ماذا ينتظر حماس والشعب الفلسطيني بعد هنية؟

بقلم خالد الحروب

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

من الناحية الرمزية، يمثل اغتيال إسماعيل هنية أكبر خسارة تواجهها قيادة حماس منذ اغتيال مؤسسها وزعيمها الروحي أحمد ياسين عام 2004، ورغم أن الضرر الذي لحق بالحركة كبير، إلا أن تغييب القادة لا يدمر حماس التي تتمتع بوجود قيادة جماعية داخل فلسطين وخارجها، مع بنية مصممة للتقليل من تداعيات خسارة أي قائد، مهما كانت أهميته. 

وقد تكرر هذا النمط من الاغتيال والتجديد مع مرور الوقت، فصار إقصاء القادة الأفراد يضعف الحركة مؤقتاً، لكنه يعزز مكانتها وشعبيتها، ويسمح بصعود القادة الأصغر سناً لإتمام عملية إعادة بناء التنظيم وتوسيع قاعدة دعمه في صفوف الجماهير. 

أما العامل الأكثر أهمية فهو تفاقم الأسباب التي أدت من الأصل إلى ظهور حماس ومنظمات المقاومة الفلسطينية الأخرى، أي وحشية الاحتلال الإسرائيلي المستمر.

لقد قاتلت إسرائيل ضد منظمة التحرير الفلسطينية وفتح، وبعد أن قامت بتحييدهما إلى حد كبير دون إنهاء استعمارها واحتلالها لفلسطين، ظهرت إلى الوجود حركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، المحظورتان باعتبارهما جماعات إرهابية في المملكة المتحدة ودول أخرى، لكن المعادلة ظلت كما كانت: الاحتلال العسكري يولد المقاومة.

وعندما أصبح هنية رئيساً للحكومة الفلسطينية المنتخبة في عام 2006، رفض مغادرة منزله المتواضع في مخيم الشاطئ للاجئين والانتقال إلى مقر إقامة رسمي، وبدلاً من ذلك أراد البقاء على مقربة من نبض الشعب واللاجئين والفقراء والمجتمع العام، وهذا أمر أساسي لفهم شخصيته ومسيرته السياسية منذ سنواته الأولى كناشط في الجامعة الإسلامية بغزة إبّان الثمانينيات. 

زعيم في طور التكوين

باعتباره من التيار السائد في السياسة منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين، قرر هنية الترشح لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني إلى جانب عدد قليل من أعضاء حماس، متحدياً المقاطعة الرسمية التي أعلنتها الحركة للانتخابات، والتي نشأت عن معارضتها لاتفاقيات أوسلو.

لكن هنية انسحب في النهاية التزاماً بالموقف الرسمي لحماس، ونشر بياناً قدم نظرة ثاقبة للتفكير السياسي لزعيم في طور التكوين: “ستكون حماس في وضع يسمح لها بإدخال إصلاحات كبيرة ومطلوبة بشدة في المؤسسات المحلية ويمكنها مكافحة انتشار الفساد، وستكون المشاركة في الانتخابات استجابة لمطالب عدد كبير من شعبنا الذين يبحثون عن بديل صادق”.

لقد نضجت هذه الأفكار بشكل كبير في برنامج قائمة التغيير والإصلاح التي تزعمها هنية والتي فازت في انتخابات 2006، حيث كان صعوده إلى السلطة داخل حماس وارتفاع شعبيته بين الشعب الفلسطيني مرتبطين إلى حد كبير بنهجه الوسطي، فقد كان يتحدث لغة الناس العاديين وكان خطيباً مفوهاً ماهراً.

ومن خلال سياسة الاغتيالات البلطجية التي تنتهجها في جميع أنحاء المنطقة، تدفع إسرائيل الشرق الأوسط نحو فوضى لا يمكن تصورها

فقد أظهرت استطلاعات الرأي قبل وبعد 7 تشرين الأول/أكتوبر أن هنية كان سيهزم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لو أجريت الانتخابات. 

ظل هنية، الذي كان ينظر إليه دائماً في طليعة قيادة حماس، يحظى باحترام حتى من قبل العديد من منافسي الحركة الفلسطينيين، وأصبح شخصية دبلوماسية مؤثرة في حماس، مما دفع الحركة إلى انتخابه رئيساً لمكتبها السياسي في عام 2017 ونقله إلى خارج قطاع غزة. 

لقد كانت مغادرة غزة والإقامة في الخارج، وخاصة في قطر وتركيا، قراراً اعتقدت حماس أنه سيحقق فوائد أكثر من الخسائر، وبينما انتقد البعض هنية لمغادرته غزة، فقد تمكن من بناء شبكة واسعة من العلاقات مع قادة الدول والحركات من جميع أنحاء المنطقة وخارجها، واستقبله الزعماء العرب والمسلمون من المغرب إلى ماليزيا، وخلال زيارته الأخيرة لعمان، لقي استقبالا حاراً من السلطان وحكومة السلطنة وشعبها.

ماذا ينتظر حماس والشعب الفلسطيني بعد هنية؟

بالنسبة لحماس، يعتبر اغتيال هنية خسارة كبيرة، سيما وأنه جاء في وقت تخوض فيه الحركة ما يبدو كحرب بقاء في قطاع غزة. 

سوف تحتاج حماس إلى الوقت لإنتاج زعيم يتمتع بشخصية كاريزمية بحجم هنية، لكنها في النهاية ستفعل ذلك بالضبط، تماماً كما فعلت بعد رحيل ياسين وغيره من كبار القادة. 

وإذا كان الخطر ضئيلاً بأن يؤدي هذا الاغتيال والقتل المتواصل في غزة إلى تدمير حماس كهيكل، فإن كابوساً إقليمياً سوف ينشأ، فبدلاً من منظمة عسكرية واحدة سليمة، ستواجه إسرائيل عدداً لا يحصى من الجماعات المنشقة الأكثر تطرفاً من حماس.

لقد فقد الشعب الفلسطيني رجل الوحدة، وكان هنية قوة مؤثرة في الجهود الرامية إلى تعزيز المصالحة الداخلية مع فتح وإنشاء قيادة فلسطينية موحدة.

وخلافاً لبعض القادة الآخرين في حماس والفلسطينيين، كان هنية يسترشد بسياسة شاملة، فرحلته الطويلة مع حماس منذ نشأتها أثرت خبرته ومهاراته في الموازنة بين أفضل التوجهات، وما يمكن أن يحل محل نفوذه جزئياً هو إرثه المتمثل في كونه معتدلاً تجاه منافسيه الفلسطينيين بينما ظل جريئاً ومتشدداً ضد الاحتلال.

وبالنسبة لإسرائيل وحرب الإبادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة، فقد أصبحت كل السيناريوهات الآن مفتوحة على مصراعيها في أعقاب اغتيال هنية والقائد في حزب الله فؤاد شكر في اليوم الذي سبق.

وقد كان هنية أحد صناع القرار الرئيسيين في المفاوضات غير المباشرة لإنهاء الحرب على غزة وترتيب إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين، وباغتياله فإن الاحتلال قد قتل المفاوضات في الوقت الراهن على الأقل وبالتالي قتل العديد من الاتجاهات المعتدلة في حماس وخارجها. 

كما أن حقيقة وقوع اغتياله في طهران تفتح صندوق باندورا، حيث تترقب المنطقة والعالم بفارغ الصبر الرد الإيراني، ومن خلال سياسة الاغتيالات البلطجية التي تنتهجها دولة الاحتلال في جميع أنحاء المنطقة، فإنها تدفع الشرق الأوسط نحو فوضى لا يمكن تصورها.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة