الذي انقلب عليهم، حيث أصبحت تستخدم هذه المقاطع اليوم كأدلة لرفع دعاوى باتهامات بارتكاب جرائم حرب ضدهم في جميع أنحاء العالم.

تتصدر هذه الجهود القانونية بالدرجة الأولى مؤسسة هند رجب ومقرها بروكسل، فقد أكد رئيس المؤسسة، دياب أبو جهجاه، في حوار له مع ميدل إيست آي بأنه “لا يمكنك أن تذبح الناس وتصور نفسك وأنت تفعل ذلك وتبثه للعالم وتعترف بأفعالك، ثم تمضي ببساطة بحياتك وتجلس بجواري في مقهى في بروكسل”.

“في هذه الإبادة الجماعية، يشكل الأطفال غالبية الضحايا، وذلك يوضح الكثير عن طبيعة الطرف المرتكب للإبادة الجماعية وهو الجيش الإسرائيلي وإسرائيل كدولة” – دياب أبو جهجاه- مؤسسة هند رجب

يؤكد أبو جهجاه أن مهمتهم في المؤسسة واضحة وهي “ملاحقة مجرمي الحرب أينما ذهبوا”، مشيراً إلى أن المؤسسة قد جمعت حتى الآن أكثر من 8000 دليل يتعلق بجرائم حرب ارتكبها جنود إسرائيليون في غزة، حيث قال: “الأدلة موجودة، والتحدي هو تحويلها إلى قضية قانونية”.

لقد شكلت مقاطع الفيديو التي أظهرت الجنود وهم يهدمون المنازل بفخر ويرتدون الملابس الداخلية للنساء الفلسطينيات ويحرقون المكتبات، في صدمة وإهانة كبيرة للعالم أجمع، ومن هنا كانت فكرة المؤسسة بحسب رئيسها، فقد أوضح أبو جهجاه بالقول: “نحن ننظر إلى مسرح الجريمة ونبحث عن الجرائم ونحاول البحث عن روابط بين الجناة والجريمة والضحايا”.

لقد سُميت مؤسسة هند رجب بذلك تكريماً لفتاة فلسطينية تبلغ من العمر 6 سنوات، أصبحت وفاتها المأساوية على يد جنود إسرائيليين في 29 يناير عام 2024 رمزاً لانتهاكات القانون الإنساني الدولي التي ترتكبها القوات الإسرائيلية. 

وقد كشف تحقيق أجري في يونيو الماضي بأن هند و5 من أفراد عائلتها كانوا قد استُهدفوا بـ 335 رصاصة من قبل الجيش الإسرائيلي أثناء محاولتهم النزوح من شمال غزة في سيارتهم، وحتى 3 ساعات، كانت هند هي الناجية الوحيدة المحاصرة مع أقاربها الذين قتلوا، فاتصلت بمسعفي الهلال الأحمر الفلسطيني، لكن القوات الإسرائيلية قتلتها قبل أن يتمكنوا من إنقاذها.

الولاية القضائية العالمية هي الأساس القانوني لتوجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب، حيث يمكن بذلك أيضاً، وبموجب القانون الجنائي الدولي، تحميل الجنود المسؤولية الجنائية عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي حتى لو كانوا ينفذون أوامر رؤسائهم

تم نشر تسجيل مروع للمكالمة الهاتفية الأخيرة لهند بعد الحادثة، وهو يوثق مناشداتها، حيث قالت فيه: “أنا خائفة من الظلام، تعالوا وخذوني”، فكانت قصتها المأساوية دافعاً لإنشاء المؤسسة  من قبل فريق من محامي حقوق الإنسان سعياً لتحقيق العدالة لضحايا مثل هند.

يقول أبو جهجاه: “في هذه الإبادة الجماعية، يشكل الأطفال غالبية الضحايا، وذلك يوضح الكثير عن طبيعة الطرف المرتكب للإبادة الجماعية وهو الجيش الإسرائيلي وإسرائيل كدولة”، في الوقت الذي يؤكد فيه مسؤولو الصحة في غزة بأن ما لا يقل عن 18 ألف طفل قتلوا في الحرب الإسرائيلية على غزة.

دعاوى ذات الطابع الهجومي

تقوم مؤسسة هند رجب برفع قضايا ضد مسؤولين وكبار قادة إسرائيليين بالإضافة إلى الجنود ذوي الرتب الدنيا، ويركز الجزء الأكبر من عمل المؤسسة على الدعاوى القضائية ذات الطابع الهجومي واستراتيجية المساءلة ذات الشقين، والتي تستهدف فئتين من الجنود: الإسرائيليون الذين يحملون جنسيات دولة يمكن رفع دعوى قضائية فيها، والجنود المسافرون الذين ليسوا من مواطني بلدان المقصد.

يقول أبو جهجاه: “نحن لا نرى أنفسنا كمنظمة غير حكومية، بل نرى أنفسنا كوسيلة لتطبيق العدالة”، حيث سعت مؤسسة هند رجب حتى الآن إلى رفع ما يقرب من 100 قضية ضد جنود إسرائيليين في 14 دولة ذات ولاية قضائية عالمية، بينها الأرجنتين والنمسا وبلجيكا والبرازيل وتشيلي وقبرص وألمانيا وإيطاليا وهولندا وصربيا وإسبانيا وسريلانكا والسويد وتايلاند.

يمكن للمحاكم الوطنية محاكمة الجرائم الدولية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، والذي يسمح للدولة بمحاكمة الأفراد على جرائم دولية خطيرة، بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو جنسية الضحية أو الجاني، لكن قواعد الولاية القضائية العالمية تختلف باختلاف البلد. 

تتمتع معظم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بولاية قضائية على واحدة من الجرائم الأربع الأكثر خطورة بموجب القانون الدولي، وهي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية والتعذيب.

أظهر استطلاع أجرته منظمة العفو الدولية عام 2021 أن 164 دولة أي حوالي 85% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة قد جرمت واحدة على الأقل من هذه الجرائم بموجب قانونها الوطني، وبذلك يكون التقاضي أسهل عندما يحمل الجنود جنسية البلد الذي يتواجدون فيه.

أوضح أبو جهجاه أنه يمكن للمحامين إثبات اختصاصهم على الفور، مضيفاً: “نأمل أن نتوصل إلى أحكام وإدانات على مستوى الجنود مزدوجي الجنسية”.

أما الإجراء الآخر، فهو محاكمة الجنود الزائرين الذين ليسوا من مواطني البلدان التي يزورونها، وفي هذه الحالة، فإن الولاية القضائية العالمية هي الأساس القانوني لتوجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب، حيث يمكن بذلك أيضاً، وبموجب القانون الجنائي الدولي، تحميل الجنود المسؤولية الجنائية عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي حتى لو كانوا ينفذون أوامر رؤسائهم. 

اختراقان قضائيان مهمان

في الأشهر الخمسة الأولى من تحركها، حققت مؤسسة هند رجب إنجازين كبيرين، كان الأول في قبرص في نوفمبر عام 2024، حيث فتح المدعي العام تحقيقاً ضد جندي احتياط إسرائيلي بعد قضية رفعتها المؤسسة ضده، ولكن إسرائيل ساعدت الجندي على الفرار من قبرص، بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.

في شكواها، زودت المؤسسة السلطات القبرصية بالأدلة، بما في ذلك مقطع فيديو خاص به يظهر فيه وهو يحرق منزلاً وممتلكات في غزة وهو يقول: “لن نتوقف حتى نحرق غزة بأكملها”. 

بعد بضعة أسابيع، رفعت المؤسسة قضية مماثلة، ولكن هذه المرة في البرازيل ضد جندي إسرائيلي آخر كان يزور البلاد لقضاء عطلة، وقد أكدت مؤسسة هند رجب بأن إسرائيل ساعدت الجندي في هذا الموقف أيضاً على الفرار من البرازيل قبل أن يتم اعتقاله.

وكانت مؤسسة هند رجب، بناء على توكيل رسمي منحته عائلات الضحايا الفلسطينيين، قد اتهمت الجندي بالمشاركة في تدمير أحياء بأكملها في غزة، حيث قدم محامو المؤسسة 500 صفحة من أدلة الفيديو بالإضافة إلى صور فوتوغرافية وبيانات تحديد الموقع الجغرافي توثق مشاركة الجندي الفار من البرازيل في الجرائم. 

رداً على الشكوى الجنائية التي قدمتها مؤسسة هند رجب، أصدرت المحكمة الفيدرالية للمنطقة الفيدرالية، بعد تحقيق المدعي العام، أمراً عاجلاً للشرطة بالتحقيق واتخاذ الإجراءات ضد المشتبه به.

قدم محامو مؤسسة هند رجب شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد أكثر من 1000 جندي في أكتوبر عام 2024، شملت الأدلة التي يأمل أبو جهجاه من أن بقاءها في أرشيف المحكمة بشكل دائم سوف يساعد في القضايا ذات الصلة

يرى أبو جهجاه أن قضية البرازيل تمثل سابقة تاريخية، فقد كان هناك أمر من المحكمة أصدره أحد القضاة، وكان من الممكن أن يتبعه مذكرة اعتقال لو كان المشتبه به على الأراضي البرازيلية، وأن مجرد الاتهام له وزن قانوني كبير في البرازيل، لأن القاضي لا يصدر مثل هذا الأمر إلا إذا كان مقتنعاً بوجود قضية معقولة.

في أعقاب قضية البرازيل، نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية مبادئ توجيهية للجنود المسافرين لتجنب الاعتقال بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وشملت التوجيهات الامتناع عن مشاركة منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر أدلة على أعمال غير قانونية، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي عن قواعد جديدة لطمس الصور وإخفاء هويات الجنود من كافة الرتب في المواد الدعائية.

تغيير قناعات الدول

يؤكد أبو جهجاه أنه ورغم تمتع الدول في جميع أنحاء العالم بولاية قضائية عالمية حول جرائم الحرب، إلا أن الكثير يتردد في السماح للقضايا المرفوعة ضد المقاتلين الإسرائيليين بأن تأخذ مجراها، بحجة أن الجريمة لم ترتكب على أراضيها وأن المشتبه به ليس مواطناً.

ومن هنا يرى أبو جهجاه أن مؤسسة هند رجب لديها دور مهم تلعبه في إقناع تلك الدول بتطبيق الولاية القضائية العالمية حيثما أمكنهم ذلك، حيث يقول: “تميل معظم الدول إلى أن الأمر ليست مشكلتهم، ويقولون (اذهبوا إلى مكان آخر، اذهبوا إلى المحكمة الجنائية الدولية أو اذهبوا إلى إسرائيل نفسها)، ولكن نحن نحاول الدخول في هذا النقاش معهم، ونحاول إقناعهم بأن لديهم السلطة القضائية”.

وأضاف: “أعتقد أنه من المهم الاستمرار في القيام بذلك لأننا بحاجة إلى تغيير عقلية المدعين العامين والقضاة، وفي نهاية المطاف السياسيين في العديد من البلدان حول العالم من حيث كيفية نظرهم إلى القانون الدولي”.

علاوة على استخدام أنظمة المحاكم الوطنية، قدم محامو مؤسسة هند رجب شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد أكثر من 1000 جندي في أكتوبر عام 2024، شملت الأدلة التي يأمل أبو جهجاه من أن بقاءها في أرشيف المحكمة بشكل دائم سوف يساعد في القضايا ذات الصلة.

وتعد المحكمة الجنائية الدولية هي المحكمة الدولية الدائمة الوحيدة في العالم التي تتمتع بالسلطة القضائية لمحاكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجريمة العدوان، وهي محكمة الملاذ الأخير وتعمل وفقاً لمبدأ التكامل، وهو ما يعني أنها لا تتدخل إلا عندما تكون الدول غير راغبة أو غير قادرة على محاكمة المشتبه بهم، كما أنها بالعادة تقتصر على استهداف كبار المسؤولين عن أخطر الجرائم دون الجنود والضباط ذوي الرتب الأدنى.

محاكمة المسؤولين الإسرائيليين

يؤكد أبو جهجاه أن السعي إلى محاكمة كبار المسؤولين والقادة هو جزء من المؤسسة، حيث قامت برفع قضية أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد الملحق العسكري الإسرائيلي في بلجيكا، العقيد موشيه تيترو، الذي عمل في السابق كقائد للوحدة العسكرية الإسرائيلية المتهمة بالتخطيط للمجاعة في غزة خلال الأشهر الأولى من الحرب.

في أعقاب التقارير حول القضية، نفى سفير إسرائيل لدى بلجيكا الاتهامات الموجهة إلى تيترو، فيما صرحت السفيرة الإسرائيلية، عيديت روزنزفايغ أبو، لصحيفة دي مورغن البلجيكية بالقول: “لم يكن هناك اعتراض على تعيينه وحصل على الاعتماد الدبلوماسي الكامل،  فإسرائيل تتصرف وفقاً للقانون الدولي”.

من جهة أخرى، فقد تم رفع قضية أخرى ضد اللواء غسان عليان، رئيس منسق الأنشطة الحكومية الإسرائيلية في الأراضي، والذي يشرف على الأنشطة المدنية في غزة مثل توزيع المساعدات، وذلك أثناء زيارته لروما في يناير الماضي بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب، بسبب دوره في فرض الحصار على غزة والإشراف عليه.

أكدت الدعوى أن عليان قد أشار علناً إلى أن الفلسطينيين في غزة هم “حيوانات بشرية”، مما يدل على نيته في الإبادة الجماعية، أما في حالة تيترو، فإن محاكمته أمام محكمة بلجيكية سوف تمنع عنه ​​حصانته الدبلوماسية، وبطبيعة الحال، فهو لا يتمتع بالحصانة أمام المحكمة الجنائية الدولية، لأن بلجيكا دولة طرف في النظام الأساسي للمحكمة.

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر الماضي مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، الذي كان وزيراً للدفاع آنذاك، بتهم عدة أبرزها جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كوسيلة من وسائل الحرب.

وبناء على ذلك، يتوقع أبو جهجاه أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق تيترو وعليان، لأنهما من نفذا أوامر نتنياهو وغالانت على الأرض، مؤكداً أن هذه الجهود وإن استغرقت سنوات لتؤتي ثمارها إلا أنها تستحق الانتظار، فقال: “إنها معركة مهمة وسنواصل القيام بدورنا”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة