ماذا حدث للصبي الذي رأى جدته تقتل وهو يلوح بالعلم الأبيض في غزة؟

بقلم مها الحسيني ومحمد الحجار

ترجمة وتحرير مريم الحمد

تغير كل شيء بلمح البصر، ففي أوائل نوفمبر عام 2023، عندما فر الفلسطينيون من حي الرمال في مدينة غزة في أعقاب القصف الإسرائيلي المتواصل، أمسكت الأم هالة بحفيدها تيم، الذي كان يرفع علماً أبيض وحاولوا شق طريقهم جنوباً.

أثناء مرورهم عبر طريق الإخلاء الذي ادعى الاحتلال الإسرائيلي أنه آمن، حدث ما لم يكن في الحسبان، فبينما كانت تمسك هالة بيد حفيدها، إذ انطلقت رصاصة فسقطت هالة على الأرض.

 “وسط الفوضى، اختفى ابني تيم مع بعض الأشخاص الذين كانوا يتجهون جنوباً أيضاً وبقي منفصلاً عنا لمدة 7 أشهر” – يوسف عبد العاطي- والد تيم

وفقاً للقطات حصرية عرضها موقع ميدل إيست آي آنذاك، فقد شوهد تيم وهو يركض نحو مجموعة من الأشخاص الذين اضطروا إلى سلوك طريق مختلف للوصول إلى بر الأمان، وبقي والداه في المنزل محاولين تقديم المساعدة الطبية العاجلة لجدته.

كان ذلك بمثابة بداية عام من العذاب لعائلة عبد العاطي، تحولت خلاله حياتهم إلى دوامة، فبعد أن انفصل عن ابنه لمدة 7 أشهر بين جولات نزوح لا تعد ولا تحصى، استذكر يوسف عبد العاطي أحداث ذلك اليوم واصفاً تأثير الانفصال لعام كامل عن ابنه.

يقول يوسف: “في 12 نوفمبر عام 2023، وصلت الدبابات إلى منطقتنا وحاصرتنا، فحاولنا الفرار، وكانت حماتي تمسك بيد ابننا تيم، الذي كان يلوح بعلم أبيض، فأطلق عليهما قناص النار وتوفيت حماتي على الفور”.

وأضاف يوسف: “وسط الفوضى، اختفى ابني تيم مع بعض الأشخاص الذين كانوا يتجهون جنوباً أيضاً وبقي منفصلاً عنا لمدة 7 أشهر، سألنا خلالها الكثير من الناس (لماذا لا تذهبون إلى تيم في الجنوب؟”، لكن همنا الأكبر كان نقطة التفتيش، فقد سمعنا العديد من القصص المخيفة حول ما قد يحدث عند نقطة التفتيش”.

بعد أسابيع قليلة من إصدار الجيش الإسرائيلي أوامره الأولى بالتهجير لسكان مدينة غزة وشمال قطاع غزة في 13 أكتوبر عام 2023، أقيمت نقاط تفتيش على الطرق الشرقية والغربية الرئيسية المؤدية إلى الجنوب، وكان يتم تفتيش السكان و استجوابهم قبل السماح لهم بالإخلاء، أما الذين حاولوا العودة من الجنوب إلى الشمال، فقد قُتلوا بالرصاص على الفور.

على مدى الأشهر السبعة التالية، عانى يوسف وزوجته وطفلهما الآخر غيث ووالد زوجته من الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل على مدينة غزة، دون أن يعرفوا من أين يمكنهم الحصول على وجبتهم التالية، يقول يوسف: “لقد مررنا بأشياء يشيب لها شعرنا بعد أشهر من الحصار والجوع والخوف والقلق”.

اللقاء مع تيم مجدداً

أكد يوسف أن عائلته بذلت عدة محاولات للم الشمل مع تيم، حيث تواصلت مع الصليب الأحمر والهلال الأحمر، لكن لم يتمكن أحد من المساعدة، كما تلقت الأسرة تبرعات من خلال حملة تمويل جماعي نظمها متطوعون لمساعدتهم على السفر من غزة عبر حدود رفح إلى مصر.

تجدر الإشارة هنا أنه قبل أن يستولي الجيش الإسرائيلي على الحدود في مايو الماضي، كانت قد فرضت شركة يملكها رجل أعمال مصري رسوماً على الفلسطينيين الذين يعبرون من رفح في غزة إلى مصر بما لا يقل عن 5000 دولار لكل شخص بالغ و2500 دولار للأطفال دون سن 16 عاما خلال الحرب، ونتيجة لذلك، قام مئات الفلسطينيين، غير القادرين على تحمل الرسوم، بتنظيم حملات تمويل جماعي للفرار من الهجمات العسكرية في القطاع المحاصر.

رغم تأمين المبلغ، ظل يوسف وعائلته مترددين في القيام بالرحلة المحفوفة بالمخاطر جنوباً، حيث يقول: “أرعبتنا القصص التي سمعناها عن نقاط التفتيش، فقد قُتل الكثير من الأشخاص أثناء محاولتهم عبورها ولم نتمكن من اتخاذ قرار”، وفي 3 مايو، استجمعت الأسرة أخيراً شجاعتها للتوجه جنوباً ولم شملها مع تيم.

يقول يوسف: “كانت تلك الرحلة بمثابة حرب في حد ذاتها في كل مرحلة، من قبل المغادرة وأثناء الرحلة وبعدها، فالطريق كان مرهقاً، والطريق الساحلي كان مدمراً بالكامل، كما مررنا عبر نقطة التفتيش بعد أن سألنا الجنود عدة أسئلة، لقد شعرنا بالرعب”.

“كل ليلة، يخبرنا أنه يرى الرصاصة التي قتلت جدته، فقد مرت فوق رأسه وما زال يتخيلها، فأنا أعتقد أنه يعاني من مشاكل نفسية، وهذا ليس مستغرباً فنحن البالغون ما زلنا نفكر في ما حدث في غزة كما لو كان يحدث أمامنا اليوم” – يوسف عبد العاطي- والد تيم

وعلى الجانب الجنوبي من شارع الرشيد غرب غزة، استقبل الناس والصحفيون عائلة عبد العاطي، حين علموا بالصدفة بقصة تيم وعرضوا توثيق لحظة لم شملهم، حيث يصف يوسف هذه اللحظة بقوله: “لا توجد كلمات تصف اللقاء مع تيم، الحمد لله الذي جمعنا به”.

“لم يعد تيم كما كان”

بقيت العائلة في جنوب غزة لمدة 3 أيام قبل مغادرتها في 6 مايو، أي قبل يوم واحد فقط من إغلاق المعبر الحدودي بشكل كامل، يقول يوسف: “كان صباح يوم 6 مايو مليئاً بالتوتر، حيث كانت هناك عمليات إخلاء كثيرة، وكان الجيش الإسرائيلي قد أسقط العديد من المنشورات التي تأمر بإخلاء رفح، ثم اتضح لنا أن المعبر سيتم إغلاقه”.

أضاف يوسف: “بينما كنا على الجانب المصري من المعبر، كنا لا نزال نسمع أصوات القصف في رفح والجنوب، وشاهدنا منشورات تتساقط على رفح”، فقد استولى الجيش الإسرائيلي على المعبر وأغلقه في 7 مايو الماضي بعد ساعات قليلة فقط من تمكن عبد العاطي وعائلته من العبور إلى القاهرة!

رغم الفرار من الحرب، إلا أن معاناة العائلة لم تنتهِ، فهم يكافحون من أجل الحصول على تصاريح إقامة قانونية وتسجيل أطفالهم في المدارس في مصر.

يقول يوسف: “تيم وشقيقه غيث معرضان لخطر خسارة عام دراسي آخر، فبعد أن بدأت والدته بتعليمه في المنزل، قررنا تسجيله في روضة الأطفال حتى يتمكن على الأقل من تعلم الأساسيات والتواصل الاجتماعي وتكوين صداقات، بدلاً من البقاء في المنزل”، إلا أن الندوب النفسية لدى الطفل عميقة، حيث وصفه والده بأنه “غير مستقر عاطفياً”، ويسأل باستمرار عن الموت والدمار.

يقول يوسف: “لم يعد تيم كما كان، فعندما رأيناه كان شخصاً مختلفاً بعقلية مختلفة، فردود أفعاله مقلقة للغاية، وكل ليلة يقول أنه يتخيل الأشياء مثل قوله أن رصاصة مرت فوق رأسه”.

يقول يوسف: “عندما أريه صورة شخص ما، يسأل: هل هذا الشخص حي؟ هل هذا الشخص ميت؟ هل هذا المنزل لا يزال قائماً؟”، فكل أسئلته الآن تدور حول ما إذا كان الناس أحياء أم أموات، وكثيراً ما يسأل “هل جدتي في الجنة؟ متى سنراها مرة أخرى؟”.

يؤكد يوسف أنه في “كل ليلة، يخبرنا أنه يرى الرصاصة التي قتلت جدته، فقد مرت فوق رأسه وما زال يتخيلها، فأنا أعتقد أنه يعاني من مشاكل نفسية، وهذا ليس مستغرباً فنحن البالغون ما زلنا نفكر في ما حدث في غزة كما لو كان يحدث أمامنا اليوم”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة