ما الذي قد يحدث عندما تتوقف الولايات المتحدة عن النظر إلى روسيا باعتبارها عدوا، بل وإذا نظرت إليها بدلا من ذلك باعتبارها شريكا محتملا، أو على الأقل، طرفا محايدا؟ بلا شك أن الدبلوماسيين والمحللين الأميركيين مازالوا يبذلون الجهد لاستيعاب هذا التحول التاريخي المحتمل.
فعندما سُئل أحد الدبلوماسيين الأميركيين المحترفين في المنطقة عن تقرير يفيد بأن دولة الاحتلال كانت تضغط على إدارة ترمب للسماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية في سوريا، أجاب: “حسنا، هذا سيكون ضد مصالحنا الوطنية؟”، وعندما سُئل عما قد يحدث إذا لم ينظر الرئيس الأميركي إلى الأمر بهذه الطريقة، التزم الصمت.
وكان ترمب قد أعلن أنه يريد الشراكة مع روسيا من أجل “فرص لا تصدق”، وأكد يوم الجمعة أنه وجد التعامل مع روسيا أسهل من التعامل مع أوكرانيا، وهي الدولة التي كانت الولايات المتحدة تزودها بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية حتى وقت قريب.
وعندما سُئل عن الهجمات الروسية واسعة النطاق على شبكة الطاقة في أوكرانيا، قال ترمب إن بوتن “يفعل ما قد يفعله أي شخص آخر”.
ترامب ونيكسون والقياس على الصين
ظلت الولايات المتحدة تنظر لروسيا باعتبارها عدوًا يعمل ضد مصالحها في الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وذلك عندما كان فرانكلين ديلانو روزفلت يتودد إلى المملكة العربية السعودية للحصول على نفط الخليج.
وفي العقود التالية، عملت الولايات المتحدة على مواجهة الاتحاد السوفييتي في جميع أنحاء المنطقة.
وأدى دعم الولايات المتحدة لدولة الاحتلال في حرب عام 1973 إلى معاهدة سلام في نهاية المطاف بين تل أبيب والقاهرة، وفي هذا الإطار، قام الرئيس المصري أنور السادات بطرد المستشارين العسكريين السوفييت الذين استدعاهم جمال عبد الناصر.
وحتى ديسمبر/كانون الأول 2024، ظلت الولايات المتحدة تنظر إلى سلالة الأسد المخلوعة عن حكم سوريا باعتبارها وسيلة لإبراز القوة الروسية الشريرة.
ويحاول بعض المحللين تفسير محاولات ترمب للتواصل مع بوتن بالقول إنه يحاول تفكيك التنسيق الذي تمارسه كتلة من الدول، وخاصة روسيا وإيران والصين، ضد الولايات المتحدة.
كما يعتقدون أن مبادرات ترمب تعكس الدبلوماسية الاستراتيجية التي انتهجها ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر في الانفتاح على الصين في السبعينيات.
“هذه مقارنة زائفة، فالقياس الأفضل لانفتاح ترمب على بوتن يتمثل في زيارة السادات للقدس” – تشارلز فريمان، السفير الأمريكي السابق لدى المملكة العربية السعودية.
وبكل الأحوال فإن محاولة ترمب للعمل مع بوتن قد تعكس أولوياته في الشرق الأوسط ونظرته الجيوسياسية للعالم، حيث قرع بعض المقربين من ترمب ناقوس الخطر بشأن نفوذ تركيا المتزايد.
نظرة ستيف بانون ومايك فلين للعالم
أما ستيف بانون، المستشار السابق لترمب والذي أصبحت مدونته الصوتية War Room مقصداً للمتابعة من قبل من يسعون إلى فهم نظرة ترمب للعالم، فقال مؤخرًا إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان “أحد أخطر القادة” في الدول كافة وهو يريد “إعادة تأسيس الإمبراطورية العثمانية”.
يذكر أن ترمب نفسه كان قد وصف انهيار حكومة الأسد في سوريا بأنه مجرد “استيلاء غير ودي” من قبل تركيا.
وبحسب رويترز، فإن ترمب يتطلع إلى سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، وقد أخبرت دولة الاحتلال إدارته أن إحدى الطرق لتقليص نفوذ تركيا في سوريا ستكون عبر روسيا.
“ترمب يريد الخروج من سوريا، وأنا أستطيع تخيل أن روسيا وإسرائيل تتعاونان للحد من النفوذ التركي هناك فيما يقول ترمب فقط أنا لا أهتم، أنتم يا رفاق تتعاملون مع تركيا ” – روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا
وصحيح أن ترمب قد عهد بمناصب إدارته إلى الجمهوريين التقليديين الذين كانوا معادين لروسيا، مثل وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والتز، لكن الدبلوماسيين الأمريكيين المحترفين ومسؤولي الدفاع يقولون إن نفوذ هؤلاء محدود.
فعلى سبيل المثال، جلس روبيو صامتا حين كان نائب الرئيس جيه دي فانس يتحدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض الشهر الماضي، أما ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب غير الرسمي إلى الشرق الأوسط، فهو الشخص الذي تم اختياره للقاء بوتن متحدثا لمدة ثلاث ساعات تقريبا في روسيا.
لقد استغل المسؤولون الذين يتطلعون إلى دخول البيت الأبيض مايك فلين، مستشار الأمن القومي السابق لترمب الذي أطيح به خلال إدارته الأولى بسبب محادثاته مع الروس، وقال ترمب إنه عرض على فلين “حوالي عشر وظائف” في إدارته الجديدة.
هل تستطيع روسيا التوسط في صفقة بين الولايات المتحدة وإيران؟
لم يحي ترامب العلاقات مع روسيا بشأن الشرق الأوسط، فهو يريد وقف إطلاق النار في أوكرانيا، ولكن هناك مساحات أخرى تحاول روسيا إغراء البيت الأبيض فيها.
فقد قال الكرملين يوم الأربعاء إن المباحثات المستقبلية بين روسيا والولايات المتحدة ستشمل البرنامج النووي الإيراني، ويبدو أن المتحدث باسم البيت الأبيض دميتري بيسكوا أقر بتقرير يفيد بأن روسيا عرضت التوسط بين الجمهورية الإسلامية وإدارة ترامب.
ويقول ترمب إنه يريد اتفاقًا دبلوماسيًا مع إيران بشأن برنامجها النووي، حيث ذكر يوم الجمعة إنه أرسل رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، يطلب فيها إجراء محادثات.
وكانت إدارة أوباما، التي حاولت إعادة ضبط علاقاتها مع روسيا، قد ضغطت على الكرملين خلال المحادثات النووية لعام 2015.
“أوباما قدم لروسيا الكثير من التنازلات مقابل وساطتها في الاتفاق النووي لعام 2015، في الممارسة العملية، عملت روسيا كمحامية لإيران، مما أدى إلى تهدئة المخاوف الأمريكية بشأن انتشار الأسلحة النووية الإيرانية” – آنا بورشفسكايا، الخبيرة في الشؤون الروسية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
وفي الواقع، لعبت روسيا دورا رئيسيا بالنسبة للولايات المتحدة بعد توقيع الاتفاق، حيث قامت إيران بشحن اليورانيوم الزائد إلى روسيا لضمان عدم استخدامه في صناعة القنبلة.
وفي المقابل، جنت روسيا، التي تتقاسم بحر قزوين مع إيران، فوائد اقتصادية حيث أبرمت صفقة لبناء محطة للطاقة النووية.
ومع ذلك، فقد حذر فورد من أن إفادة روسيا للولايات المتحدة في المحادثات النووية قد تكون محدودة، حيث تجاوزت إدارة أوباما روسيا وشركاءها الأوروبيين للتفاوض مباشرة مع إيران خلال المحادثات.
وفي إشارة إلى وزير الخارجية السابق جون كيري ووزير الخارجية الإيراني محمد ظريف، اللذين تفاوضا على الاتفاق في عام 2015، قال فورد: “كان كيري يلتقي ظريف مباشرة ثم يطلع الأوروبيين على التفاصيل، لا أستطيع أن أتخيل أن الولايات المتحدة أو الإيرانيين سيعتمدون على الروس، هذه مسألة حياة أو موت بالنسبة لطهران”.
أما تشارلز فريمان الذي امتدت مسيرته المهنية لثلاثة عقود تقريباً فقال إنه متشكك في إمكانية تحقيق تقارب روسي أمريكي كبير.
وأضاف: “الأمور تعيد ترتيب نفسها بطرق لا يمكن التنبؤ بها، إنها مثل منظار متعدد الألوان، تصطدم بجانبين معًا، ولا أحد يعرف النمط الجديد الذي سيتشكل”، لكنه رجح حلول “الصمت الأمريكي” مكان “التعاون النشط” في الشرق الأوسط.
ملاحقة أموال الخليج
وإذا انتهت الحرب في أوكرانيا ورفع ترمب العقوبات عن روسيا، فقد يؤثر ذلك على بعض النشاط الاقتصادي لدول الخليج.
فقد كانت الإمارات العربية المتحدة وروسيا تعملان على تعميق العلاقات بينهما قبل أن تفرض إدارة بايدن عقوبات على روسيا، لكن الإمارات أصبحت بعد ذلك مركزًا لإعادة تصدير السلع الخاضعة للعقوبات.
وإذا أنهى ترمب العقوبات، فإنه يمكن لروسيا أن تتوقف عن دفع الأموال للوسطاء الإماراتيين وتشتري مباشرة من الولايات المتحدة.
وقالت بورشيفسكايا إن روسيا قد تتطلع أيضًا إلى تعويض الزبائن المفقودين في مبيعات الأسلحة إلى دول الخليج إذا رفع ترمب العقوبات.
فحتى أثناء الحرب، تحدث الخليج العربي مع روسيا بشأن مبيعات الأسلحة، عرض مصنعو الأسلحة الروس سلعهم إلى جانب الولايات المتحدة في معارض الأسلحة في الإمارات العربية المتحدة في السنوات الأخيرة.
وقال المسؤولون الأمريكيون الذين تحدثوا لـــ ميدل إيست آي إنهم يعتقدون أن ميزة الولايات المتحدة على روسيا في الخليج الغني بالنفط تجعلها منافسة صعبة، حيث أن دولاً مثل قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأنظمة الدفاع الجوي الأميركية، مثل الباتريوت وثاد.
وفي الوقت نفسه، تعمل الإمارات العربية المتحدة على تعميق تعاونها مع الولايات المتحدة في قطاعات التكنولوجيا الفائقة مثل الذكاء الاصطناعي، حيث تكافح روسيا للتنافس.
وبينما يثير ترامب حفيظة أوروبا، فإنه يتودد إلى منطقة الخليج، فيوم الجمعة أعلن أن المملكة العربية السعودية ستكون أول رحلة له إلى الخارج كرئيس بعد أن وافقت الرياض على استثمار تريليون دولار في الشركات الأميركية على مدى أربع سنوات.
وقال ترمب عن السعوديين: “لقد وافقوا على القيام بذلك، لذا سأذهب إلى هناك، ربما خلال الشهر والنصف المقبلين”.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)