أصبح التوتر عند السياج الحدودي بين لبنان وإسرائيل مصدر قلق يومي منذ أن أنهى الجيش الإسرائيلي بناء جدار في تموز/ يوليو يضم الجزء الشمالي من قرية الغجر في هضبة الجولان المحتلة.
أدت احتجاجات المزارعين اللبنانيين والمواجهات بين الجنود الإسرائيليين واللبنانيين وإطلاق الصواريخ والقصف الإسرائيلي لجنوب لبنان إلى تكثيف الوضع منذ آذار/ مارس المنصرم.
في الأشهر الأخيرة، قامت إسرائيل ببناء جدار من الكتل الخرسانية على طول جزء ممتد من خط الأمم المتحدة الأزرق الذي رسم حدود الأراضي اللبنانية والإسرائيلية في عام 2000، عندما أنهت إسرائيل احتلالها لجنوب لبنان الذي استمر لـ 20 عامًا.
ولا يزال البلدان متخاصمين في ظل عدم وجود حدود رسمية تفصل بينهما، باستثناء الخط الأزرق المصنوع من البراميل الزرقاء والذي يمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى الجولان شرقاً.
ويوم الثلاثاء، قال رئيس الوزراء اللبناني المؤقت، نجيب ميقاتي، إن بلاده مستعدة لترسيم الحدود الجنوبية بأكملها مع إسرائيل.
وقالت الحكومة اللبنانية أيضا إنها مستعدة لتفكيك خيمتين أقامتهما جماعة حزب الله في حزيران/ يونيو في مزارع شبعا المتنازع عليها في جنوب لبنان إذا انسحبت إسرائيل من الجزء الشمالي من قرية الغجر.
بينما ينظر لبنان إلى الجزء الشمالي من الغجر كجزء من البلاد، تزعم إسرائيل أنه جزء من مرتفعات الجولان السورية التي ضمتها إسرائيل عام 1981 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي أبدًا.
وأثارت خيام حزب الله في مزارع شبعا، المعروفة لدى الإسرائيليين باسم جبل دوف، غضب المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي سعت إلى إشراك قوة الأمم المتحدة المتواجدة مؤقتاً في لبنان (يونيفيل) لإزالة إحدى الخيمتين الأسبوع الماضي.
وحذر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت من نشاط حزب الله في مزارع شبعا، قائلاً: “لا تُقللوا من شأن قوتنا وتصميمنا”.
القصف والنيران المتقاطعة
لا يلتقي الجانبان اللبناني والإسرائيلي وجها لوجه، بل يستخدمان اليونيفيل التي تقوم بدوريات في السياج الحدودي كوسيط بين الطرفين، والتي بدورها دعت جميع الأطراف إلى “ضبط النفس والامتناع عن اتخاذ إجراءات قد تؤدي إلى تفاقم الوضع”.
وفي نيسان/ أبريل، قصف الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان واتهم جماعة فلسطينية مسلحة بإطلاق وابل من الصواريخ باتجاه شمال إسرائيل، فيما يشكل أهم حدث في المنطقة حتى الآن.
لكن الجيش الإسرائيلي قصف أيضا جنوب لبنان الأسبوع الماضي بعد إطلاق صاروخين من المنطقة، سقط أحدهما بالقرب من قرية الوزاني في جنوب لبنان، بينما سقط الصاروخ الثاني بالقرب من قرية الغجر المتنازع عليها.
وبالأمس، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن العشرات من الجنود اللبنانيين وعناصر في ثياب مدنية عبروا الخط الأزرق ودخلوا منطقة بالقرب من “المنارة”، مزرعة إسرائيلية جماعية تقع في الجزء الشمالي الغربي من الجليل الأعلى.
وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي أنه في 5 تموز/ يوليو، أثناء قيام إسرائيل بأعمال هندسية بالقرب من السياج، عبر 30 شخصًا الحدود الإسرائيلية، واقتربوا من جرافة تعمل على الأرض وظلوا في المنطقة لمدة 20 دقيقة.
وبحسب ما ورد فقد أُطلق صاروخ مضاد للدبابات من لبنان وسقط بالقرب من كيبوتس المنارة في 4 تموز/ يوليو.
قرية الغجر
على الرغم من أن النزاعات الإقليمية كانت منذ فترة طويلة قضية شائكة بين إسرائيل ولبنان، فقد تصاعدت المواجهات في الأشهر الأخيرة بالقرب من السياج الحدودي.
واحتج مزارعون لبنانيون من قرى مختلفة على محاولات إسرائيل تسييج أراضيهم على طول الخط الأزرق، بما في ذلك المناطق المحيطة بكفر شوبا والعرقوب وعيتا الشعب.
وفي 5 تموز/ يوليو، قامت إسرائيل بتسييج قرية الغجر الواقعة على حدود لبنان وإسرائيل ومرتفعات الجولان.
ويعرف سكان القرية البالغ عددهم 3000 نسمة أنفسهم كسوريين وينتمون بشكل أساسي إلى الطائفة العلوية، إلا أن العديد من سكانها وتحديداً المقيمين في جنوب الخط الأزرق حصلوا على الجنسية الإسرائيلية بعد أن ضمت إسرائيل المنطقة في عام 1981.
وكانت إسرائيل قد احتلتها عام 1967، ومع ذلك، فقد كان العديد من سكانها يتحدثون بصوت عالٍ عن كونهم جزءًا من إسرائيل وعن رفضهم الخضوع للهيمنة اللبنانية، متهمين الدولة اللبنانية باللامبالاة تجاههم والتخلي عنهم.
وطيلة الـ 20 عامًا من احتلال جنوب لبنان، عاش أهالي قرية الغجر تحت الاحتلال الإسرائيلي، ووسط غياب سيادة القانون توسعت القرية شمالًا على أراض تابعة للدولة اللبنانية و تحديداً على قرية ماري.
وفي عام 2000، عندما غادرت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان بعد 18 عامًا من الاحتلال، رأى سكان الغجر قريتهم تنقسم إلى نصفين حيث ظل جنوب الخط الأزرق تحت إدارة إسرائيل، وأصبح الجزء الشمالي جزءًا من لبنان.
وذات صباح، وجد الأقارب والجيران الذين عاشوا لسنوات في الجانب الآخر من الشارع أنفسهم، وقد تم فصلهم بسياج، يعيشون في بلد مختلف وبالتحديد في “دولة معادية”.
لم تسحب إسرائيل أبدًا قواتها من قرية الغجر بعد ترسيم الحدود في عام 2000، على الرغم من خطة الحكومة الإسرائيلية لفعل ذلك في عام 2010.
وتم تصنيف القرية كمنطقة عسكرية مغلقة لمدة 22 عامًا، ولكن في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 تم فتحها للسياح والزوار الإسرائيليين بإذن من الجيش الإسرائيلي.
تمامًا مثل مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، لا تزال قرية الغجر في أيدي إسرائيل، ولكن مع اختلاف واحد، ألا وهو أن منطقة الغجر محاطة الآن بجدار يدمجها في إسرائيل ويفصلها عن لبنان.