ماذا حقق الحوثيون خلال 18 شهراً من الهجمات على البحر الأحمر؟

يعتقد عبد الكريم، وهو داعية إسلامي في صنعاء، بأن اليمن كان على الجانب الصحيح من التاريخ خلال العام ونصف العام الماضيين، مشيداً بقرار الحوثيين، الذين يحكمون مساحات واسعة من شمال غرب اليمن، بردهم عسكرياً على الحرب الإسرائيلية على غزة. 

يقول عبد الكريم في حديثه لموقع ميدل إيست آي: “لم نوقف العدوان الإسرائيلي لكننا شكلنا تهديداً كبيراً، فالصمت على مثل هذه الهمجية الإسرائيلية أمر مخزٍ”.

في نوفمبر عام 2023، أي بعد شهر من بدء إسرائيل قصف غزة، بدأ الحوثيون حملة بطائرات بدون طيار وصواريخ استهدفت ما زعموا أنها سفن مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، وقد أدى هذا الإجراء التضامني مع الفلسطينيين إلى أكبر تعطيل للتجارة العالمية منذ جائحة كوفيد-19. 

على مدار 18 شهراً، نفذ الحوثيون هجمات على أكثر من 250 سفينة عسكرية وتجارية، مما أدى إلى تجنب العديد من السفن المسافرة من أوروبا إلى آسيا طريق قناة السويس التقليدي المؤدي إلى البحر الأحمر وخليج عدن خوفاً من القصف.

بدلاً من ذلك، اختارت تلك السفن الطريق الأطول والأكثر تكلفة حول رأس الرجاء الصالح في الطرف الجنوبي لإفريقيا، ونتيجة لذلك، انخفضت حركة النقل البحري في خليج عدن بنسبة 70% خلال عامين. 

“هجمات البحر الأحمر عززت من حضور الحوثيين كلاعب إقليمي رئيسي” محمد السامعي- باحث وصحفي يمني

من جانب، فقد أعطى الاضطراب التجاري الهائل للحوثيين نفوذاً على الساحة الدولية، وعلى الجانب الآخر، فقد تم استخدام هذا الأمر كذريعة من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة لشن هجمات لا هوادة فيها على اليمن. 

يبدو أن الحملة البحرية قد انتهت، في الوقت الحالي على الأقل، فمقابل وقف الولايات المتحدة لضرباتها الجوية على اليمن، وافق الحوثيون على وقف مهاجمة السفن، باستثناء الهجمات على السفن والمناطق الإسرائيلية. 

لقد اكتسب الحوثيون شعبية محلية وسمعة دولية مهمة من خلال فتح جبهة بحرية في الحرب، إلا أن ذلك جاء بتكلفة باهظة!

مكاسب عسكرية

لقد كان العمل العسكري التضامني مع الفلسطينيين، سواء في المياه الدولية أو عبر الهجمات الصاروخية بعيدة المدى على إسرائيل، أداة دعاية محلية رئيسية للحوثيين، فقد أدت هذه الشعبية إلى حملة تجنيد عسكرية فعالة.

في حديثها لميدل إيست آي، أوضحت الباحثة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، إليونورا أرديماني، بأن “الحوثيين استغلوا الهجمات ضد السفن وعلى إسرائيل لزيادة التجنيد في المناطق التي يسيطرون عليها، مستغلين رواية القتال ضد إسرائيل والولايات المتحدة”، حيث ارتفع عدد المقاتلين الحوثيين من 220 ألفاً في 2022 إلى 350 ألفاً في 2024، بحسب خبراء الأمم المتحدة. 

وقد وجدت أرديماني، الخبيرة في شؤون الجماعات المسلحة اليمنية، في تقرير حديث أنه ومنذ 7 أكتوبر عام 2023، كان هناك ارتفاع طفيف في عدد الأطفال الذين يستهدفهم الحوثيون للتجنيد، وذلك من خلال المناهج المدرسية المنقحة والمخيمات الصيفية، التي أدى بعضها إلى تطبيع النزعة العسكرية والعنف.

لقد أتاحت الحملة أيضاً للحوثيين فرصاً لنشر أسلحة جديدة وتعزيز استعدادهم العملياتي، حيث اختبر الحوثيون استخدامهم للصواريخ الباليستية وصواريخ كروز خلال العام ونصف العام الماضيين، بالإضافة إلى الطائرات والقوارب غير المأهولة. 

في مقابلة له مع ميدل إيست آي، أوضح علي، وهو قائد عسكري ميداني للحوثيين في منطقة الجوف الشمالية، بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تلقى درساً كبيراً منذ شن هجوماً على اليمن في مارس الماضي، قائلاً: “عندما بدأ ترامب الحملة الجوية، قال بأنه سوف يبيدنا، والآن أمر الجيش بوقف الضربات الجوية، فالقتال ضد اليمن ليس مغامرة سهلة”.

وقد أكد علي على أنه ومنذ منتصف مارس الماضي، فقد أسقط الحوثيون 7 طائرات أمريكية بدون طيار من طراز MQ-9 Reaper وطائرتين مقاتلتين، وقال: “لم تكن واشنطن تتصور مثل هذه الخسارة”.

توسع شبكات عالمية

لقد أبدى الحوثيون مقاومة جدية ضد أنظمة الصواريخ الأمريكية الأكثر تكلفة وبفارق كبير بالطبع، وذلك باستخدام مزيج من الأسلحة الإيرانية والطائرات بدون طيار والصواريخ المنتجة محلياً، مما أكسب الحوثيين الاعتراف والنفوذ في ما يسمى “محور المقاومة” الإيراني وخارجه.

في حديث له مع ميدل إيست آي، أشار الباحث والصحفي اليمني، محمد السامعي، إلى أن “هجمات البحر الأحمر عززت من حضور الحوثيين كلاعب إقليمي رئيسي”، كما ساعدت الحملة البحرية الحوثيين على بناء روابط عسكرية ومالية ملموسة مع الشركاء المجاورين.

تقول أرديماني: “بسبب هجمات البحر الأحمر، قاموا أيضاً بتوسيع شبكة شركائهم في العراق وفي القرن الإفريقي، وبالتالي تشكيل علاقات مدفوعة بالأسلحة مع جهات فاعلة قريبة جغرافياً على التوالي، من البحر الأبيض المتوسط ​​وبحر العرب”. 

قدرت السلطات الحوثية أن الغارة الإسرائيلية على مطار صنعاء مؤخراً قد كلفت ما يصل إلى 500 مليون دولار من الأضرار، كما أدى تغيير مسار الشحن بعيداً عن البحر الأحمر إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في اليمن

لم يقتصر التعاون على الجهات المتحالفة مع إيران، بل شمل أيضاً الجماعات المسلحة السنية مثل حركة الشباب في الصومال وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

وأشارت أرديماني إلى أن “روسيا كثفت أيضاً اتصالاتها السياسية والعسكرية مع الحوثيين بعد أواخر عام 2023″، وشمل هذا تبادل وفود بين الجانبين ووجود المخابرات الروسية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، فضلاً عن تبادل بيانات الأقمار الصناعية الروسية فيما يتعلق بالشحن.

“هجمات غير ملموسة”

بطبيعة الحال، لم يؤيد جميع اليمنيين قرار الحوثيين بوضع البلاد على أهبة الاستعداد لحرب عالمية، فأفقر دولة في الشرق الأوسط غارقة بالفعل لأكثر من عقد في حرب أهلية، فمنذ أن طرد الحوثيون الحكومة المعترف بها دولياً من صنعاء في عام 2014، ظلت البلاد منقسمة بين الفصائل المتنافسة المدعومة من جهات أجنبية مختلفة. 

ورغم الاتفاق على وقف مؤقت لإطلاق النار قبل عام، إلا أن محادثات السلام الأوسع ظلت متوقفة ومهددة بالانهيار وسط التصعيد في البحر الأحمر.

في مقابلة له مع ميدل إيست آي، أوضح المحاضر الجامعي في صنعاء، صالح طاهر، بأن “هجمات الحوثيين على البحر الأحمر وإسرائيل جلبت شراً جديداً إلى بلادنا مرة أخرى، ولذلك فإن التعافي من العواقب سيستغرق عقوداً من الزمن”.

ويرى طاهر بأن حملة الحوثيين فشلت في تغيير الأحداث في غزة بشكل ملموس، فقال: “إن حجم الوحشية الإسرائيلية المرتكبة ضد الفلسطينيين لم يتغير، وغزة لم تستفد من تدخل الحوثيين”.

لاشك بأن تكاليف التصعيد العسكري الأمريكي الأخير داخل اليمن كانت مدمرة، حيث تسببت الضربات الإسرائيلية والأمريكية في مقتل وجرح مئات المدنيين وأضرار في البنية التحتية، وقد قدرت السلطات الحوثية أن الغارة الإسرائيلية على مطار صنعاء مؤخراً قد كلفت ما يصل إلى 500 مليون دولار من الأضرار، كما أدى تغيير مسار الشحن بعيداً عن البحر الأحمر إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في اليمن، البلد الذي يعتمد أكثر من نصف سكانه على المساعدات الإنسانية. 

انقسم اليمنيون في آرائهم حول حملة البحر الأحمر، بين من اعتبرها عمل مقاومة ومن انتقد تكاليفها، فقد وجد استطلاع أجراه مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية عام 2024 أن 76% من المشاركين يعتقدون أن هجمات الحوثيين سوف تضر بآفاق السلام في الحرب الأهلية الأوسع.

على صعيد آخر، ورغم تحسن سمعة الحوثيين بين بعض الجهات  الإقليمية الفاعلة، إلا أنها لا تزال محفوفة بالمخاطر في أماكن أخرى، فقد أعادت الولايات المتحدة تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، مما زاد من عزلتها دبلوماسياً واقتصادياً، ورغم ذلك لا يزال عبد الكريم متحدياً، ولسان حاله يمثل العديد من اليمنيين حين قال: “كنا نعلم أننا سندفع الثمن، فنحن ندرك أن مكافحة العدوان مهمة شاقة”.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة