ماذا سيختار الغرب: الإبادة الجماعية أم السلام؟!

بقلم لبنى مصاروة

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

بعد عشرين يوماً من القصف الإسرائيلي لغزة، قُتِل الآلاف من البشر، ومع ارتفاع حصيلة القتلى كل ساعة فإن الغرب مازال صامتاً.

وعلى مدار مسيرتي المهنية، قمت بتغطية أخبار المجازر الإسرائيلية المتكررة في غزة، والاحتلال العنيف للضفة الغربية، وإعمال القوانين العنصرية التي تستهدف المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل.

غير أني لم أشهد حربًا مثل هذه من قبل، فعلى الرغم من الخوف والصدمة التي خلفها هجوم حماس في 7 تشرين الأول / أكتوبر إلا أن إسرائيل تجاوزت العديد من الخطوط الحمراء في ردها غير المتناسب مع حجم الهجوم.

لقد دخلت البلاد في حالة ذهنية من الإبادة الجماعية، وسيكون من الصعب العودة للوراء.

وفي مقابلة حديثة مع قناة الجزيرة، قال عضو الكنيست السابق موشيه فيجلين إن الحل الوحيد هو “التدمير الكامل لغزة كما حدث في دريسدن وهيروشيما، لكن من دون سلاح نووي”.

وزير الدفاع يوآف غالانت كان قد شبه الفلسطينيين بـ “الحيوانات البشرية”، وفرض عقابًا جماعيًا على ملايين المدنيين، وتعهد “بمحو هذا الشيء المسمى حماس، داعش-غزة، من على وجه الأرض”، لقد وجه هذه التهديدات لسكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة والذين كانوا تحت حصار خانق لمدة 16 عامًا، رغم تحذير كانت الأمم المتحدة قد أطلقته من أن القطاع سيصبح بالفعل غير صالح للسكن بحلول عام 2020.

وأدلى الباحث إلياهو يوسيان، الملقب بـ “النجم الجديد لهذه الحرب”، بتعليقات أكثر وحشية، حين أكد:” عليك أن تدخل غزة بقمة الوحشية لتحقيق الانتقام من دون أخلاق لتصل إلى الحد الأعلى من الجثث”، إنها دعوة للقضاء على غزة، وعدم ترك أحد فيها على قيد الحياة.

مجازر مستمرة

لم يرفض الغرب أياً من هذه التهديدات، بل على العكس، يؤكد قادته أن لإسرائيل “الحق في الدفاع عن نفسها”، مع ضمان استمرار تدفق الأسلحة لها، أما الأطفال الفلسطينيون فيرون سيلاً ليس له نهاية من الدماء والجثث، تحت غطاء من الصمت الغربي، ماذا سيترتب على هذا؟

في الولايات المتحدة، وعد الرئيس جو بايدن قائلاً:” سنواصل تزويد إسرائيل بالقبة الحديدية حتى تتمكن من مواصلة حماية السماء الإسرائيلية، وإنقاذ حياة الإسرائيليين”، لكن عندما يتعلق الأمر بحياة الفلسطينيين، فقد شكك فقط في صحة حصيلة القتلى التي أعلنتها وزارة الصحة الفلسطينية، مما دفع الوزارة إلى نشر قائمة بأسماء ومعلومات كل ضحية.

وفي المملكة المتحدة، أعرب رئيس الوزراء ريشي سوناك عن دعم بلاده “القاطع” لإسرائيل وأمر ممثل البلاد بالامتناع عن التصويت على قرار للأمم المتحدة يدعو إلى “هدنة إنسانية” في غزة، وأيد زعيم حزب العمال كير ستارمر الانتقام الإسرائيلي الشرس وطلب من النواب الابتعاد عن المسيرات المؤيدة لفلسطين.

وفي فرنسا، ذهب الرئيس إيمانويل ماكرون إلى حد اقتراح توسيع التحالف الدولي الذي تم تشكيله لمحاربة تنظيم الدولة (داعش) ليستهدف حماس أيضا.

إن رسالة العالم هي: إذا كنت فلسطينياً وتعرضت للقتل، فلا يهم، لأنه لا قيمة لك.

هذه مجرد أمثلة قليلة من بين العديد من الأمثلة الأخرى، لقد كان بوسع الغرب أن يلعب دوراً مختلفاً في هذه الأزمة، لكنه اختار عوضاً عن ذلك التواطؤ مع المذابح الإسرائيلية في غزة.

بصفتي مديرة مكتب ميدل إيست آي في فلسطين/إسرائيل، فأنا مسؤولة عن المراسلين في غزة، لقد فقدنا الاتصال بهم عدة مرات خلال هذه الحرب.

وعندما يعودون إلى الظهور بعد عدة أيام، فإن السؤال الأول الذي يطرحونه حتماً هو ما إذا كان العالم يفعل أي شيء للمساعدة.

إنهم يبحثون عن بيان، عن أي بصيص من الأمل، لا أستطيع تقديم ذلك أبداً.

المعايير المزدوجة

لطالما آمنت بالغرب باعتباره جزءًا من العالم الذي يقدر حقوق الإنسان، على عكس دول مثل الصين وروسيا، وكنت مخطئة، لقد أظهرت هذه الحرب الوجه الحقيقي للغرب: العنصرية الخالصة.

في المنظور الغربي، يعتبر التضامن انتقائياً، إذا كنت أبيض اللون وتعرضت للقتل، فهذا غير مقبول، إن تدفق الحزن والغضب على الضحايا الأوكرانيين جراء الهجوم الروسي مقارنة بالصمت المخزي الذي يلف الموجات المتعاقبة من الضحايا الفلسطينيين يسلط الضوء على هذه المعايير المزدوجة المؤلمة.

لقد قُتل أكثر من 9000 مدني في أوكرانيا منذ اندلاع حرب شباط / فبراير 2022، بينما قُتل أكثر من 8000 في غزة غالبيتهم العظمى من المدنيين في ثلاثة أسابيع فقط.

الرسالة من العالم هي: إذا كنت فلسطينياً وتعرضت للقتل، فلا يهم، لأنه لا قيمة لك، قيمتك تتحدد بناء على ما إذا كان اسمك فاطمة أو ميشيل

فكيف يستطيع الغرب أن يعرب عن صدمته إزاء الإرهاب في جنوب إسرائيل، وهو يشجع في ذات الوقت إسرائيل على الاستمرار في قتل الفلسطينيين في غزة؟ لا يمكن تبرير القتل كرد على القتل.

الأجيال القادمة لن تعتمد على الغرب لتحقيق العدالة، لقد أدارت الدول الغربية ظهرها لمعسكر الاعتقال في غزة لأكثر من 16 عامًا، ومن دون حل سياسي عادل فإن هذا الصراع لن يختفي.

إن قتل آلاف الأطفال الصغار لن يحقق السلام لإسرائيل، والخيار اليوم واضح، إما إبادة جماعية وتطهير عرقي ونكبة أخرى، أو عملية سياسية حقيقية تأخذ في الاعتبار المطالب والتطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة