ماذا يعني فوز أردوغان لمستقبل تركيا ؟

بقلم برهان الدين دوران

ترجمة وتحرير مريم الحمد

انتهت الانتخابات التركية بانتصار جديد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولكن النتيجة لم تكن مفاجأة بالنسبة للمقربين من الحزب والحاكم، فقد كان حصوله في الجولة الأولى في 14 مايو على 49.5% من الأصوات مقدمة لنجاحه في جولة الإعادة، خاصة مع وصول تحالف الشعب الحاكم لأغلبية برلمانية، الأمر الذي انتهى بحصوله على فارق مريح بنسبة 52% في جولة الإعادة.

في الوقت الذي سارع فيه العالم لتهنئة أردوغان بفوزه الانتخابي الأحدث، فمن نافلة القول الإشارة إلى أن نسبة التصويت في جولة الإعادة قد انخفضت، باعتبار هذه الانتخابات الفصل الأخير في ملحمة لا تُقهر، حيث يُنظر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان باعتباره عبقرياً في الحملات الانتخابية، ومن المتوقع أن تكون قيادته قوية في السنين الخمس المقبلة.

خلال الحملة، قدم أردوغان مشاريع مهمة للشعب التركي، بما في ذلك مساكن جديدة للمتضررين من الزلزال، بالإضافة إلى الإعلان عن الغاز الطبيعي التركي في البحر الأسود، وأصر أردوغان في خطاباته على التأكيد على أن الشعب التركي البالغ عدده 85 مليوناً هو الفائز، مشيراً إلى هدفه القادم المتمثل بالفوز بانتخابات البلدية المقبلة خلال أشهر.

تُظهر نتائج الانتخابات في تركيا قدرة أردوغان على البقاء في السلطة لخمس سنوات إضافية، ليس لثقة الناخبين بقدرته على مواجهة الأزمات فقط، وإنما لعدم ثقة الناخبين بالمعارضة بشكل أساسي.

تقاسم الأصوات

فشل كليتشدار أوغلو في الانتخابات بعد أن تعهد بتشكيل حكومة و7 نواب للرئيس، كما أنه لم يستطع إقناع الناخبين بأنه سياسي لديه القدرة على حل المشكلات الملحة، وكانت ورقة التوت بالنسبة له تبنيه لموقف اليمين المتطرف من اللاجئين السوريين من جانب، وصفقته مع زعيم حزب النصر المتطرف، أوميت أوزداغ، التي ساهمت في ابتعاد الناخبين الأكراد.

أما أردوغان فقد استطاع كسب 2.3 مليون صوت من أصوات منافسه في الجولة الأولى، القومي المحافظ سنان أوغان، الأمر الذي أسهم في تقدم أردوغان بفارق مريح في جولة الإعادة.

على عكس نظرائه في الديمقراطيات الغربية، من غير المتوقع أن يتنحى كليتشدار عن منصبه في رئاسة حزب الشعب الجمهوري

فاز أردوغان بفارق 4 نقاط مئوية في الانتخابات الرئاسية، لكن خصمه تقدم عليه بفارق 3 نقاط مئوية في كل من اسطنبول وأنقرة، وهو ما ينبغي الالتفات إليه من قبل الرئيس التركي وحزبه، استعداداً للانتخابات البلدية لعام 2024، وبذلك يتعين على أردوغان التركيز على سياسات خفض تكلفة المعيشة في المناطق الحضرية، بالإضافة إلى التعجيل بإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، ومن المتوقع أن يعلن عن سياساته الجديدة قريباً.

من المفترض أن يعطي الرئيس الأولوية للدبلوماسية بالرحلات الدولية عند تشكيل حكومته، وفي المرحلة الجديدة، يمكن لأردوغان استئناف التطبيع الإقليمي، والنظر إلى نتائج الانتخابات كفرصة لإصلاح علاقات تركيا مع الغرب، ويمكن اعتبار اتصال الرئيس الأمريكي جو بايدن بأردوغان لتهنئته خطوة أولى في هذا السياق.

كما أعلن أردوغان خلال حملته الانتخابية أنه سيواصل التعاون مع روسيا في مجالات عدة، والإسهام في سياسة التوازن بين الغرب وروسيا، ويمكن لتركيا أن تقدم مساهمات كبيرة للأمن الأوروبي، ومن هذا المنطلق، على أوروبا احترام سياسة تركيا الخارجية المستقلة وبذل جهود مشتركة لموازنة مصالح الأطراف جميعاً.

من المحتمل تبني المعارضة لخطاب معادٍ للاجئين مرة أخرى، الأمر الذي يمثل تحدياً خطيراً للديمقراطية التركية

نتائج الانتخابات تعتبر بمثابة رسالة للسياسيين، وفي الحالة التركية، يتساءل الشعب التركي عن الدروس التي تعلمتها المعارضة من خلال نتائج الانتخابات، وهل يتفسخ تحالف الأمة بعد الخسارة بسبب صراعات داخلية متوقعة، وهل تشهد أحزاب المعارضة استقالات وشيكة؟ 

أرى أن تحالف الأمة سوف يبقى على حاله، وسيوطن جهوده من أجل انتخابات البلدية القادمة، خاصة مع تقدم كليتشدار على أردوغان في كل من اسطنبول وأنقرة، في المحصلة، لن يستفيد أي من أحزاب المعارضة من تفكك التحالف قريباً.

ليلة الانتخابات، ظهر كليتشدار أوغلو مصراً على القتال أمام الكاميرات، مستبعداً إمكانية استقالته بسبب النتائج، أما زعيمة الحزب الجيد المعارض ميرال اكشنار فقد هنأت أردوغان على فوزه، وأشارت إلى حاجة المعارضة لإعادة التقييم، أما بقية أعضاء التحالف فلازموا الصمت.

في الوقت الذي يتحدث فيه أعضاء المعارضة عن المشاكل الاقتصادية في تركيا، أعلن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب التحالف المعارض، عن عقد مؤتمر حزبي قريب، ومن المرجح أن يعاد انتخاب كليتشدار لقيادة الحزب بسهولة، فعلى عكس نظرائه في الديمقراطيات الغربية، من غير المتوقع أن يتنحى كليتشدار عن منصبه في رئاسة حزب الشعب الجمهوري، فرغم خسارته في عدة انتخابات سابقة، من المرجح أن يتمسك بمنصبه استناداً إلى حصوله على 48% من أصوات الشعب.

في الغالب، من المرجح أن تؤجل المعارضة نقاشاتها حول قدرتها على تطوير رؤية مشتركة لحل مشاكل تركيا إلى ما بعد الانتخابات البلدية، سيركز زعماء المعارضة على انتقاد أردوغان بشدة في محاولة لجعل أنصارهم ينسون نتائج الانتخابات الرئاسية، ومن المحتمل تبني خطاب معادٍ للاجئين مرة أخرى، الأمر الذي يمثل تحدياً خطيراً للديمقراطية التركية.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة