ما الذي يحدث في إسرائيل؟ تعرّف على حقيقة تعديلاتها القضائية

تعصف بإسرائيل حاليًا واحدة من أكبر الأزمات المحلية منذ تاريخ تأسيسها قبل 75 عامًا عقب التشريع الجديد الذي تم التصويت عليه في الكنيست بهدف الحد من السلطة القضائية.

و منذ توليها السلطة في وقت سابق من هذا العام، جعلت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الإصلاح القضائي من أهم أولوياتها.

ولطالما اشتكى اليمينيون في إسرائيل من قدرة القضاء على نقض مشاريع القوانين التي يقرها الكنيست، زاعمين أن لدى الجهاز القضائي تحيزًا يساريًا واستعداداً لدعم حقوق الأقليات على حساب الأغلبية.

لكن الليبراليين واليساريين في إسرائيل، على النقيض من ذلك، غالباً ما يعتقدون أن القضاء يمثل الحصن الأخير ضد التحول الاستبدادي والديني المتزايد في سياسة الدولة.

أثارت التغييرات المقترحة أسابيع من الاحتجاجات داخل وخارج إسرائيل، حيث ادعى مسؤولون سابقون أن البلاد تنزلق إلى “الديكتاتورية”.

وفيما يلي محاولة لفهم الأسباب التي قادت لمثل تلك الاحتجاجات والدوافع وراء اقتراح ذلك التشريع.

لطالما شكل القضاء الإسرائيلي، والمحكمة العليا على وجه الخصوص، مصدر قلق لليمينيين الإسرائيليين، حيث ألغت المحاكم مرارًا وتكرارًا القوانين والقرارات التي اقترحها المشرعون اليمينيون، بدعوى أنها غير دستورية.

تشمل الأمثلة الأخيرة إلغاء قرار لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية بحظر حزب التجمع السياسي الفلسطيني، وإلغاء حظر فُرض على ناشطة أمريكية يسارية، وإلغاء مشروع قانون يشرعن المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة، والحكم لصالح استمرار حبس مرتكب جريمة جنسية للأطفال بعد اتهام الحكومة بعرقلة القضية.

ولذلك فقد رأى العديد من اليمينيين في السياسة الإسرائيلية أن تقليص سلطة المحكمة أمر مهم لدفع أجندتهم السياسية.

علاوة على ذلك، يُحاكم نتنياهو حاليًا بتهمة الفساد، وعلى الرغم من أنه ينفي وجود أي دافع خفي للتشريع، فإن العديد من النقاد يرون أنه وسيلة لمنع سجنه.

ما هو التشريع المقترح؟

هناك مجموعة من الإجراءات التي تقترحها الحكومة حاليًا، منها ما يهدف إلى إنهاء أو الحد من قدرة المحكمة العليا على نقض القرارات التي يتخذها الكنيسيت.

ويعد الإجراء الأكثر إثارة للجدل هو السماح للأغلبية في الكنيست (61 مشرعًا من أصل 120) بصلاحية إعادة القوانين التي ألغتها المحكمة العليا، مما يثير قلق النقاد، الذين يقولون إنه حتى التشريعات التي وُجد أنها تنتهك قوانين إسرائيل الأساسية، التي تقارب الدستور لدى الدولة، لا يزال من الممكن تمريرها، مما يمنح من هم في الحكومة سلطة هائلة.

كما أن التشريع يحتوي على عنصر آخر مثير للجدل وهو اقتراح تغيير في تشكيلة اللجنة التي تختار قضاة المحاكم الإسرائيلية، حيث تتألف لجنة اختيار القضاة في الوقت الحالي من تسعة أعضاء. 

وبالتالي فإن تعيين قاضٍ لدى المحاكم، باستثناء المحكمة العليا، يتطلب أغلبية بسيطة من أعضاء اللجنة الحاضرين، بشرط مشاركة ما لا يقل عن سبعة أعضاء في التصويت، بينما يتطلب التعيين في المحكمة العليا دعم سبعة من أعضاء اللجنة التسعة للقرار.

والأعضاء التسعة الحاليون هم رئيس المحكمة العليا، وقاضيان آخران بالمحكمة العليا يختارهما قضاة المحكمة العليا ووزير العدل ووزير آخر في مجلس الوزراء، بالإضافة إلى عضوين في الكنيست يختارهما الكنيست وعضوين من نقابة المحامين في إسرائيل.

في نظر الحكومة، فإن هذا التوازن يعطي الكثير من السلطة للمسؤولين غير المنتخبين، ونتيجة لذلك، اقترحت الحكومة في الأصل تغييرات بحيث تشمل اللجنة ثلاثة وزراء، واثنين من أعضاء الائتلاف، وشخصيتين عامتين تختارهما الحكومة، مما يعني أغلبية 7-4 أصوات للأعضاء الموالين للحكومة.

لكن، وبعد ضغوط من الولايات المتحدة، تم إجراء تغييرات على مشروع القانون بحيث تتكون اللجنة من ثلاثة وزراء في مجلس الوزراء، وثلاثة نواب من الائتلاف، وثلاثة قضاة، واثنين من نواب المعارضة، مما يمنحها أغلبية 6-5 أصوات.

لماذا هناك احتجاجات؟

تحب إسرائيل أن تتباهى دائماً بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، حيث ينبع جزء كبير من هذا التصور الذاتي من وجود قضاء مستقل.

 وبالنسبة للمواطنين الإسرائيليين على الأقل، كان يُنظر إلى هذا على أنه أمر يحمي الحريات المدنية في البلاد ويضمن الفصل بين السلطات، لكن مشاريع القوانين المقترحة طعنت في هذا الأمر، مثيرةً حالة من القلق في جميع أنحاء البلاد.

وبالرغم من أن الجزء الأكبر من المعارضة يأتي من أحزاب ونشطاء يسار الوسط، إلا أن العديد من السياسيين والمسؤولين المؤسسيين السابقين واليمينيين ينتقدون بشدة تلك الخطط.

وحذر مجموعة من كبار مسؤولي المخابرات السابقين من انزلاق إسرائيل نحو “الديكتاتورية”، مشيرين إلى الإصلاحات القضائية تمثل خطوة رئيسية على هذا الطريق.

كما يزعم الكثيرون أن إصلاح القضاء يمثل “انقلابًا”، فيما شهدت إسرائيل حتى الآن، 11 أسبوعًا متتاليًا من الاحتجاجات ضد التشريع، خرج خلالها آلاف الأشخاص إلى شوارع تل أبيب وحيفا والقدس ومدن أخرى هاتفين ضد التغييرات. 

كما انضمت شخصيات سياسية بارزة إلى الاحتجاجات، كزعيم المعارضة يائير لبيد الذي خاطب المحتجين في مدينة أشدود الأسبوع الماضي، محذرا من “المضي قدما في التشريع وتحويل إسرائيل إلى دولة غير ديمقراطية”.

ردود الأفعال الدولية

تمثل رد الفعل الدولي على التشريع المقترح بانتقادات من قبل العديد من حلفاء إسرائيل التقليديين الذين دعوا الحكومة إما لتقديم تنازلات أو إلغاء المقترحات بالكامل.

وحذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نتنياهو من أن إسرائيل بالمضي قدماً في تمرير التشريع تخاطر “بفصل” نفسها عن الديمقراطية، بينما قال المستشار الألماني أولاف شولتس إن لديه “قلق كبير” وأن القضاء يمثل “مصلحة ديمقراطية كبيرة”.

وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد قال يوم الأحد لنتنياهو، الذي لم تتم دعوته بعد إلى البيت الأبيض منذ إعادة انتخابه، إن القيم الديمقراطية هي السمة المميزة للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية وأنه يؤيد إيجاد حل وسط بشأن التشريع.

لكن رد المملكة المتحدة جاء على النقيض تماماً إذ أقرت المملكة اتفاقية تجارية وأمنية جديدة مع إسرائيل وأعربت عن ترحيبها بنتنياهو في لندن هذا الأسبوع.

مقالات ذات صلة