شكل مقتل قائد مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين في حادث تحطم طائرة الكثير من التساؤلات حول مصير مقاتليه وشبكاته في روسيا وأوكرانيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ربما كان محمد حمدان دقلو، حميدتي، في السودان، وأمير الحرب في الشرق الليبي خليفة حفتر، أكثر المعنيين بهذه التساؤلات باعتبارهما من أبرز المقربين للقوات المرتزقة.
ففي ليبيا، دعم مقاتلو فاغنر حفتر في هجومه الفاشل على طرابلس عام 2019-2020 وهم متواجدون حاليًا في منشآت رئيسية مثل المواقع النفطية.
أما في السودان المجاور، فقد عمل عملاء فاغنر مع وحدات الدعم السريع شبه العسكرية التابعة لحميدتي والتي تخوض القتال مع القوات المسلحة السودانية.
وأشارت تقارير صحفية إلى ارتكاب المجموعة مذابح في محيط مناجم الذهب في جمهورية أفريقيا الوسطى، في حين اتهمت الولايات المتحدة المجموعة بسرقة ذهب بقيمة مليارات الدولارات من السودان.
ورأى أشوك سوين، رئيس قسم أبحاث السلام والصراع في جامعة أوبسالا في السويد أن وفاة بريغوجين ستترك “تأثيراً عميقاً” على أنشطة مجموعة فاغنر، فضلاً عن علاقات روسيا في الشمال الإفريقي.
وأكد أن “الحرب في السودان فاقمت بشكل كبير التعقيدات المحيطة بعمليات فاغنر حيث كان بريغوجين يلعب دوراً محورياً كمفاوض إلى جانب قيادته للمجموعة”.
وأردف قائلاً:” الآن علينا انتظار تعيين خليفة بريغوجين في قيادة مجموعة فاغنر لنرى إلى أي مدى سيحظى القائد الجديد بدعم بوتين”.
فاغنر وقوات الدعم السريع
ظهر اسم مجموعة فاغنر في السودان لأول مرة إبان حكم الرئيس السابق الدكتاتور عمر البشير، حيث شاركت بشكل كبير في حماية الموارد المعدنية مثل مناجم الذهب.
وجهت الاتهامات للمجموعة لاحقًا بمساعدة حكومة البشير في محاولاتها لقمع المظاهرات المنادية بالديمقراطية عام 2019، والتي أدت إلى إجبار البشير على التنحي عن السلطة في نهاية المطاف.
ومنذ اندلاع الحرب السودانية في نيسان / أبريل 2023، ظهرت تقارير عديدة تشير إلى أن فاغنر كانت تلقي بثقلها خلف حلفائها في وحدات الدعم السريع، رغم أن الأخيرة نفت مرارًا وتكرارًا تورط المجموعة في دعمها.
كما تزود فاغنر قوات الدعم السريع بصواريخ أرض جو، بالإضافة إلى العديد من الأسلحة الأخرى، الأمر الذي مكنها من مواجهة القوة الجوية للقوات المسلحة السودانية.
وأوضح هدسون أن اعتماد قوات الدعم السريع على خطوط الإمداد الأجنبية لمواصلة القتال في السودان، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 5000 شخص وتشريد الملايين، يعني أن الخسارة المفاجئة لحليف رئيسي قد تكون كارثية.
وتساءل عما إذا كانت قوات الدعم السريع ستواصل القتال كما كانت تفعل في الأسابيع القليلة الماضية وعما إذا كان مقاتلوها معنيين بالاحتفاظ بمواقعهم في الخرطوم في ظل قلقهم الدائم من إغلاق خطوط إمداداتهم.
بدائل الكرملين؟
لقد كانت عمليات فاغنر في ليبيا أكثر علنية، حيث لعب مقاتلو المجموعة دورًا رئيسيًا في هجوم حفتر على طرابلس، ومنحوه في البداية زخمًا جديدًا قبل أن ينقلب المد ضده في نهاية المطاف.
كما ساعدت تحصيناتهم الدفاعية في وسط ليبيا في اتقاء هجوم مضاد حينما فشل هجومهم، إذ يُعتقد أن مقاتلي فاغنر لا يزالون في ليبيا بالمئات، إلى جانب السوريين الذين يعملون لصالحهم.
وقبل يوم واحد فقط من مقتل بريغوجين، زار مسؤولون عسكريون روس، بمن فيهم نائب وزير الدفاع، حفتر في ليبيا، فيما قالوا إنها أول زيارة رسمية لوفد عسكري إلى البلاد.
وقالت علياء الإبراهيمي، وهي زميلة غير مقيمة في المجلس الأطلسي، أن الكرملين ربما يكون قد وضع الأساس لمستقبل ما بعد بريغوجين.
وأضافت:” لسوء الحظ، بعيدًا عن “الكاريزما” التي يتمتع بها الرجل نفسه، هناك بنية كاملة لا تزال قائمة وفاعلة، ومن غير المرجح أن نشهد تأثيرًا كبيرًا على أنشطة مجموعة فاغنر في ليبيا والسودان”.
وتابعت:” بالإضافة إلى ذلك، كان أمام الكرملين أسابيع لتمهيد الطريق لإقالة بريغوجين ومن الواضح أنه كان واثقاً في التوقيت”، خاصة مع تزايد الحكومات التي تقود الانقلابات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، سيظل هناك الكثير من “العملاء” لروسيا، حتى بدون فاغنر كوسيط.
وقالت: “لم تستدع هذه الأنظمة العسكرية مجموعة فاغنر لأنها أعجبت بذراع بريغوجين، لقد كانت لديهم مشاكل، وكان لدى فاغنر حلول، وكل ما في الأمر هو أن الدولة الروسية قد تم إظهارها الآن باعتبارها مقدم الخدمة”.
فمنذ وصول بريغوجين إلى السلطة في عام 2000، أدرك العديد من كبار قادة الروس أن تجاوز بوتين ينطوي على مخاطر كبيرة للغاية.
وبينما لم يكن هناك تأكيد حول سبب الحادث الذي أودى بحياة بريغوجين، سارع الكثيرون، بمن فيهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الرئيس الروسي.
لكن بالنسبة لبوتين أيضًا، فإن وفاة قيادة مجموعة فاغنر والضرر المحتمل الذي يمكن أن تسببه المجموعة، سيكون له عواقب، فلسنوات عديدة، ظلت المجموعة المصدر الرئيسي لممارسة القوة الغاشمة والنفوذ الروسي في أفريقيا، فضلاً عن كونها وسيطًا حاسمًا للقادة العسكريين، ومن دون هذا الوكيل، سيتعين على روسيا أن تقوم بذلك الدور بشكل مباشر.
وأشار هدسون إلى أنه، بصرف النظر عن زيارة يوم الثلاثاء إلى ليبيا، كانت روسيا تتواصل مع القادة الأفارقة منذ أن قاد بريغوجين تمردًا عابرًا في حزيران/ يونيو، في محاولة لطمأنتهم إلى استمرار الدعم الروسي، متسائلاً حول القرار الذي سيتخذه بوتين بشأن أصول فاغنر، بما في ذلك أعمالها المربحة في تهريب الذهب.
وتساءل أيضاً:” هل سيسمح لفاغنر بمواصلة القيادة الجديدة أم سيحاول استيعاب المجموعة وجميع أصولها في هذه البلدان وتشغيلها كشركات تابعة للجيش الروسي؟”.
ولا يزال هدسون يعتقد بأهمية وجود شركة عسكرية غير رسمية تعمل في القارة، وتمول نفسها ذاتيًا من خلال علاقات العملاء، مضيفًا أن “تلك الأموال تشق طريقها مرة أخرى إلى روسيا بما يعود بالنفع على الاقتصاد”، الذي يتعرض حاليًا لضربات شديدة من العقوبات الغربية.
وختم بالقول:” أعتقد أن بوتين سيحاول إخضاع فاغنر لسيطرة أكثر مباشرة وموثوقية تحت القيادة الروسية، وإن كان في ذات الوقت سيفضل إبقاء ذلك على قدر معقول من الإنكار”.