ما الذي تريده حماس من إسرائيل؟ و لماذا تتعثر محادثات وقف إطلاق النار؟

قصة ميدل إيست إي

ترجمة وتحرير موقع بالعربية

بشكل نظري، تعمل كلٌ من حماس وإسرائيل على تحقيق ذات الأهداف من خلال المحادثات التي تقودها الولايات المتحدة في القاهرة لوقف إطلاق النار في غزة وهي إنهاء الحرب و مبادلة الأسرى الإسرائيليين بالفلسطينيين، لكن الطرفين، وكما ترى حماس، مازالا متباعدين للغاية.

اقدم حكومة الاحتلال، تحت تأثير الضغط الداخلي، الأولوية لإطلاق سراح الإسرائيليين الذين تم أسرهم في 7 تشرين الأول/أكتوبر، في الوقت الذي لا تسعى فيه حماس إلى نهاية كاملة للحرب فحسب، بل إلى تخليص غزة من الحصار الإسرائيلي الذي امتد على مدار الأعوام الستة عشر الماضية.

ويقول المسؤول في حماس باسم نعيم: “أعتقد أن المشكلة تكمن في أن الاستراتيجية التي نتفاوض من خلالها هي استراتيجية وقف إطلاق النار، وليست استراتيجية تبادل الأسرى”.

ويشير المقترح الأخير الذي قدمته حماس إلى إسرائيل عبر وسطاء مصريين وقطريين إلى ذات الإطار الذي قدمه لقاء باريس لحماس في كانون الثاني/يناير الماضي، والذي يقترح إنهاء الحرب على ثلاث مراحل.

وإذا كانت المقترحات المقدمة إلى حماس تتضمن ثلاث فترات هدنة من شأنها نظرياً أن تتطور نحو إنهاء القتال، فإن مقترح الحركة الفلسطينية يسعى إلى التوصل إلى اتفاق أكثر واقعية.

“الأميركيون ليسوا مجرد ضامنين ولا وسطاء، بل هم لاعب خصم وعدو”- باسم نعيم، مسؤول في حماس

وفي الإطار الذي قدمته حماس، ستشهد المرحلة الأولى “وقفاً مؤقتاً للقتال وعودة الفلسطينيين إلى المناطق السكنية في شمال غزة”، وتبدأ المرحلة الثانية بوقف دائم لإطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة بشكل كامل.

أما في المرحلة الثالثة، فترفع إسرائيل الحصار الذي فرضته على غزة بشكل كامل منذ عام 2007 وتبدأ خطة إعادة الإعمار الخمسية.

وتقترح وثيقة حماس أيضاً إطاراً لتبادل الأسرى، وتقول إن ضامني الاتفاق يجب أن يشملوا تركيا وروسيا.

وأوضح باسم نعيم ذلك بقوله: “السبب في ذلك هو أن المفاوضات تميل كثيراً لصالح إسرائيل عندما تقودها الولايات المتحدة، التي دعمت إسرائيل بشدة خلال الحرب”.

وتقول حماس إن على الإسرائيليين الانسحاب من المناطق المكتظة بالسكان على مراحل، فأولاً، سيتجه الإسرائيليون شرق طريق الرشيد الذي يمتد على طول الساحل، “مما يسمح بحرية الحركة للسكان المحليين”.

ويتابع مقترح الحركة بالقول أنه بعد 14 يوماً، يتعين على الجنود الإسرائيليين التحرك شرق طريق صلاح الدين الموازي والانتشار على طول حدود غزة مع إسرائيل، حتى يتمكن الفلسطينيون النازحون من الوصول إلى مناطق أخرى في الشمال.

وخلال الأسابيع الأخيرة، ركزت محادثات القاهرة بشكل كبير على عودة النازحين الفلسطينيين إلى الشمال.

أما المقترح الإسرائيلي الأخير فاشتمل على السماح لبعض النازحين البالغ عددهم 1.7 مليون شخص، ومعظمهم يتواجدون الآن في مخيمات حول مدينة رفح جنوب قطاع غزة، بالعودة شمالاً.

وقد تطرقت واشنطن إلى هذه المرونة، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر يوم الاثنين: “كان هناك اتفاق على الطاولة من شأنه أن يحقق الكثير مما تدعي حماس أنها تريد تحقيقه، ولكنهم لم يقبلوا بهذا الاتفاق”.

لكن القيادي نعيم يرى أن الصفقة لم ترقَ إلى المستوى الذي تعتبره حماس مقبولاً، واصفاً ما تم عرضه بأنه كان “عودة مشروطة”، بالشروط التي وضعتها إسرائيل.

وأضاف نعيم: “علاوة على ذلك، لن يعود الأهالي إلى منازلهم، بل سينقلون إلى مناطق محددة يتم تحديدها مسبقاً على الخرائط من قبل الاحتلال”.

وتمثل الرقابة الإسرائيلية على الأنشطة في غزة نقطة شائكة في العمل على أي اتفاق.

إذ تقول حماس أنها تريد أن تتمكن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية من تنفيذ عمليات المساعدات الإنسانية على الفور ودون عوائق، ويشمل ذلك الأونروا، وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، التي تعرضت لاتهامات إسرائيلية وفقدت ما لا يقل عن 178 من موظفيها في غزة بسبب العدوان الإسرائيلي.

وتطالب الوثيقة الإطارية التي قدمتها حماس أيضاً بتوفير 60 ألف وحدة جاهزة و200 ألف خيمة لإيواء النازحين، تليها أعمال إعادة الإعمار التي تشرف عليها الأمم المتحدة ومصر وقطر، وزيادة الحركة التجارية.

في المقابل فإن إسرائيل تصر على فرض ضوابط صارمة على ما يدخل إلى غزة، وهذه مشكلة بالنسبة لحماس، وفقاً لنعيم الذي أضاف: “حتى المساعدات، أو أي شيء يأتي للبناء، كان يأتي بحسب شروط وقيود الاحتلال”.

وتقول إسرائيل إن لوائحها الصارمة بشأن البضائع التي تدخل غزة تهدف إلى تجنب وقوع أي مواد خطرة في أيدي حماس، على الرغم من أن وكالات الإغاثة تقول إن القواعد التعسفية أعاقت بشدة عمليات الإغاثة الإنسانية. 

بل إن مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة كان قد وصف القيود الإسرائيلية بأنها “غير قانونية”.

تبادل الأسرى

ومن بين 240 إسرائيلياً تم أسرهم في 7 تشرين الأول/أكتوبر، مازال 133 محتجزون في غزة بينهم جنود ومدنيون إسرائيليون، بالإضافة إلى 11 أجنبيًا، ويعتقد أن 50 من الإسرائيليين المفقودين قد لقوا حتفهم.

في المقابل، تقول مؤسسة الضمير الحقوقية الفلسطينية أن إسرائيل تحتجز 9500 أسيراً فلسطينياً في سجونها.

وتقترح حماس إجراء عمليات تبادل الأسرى في المرحلتين الأوليين من الاتفاق ولها مطالب مختلفة حسب تصنيف كل أسير لديها.

إسرائيل لن تتحدث مطلقاً عن وقف شامل وكامل ودائم لإطلاق النار” – ساري عرابي، كاتب وباحث فلسطيني

وسيتم تبادل النساء والأطفال دون سن 19 عاماً والعجزة وكبار السن والمجندات في المرحلة الأولى، فيما تقترح حماس أن تتم مبادلة كل إسرائيلي بما يتراوح بين 30 إلى 50 أسيراً فلسطينياً اعتماداً على رتبة كل أسير لديها.

وسيتم إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين الذكور في المرحلة الثانية مقابل عدد من الفلسطينيين، على أن يتم تحديد العدد في مرحلة لاحقة، في حين سيتم تسليم رفات القتلى في المرحلة الثالثة، مقابل جثث الفلسطينيين المحتجزين لدى إسرائيل.

وخوفاً من قيام إسرائيل بإعادة اعتقال الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم، تريد حماس ضمانات قانونية للأسرى المفرج عنهم. 

وبالمثل، فهي تريد إطلاق سراح كل من كانت إسرائيل قد أطلقت سراحهم ثم أعادت اعتقالهم في أعقاب تبادل جلعاد شاليط عام 2011، كما تطالب بتحسين ظروف من سيتبقى من الفلسطينيين في الأسر.

وعلى الرغم من أن الإسرائيليين المطلعين على المحادثات أشاروا إلى أن تبادل الأسرى هو الجانب الأقل إشكالية في المفاوضات، فإن الصعوبات حتى في هذا الملف مازالت بادية للعيان.

إذ تطالب إسرائيل بالإفراج الفوري عن 40 أسيراً، بينهم جميع النساء والمرضى وكبار السن، مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين. 

غير أن حماس تؤكد أنه لا يوجد بين المحتجزين لديها عدد كافٍ من الإسرائيليين الذين يستوفون هذه المعايير ممن لازالوا على قيد الحياة، وترفض إطلاق سراح الجنود الذكور بدلاً منهم.

لا يوجد ضغط جدي

ويتوقع ساري عرابي، وهو كاتب وباحث فلسطيني مقيم في الضفة الغربية المحتلة، أن تواجه حماس وإسرائيل صعوبات جدية طالما أن الإسرائيليين عازمون على مواصلة الحرب.

وقال عرابي: “إسرائيل لن تتحدث على الإطلاق عن وقف شامل وكامل ودائم لإطلاق النار، وانسحاب قواتها من غزة، إلى جانب رفع الحصار وبدء إعادة الإعمار، وهذا هو السبب الرئيسي لعدم القدرة على إتمام الصفقة.”

أما حماس، فهي بحسب عرابي ليست في عجلة من أمرها لخسارة نفوذها، وخاصة بإطلاق سراح الجنود الذكور.

وعلى الرغم من أن الضغوط الشعبية تتزايد على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإطلاق سراح الأسرى، إلا أن الرأي العام في إسرائيل يعارض بشدة إنهاء الحرب.

فقد أظهر استطلاع للرأي أجري مؤخراً أن الإسرائيليين يعتقدون بأغلبية ساحقة أن حكومتهم لا ينبغي أن تقبل مطالب حماس مثل الانسحاب من غزة.

ويقول عرابي إنه لم يكن هناك “ضغوط جدية” تمارس على إسرائيل من قبل الوسيط الرئيسي في القاهرة، أي الولايات المتحدة، وقد لعب هذا دوره أيضاً في تأخير التوصل إلى الاتفاق.

ويضيف عرابي أنه مع تأييد واشنطن لإسرائيل بشكل واضح، وعمل مصر وقطر فقط كمحاورين، هناك اختلال في التوازن في المفاوضات.

وأضاف أن “أميركا شريك في هذه الحرب، ولذلك فهي تدير المفاوضات من منظور إسرائيلي ومن أجل المصالح الإسرائيلية”.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة