ماذا يعني أن تكون صحفيًا في غزة الآن

بقلم أحمد السماك وندى عثمان

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

اندلعت الحرب في غزة في 7 تشرين الأول / أكتوبر عقب الهجوم الذي قادته حماس على إسرائيل والذي أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخصاً، ومنذ ذلك الحين، شنت إسرائيل حرباً شرسة على غزة، أسفرت حتى الآن عن استشهاد ما يقرب من 28 ألف فلسطيني.

ومن بين الشهداء ما لا يقل عن 122 صحفيًا وإعلاميًا فلسطينيًا، بالإضافة إلى عدد أكبر من الجرحى، كما استشهد ثلاثة صحفيين لبنانيين على الأقل جراء القصف الإسرائيلي بالقرب من الحدود الإسرائيلية اللبنانية.

تركت الحرب تأثيراً كارثياً على غزة، وخاصة بالنسبة للمراسلين الذين كانوا يعملون على مدار الساعة في ظروف مزرية في ظل القصف وتلقي الخسائر.

وفي 27 كانون الثاني / يناير، وبسبب الإرهاق وسوء التغذية، انهار الصحفي التلفزيوني الفلسطيني عمرو الداهودي على الهواء مباشرة أثناء قيامه بتغطية أخبار غزة لقناة الجزيرة.

وبعد ذلك بأيام، وتحديداً في 30 كانون الثاني/ يناير قالت المراسلة الفلسطينية هند خضري إن صحفيين آخرين يشعرون كذلك بتأثير العمل في ظروف قاسية، وأن الصحفي علي جاد الله نُقل إلى غرفة الطوارئ بسبب الإرهاق الشديد.

أما أحمد أبو عزيز، وهو صحفي من غزة يعمل في قناة القدس نيوز وواحد من العديد من المراسلين الذين لم يتوقفوا عن العمل منذ بداية الحرب رغم الخطر الذي يهدد حياته والإرهاق وسوء التغذية الذي يعاني منه، فقد شرح لأحمد السماك وندى عثمان طبيعة حياة الصحفيين في غزة

اندلاع الحرب

يقول أبو عزيز: ” فوجئنا جميعًا باندلاع الحرب، فقبل أيام قليلة فقط كنت قد انتهيت من إنهاء إعداد حلقة حول معالم وتراث غزة، حيث جرى تصوير الحلقة الأولى في 5 تشرين الأول / أكتوبر”.

ويضيف: ” عندما وقع الهجوم في السابع من أكتوبر تغيرت كل خططي، وكان علي أن أتواجد في الميدان لنقل الأخبار، وقد أصبح هذا الأمر صعباً بشكل خاص مع انقطاع الاتصالات لبضعة أيام عقب العدوان الإسرائيلي على غزة”.

ويواصل الصحفي الفلسطيني حديثه قائلاً: ” لقد أصبح كل شيء تحدياً، فقبل الحرب كان لدي فوبيا شديدة من مجرد رؤية الحقن والعمليات الجراحية والمشاهد المصورة، لكن كل ذلك تغير بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وكان يتوجب عليّ أن أتغير، وبحلول اليوم الثالث من الحرب، أصبحت هذه المشاهد هي كل ما أراه”.

ويضيف: “مكثت في مستشفى النصر لفترة لتغطية العدوان الإسرائيلي على المدنيين والمستشفيات، وكان علي أن أرى ما يحدث في غرف الطوارئ وثلاجات الموتى و المشرحة”.

ويتابع: “في كل يوم، كنت أرى عددًا لا يحصى من الموتى، لقد غيرني ذلك 180 درجة، كانت هناك أوقات كثيرة اضطررت فيها إلى إيقاف تقاريري مؤقتًا للذهاب والمساعدة في نقل الجثث من المستشفى إلى الساحات”.

ومضى يقول: “لقد كانت هناك مرات عديدة، اضطررت فيها إلى التوقف في منتصف إعداد التقارير لأحمل الأطراف المتناثرة وأجزاء أجساد أولئك الذين قتلوا في الغارات الجوية الإسرائيلية”.

وتابع: “وبما أن إسرائيل قطعت جميع الموارد عن غزة، بما في ذلك الوقود والمياه والغذاء والكهرباء والمساعدات، فقد كان هناك ضغط كبير عليّ وعلى الصحفيين الآخرين أثناء تغطية الأحداث لأنه لم يكن لدينا أي معدات أو أدوات، وكان لذلك تأثير كبير على صحتي العقلية”.

كوابيس وتدهور الصحة النفسية

يواصل أبو عزيز سرد شهادته قائلاً: ” استشهد اثنان من زملائي المقربين في الأسبوع الأول من الحرب، وكان لذلك أثر كبير على صحتي العقلية، فقد كنت أقضي الكثير من الوقت مع زملائي جمال المنير و أحمد خير الدين الذي كان مصورًا في شمال غزة، كنا نتواصل يومياً للتنسيق والعناية ببعضنا البعض وتحذير بعضنا البعض بشأن المناطق الخطرة”.

ويكمل حديثه قائلاً: ” لقد فقد خير الدين 26 نفراً من عائلته، استشهدوا جميعاً في الهجمات الإسرائيلية، ومن بينهم والده وشقيقته، كل ذلك كان قد حدث بحلول اليوم السابع للحرب”.

وعن هذه النقطة بالتحديد يقول أبو عزيز: ” شعرت وكأنني وحدي تمامًا والوحيد الذي بقي على الأرض حيث راح عدد زملائي الذين يستشهدون يزداد، وطوال الأيام الثلاثة والستين الأولى من الحرب، كنت أنام على الأرض الجرداء في خيمة مخصصة للصحفيين، وكان هذا بمثابة تحد جديد لي”.

وعن وضعه النفسي يقول: ” بتُّ أعاني من كوابيس فظيعة، وما زلت أعاني منها حتى اليوم، أرى قتلى وجرحى أثناء نومي، وأحياناً أمضي يومين أو ثلاثة أيام مستيقظاً بعد نوم لا يتجاوز الساعتين، وكل ذلك بسبب المشاهد المروعة التي أشاهدها خلال النهار”.

المنزل مدمر والعائلة نازحة

ويصف أبو عزيز ظروفه العائلية بالقول: ” لقد تعرض منزلي للقصف في غارة جوية إسرائيلية بطائرة مقاتلة من طراز F-16 تم فيها تدمير المنزل بالكامل وأصيب أكثر من 30 فرداً من أسرتي وعائلتي الممتدة، وفي هذه المرحلة، أصبح من الصعب الاستمرار في تقديم التقارير بينما كنت أجهد في مساعدة عائلتي، التي أصيب الكثير منها بجروح خطيرة في نزوحهم للوصول إلى بر الأمان”.

ويتابع: ” كنت أحاول الإبلاغ عن الهجمات، لكن في الوقت نفسه كنت أتعامل مع خسارة منزلنا ورؤية عماتي وأعمامي وأفراد عائلتي مشتتين ونازحين، لم تظهر القوات الإسرائيلية أي إنسانية، فحتى عندما حاولت إيصال عائلتي إلى رفح، استمر القصف نحونا”.

يقدم أحمد نظرته لقادم الأيام قائلاً: ” دخلنا الآن الشهر الخامس من الحرب دون أن أتمكن من رؤية خطيبتي ولو لخمس دقائق، أنا قلق على حياتها، وبين القصف والغارات الجوية، لم تتح لنا الفرصة أبدًا للقاء عابر أو لقضاء بعض الوقت معًا”.

ويتابع: ” كنا نخطط للزواج في شهر كانون الثاني/ يناير، لكن للأسف الاحتلال الإسرائيلي دمر بيوتنا وآمالنا، كنت أستعد لحفل الزفاف منذ أشهر، لكن القوات الإسرائيلية دمرت كل ما كنت أجهزه لزواجنا”.

ويواصل العريس مع وقف التنفيذ رواية قصة أزمته قائلاً: ” الأمور معقدة ومرهقة للغاية، فكل شخص في غزة يعاني نفسيًا وجسديًا، أنا أعيش الضغط الجسدي والجميع مرهقون عاطفيًا أيضًا”.

ويختم بالقول: ” هناك نقص كبير في الغذاء والماء والمواد المغذية، مما يصعب علينا مواصلة الصمود، لم نتخيل أبدًا أن يحدث لنا كل ذلك، هذا أسوأ من أي فيلم رعب يمكن لأي شخص أن يتخيله”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة