ما الذي يعنيه أن تنجب امرأة في ظل الحرب في غزة؟!

بقلم ولاء صباح

ترجمة وتحرير مريم الحمد

تواجه النساء الحوامل في غزة تحديات الولادة في ظل الحرب في غزة، بالإضافة إلى تحملهن لمصاعب ما بعد الولادة كذلك، بما في ذلك نقص الدواء والغذاء والماء.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فهناك حوالي 50 ألف امرأة حامل في غزة و180 حالة ولادة جديدة يومياً، كما أنه من المتوقع أن تواجه حوالي 15% من هؤلاء الأمهات الحوامل مضاعفات تتعلق بالحمل أو الولادة فيصبحن بحاجة إلى رعاية إضافية لا يمكن توفرها في القطاع!

لقد أصبحت هذه الرعاية الطبيعية ترفاً بالنسبة لأمهات غزة، في ظل منع وصول المساعدات واستهداف المستشفيات، مما ينتج عنه معاناة نفسية حادة تشعر بها تلك الأمهات، حين تحاول إحداهن إبقاء طفلها المولود على قيد الحياة خلال حرب أودت بحياة أكثر من 10 آلاف طفل.

“شاهدت امرأة في أسبوعها الثلاثين قد فقدت انقباضات الرحم بسبب الخوف، فاضطرت للخضوع لعملية قيصرية، لا أنسى كيف كانت هؤلاء النسوة يلدن وسط الجثث المتناثرة حولهن من عدة أيام بانتظار التعرف عليها” – فداء عيسى- نازحة في غزة

من بين تلك الأمهات، فداء عيسى التي تبلغ من العمر 28 عاماً وهي أم لطفلين وتعيش في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، كانت قبل بدء الحرب تنتظر بفارغ الصبر ولادة طفلتها آية.

تقول فداء: “كنا نعد الأيام بانتظار آية، وكانت ابنتي ملاك متحمسة لقدوم أخت تلعب معها، لكن العدوان دمر حلمنا، وتحولت سعادتنا إلى قلق وخوف حتى أصبح الحمل عبئاً على قلبي”.

نزحت فداء من منزلها في 14 أكتوبر بعد أن تلقى صهرها إخطارًا من الجيش الإسرائيلي بمغادرة المنزل، فغادرت على الفور مع طفليها أمير وملك خوفاً على مصير جنينها، تقول: “لقد كان أمرًا شاقاً أن أعتني بروح داخل رحمي خلال نزوحنا”.

بعد 20 دقيقة من خروجهم، بدأت فداء تنزف من الإرهاق والخوف، فتوجهت هي وعائلتها إلى منزل أحد الأصدقاء في منطقة مجاورة، لكن الصواريخ سقطت في مكان قريب، مما أجبرهم على الإخلاء جنوباً.

لا تفارق الفلسطينيين ذاكرة الأجداد عن التهجير، فهو أمر نشأوا عليه، إذ إن غالبية سكان غزة هم ممن طردتهم الميليشيات الصهيونية خلال نكبة عام 1948 أو من أولادهم وأحفادهم.

تقول فداء: “ذكرني النزوح  بالقصص المأساوية التي كانت جدتي الحبيبة ترويها لنا عن النكبة الفلسطينية، من التهجير القسري والانتقال من منزل إلى آخر والقصف المتواصل، كل هذا يحدث مرة أخرى وأنا أشهد ذلك مع أطفالي”.

البحث عن ملجأ

بعد وصولهم إلى الجنوب، ظنت فداء وعائلتها أنهم قد نجوا من الموت فق اعتقدوا أن الجنوب سيكون أكثر أماناً، ولكن بعد أسبوع، بدأت الشظايا تتساقط في المنطقة التي كانوا قد التجأوا إليها.

تقول فداء: “شعرت بالإرهاق الشديد فقد كنت أتنقل باستمرار من مكان إلى آخر بحثًا عن الأمان لأطفالي، لقد استنزفنا عاطفياً”، وعندما أدركت أنه لا جدوى من النزوح بحثاً عن أمان الكاذب، عادت إلى الشمال ولجأت إلى مستشفى كمال عدوان، حيث كانت تعيش والدتها.

تقول فداء: ” كانت أمي تطمئنني مؤكدة أن الحرب ستنتهي، وكانت تشجعني على إعداد الملابس لطفلتي القادمة، فكل شيء يصبح أسهل بوجود والدتي”، لقد كانت فداء شاهداً على حال عشرات النساء الحوامل  اللاتي لجأن إلى المستشفى مع اقتراب موعد ولادتهن.

تقول فداء: “شاهدت امرأة في أسبوعها الثلاثين قد فقدت انقباضات الرحم بسبب الخوف، فاضطرت للخضوع لعملية قيصرية، لا أنسى كيف كانت هؤلاء النسوة يلدن وسط الجثث المتناثرة حولهن من عدة أيام بانتظار التعرف عليها”.

تصف فداء المشهد بقولها: “كانت النساء الحوامل يصرخن أثناء المخاض مع عدم وجود قابلات أو مواد تخدير متاحة للعمليات القيصرية”، مؤكدة أنه لم يكن هناك سوى عدد قليل من الأطباء أو الممرضات لعلاج الجرحى ومعالجة الموتى ومساعدة النساء الحوامل، الأمر الذي أدخلها في حالة اكتئاب!

رحيل إجباري مجدداً

لقد أدت الحرب إلى تدمير أكبر المستشفيات في غزة، فقد اعتبرتها إسرائيل أهدافاً في الحرب بحجة تواجد حماس فيها، هكذا بررت هجومها على مستشفى الشفاء في مدينة غزة بزعم أنه يضم قاعدة تحت الأرض لحماس، وهي ادعاءات ثبت أنها كاذبة.

رغم كشف كذبها، إلا أن ذلك لم يمنع إسرائيل من استهداف المستشفى الإندونيسي، وهناك خافت فداء من أن يكون مستشفى كمال عدوان التي تمكث فيه الهدف التالي،  فقررت التحرك مرة أخرى نحو الجنوب من أجل طفلها الذي لم يولد بعد.

من المفارقات المؤلمة أنه كان يجب على فداء الحصول على الخضراوات والفواكه والغذاء الكافي لالتئام جرحها، ولكن ذلك لم يكن ممكناً بسبب عدم وجود ذلك الغذاء!

تقول فداء: “مسحت دموعي وقررت أن أكون قوية من أجل أطفالي،  وتوسلت إلى والدتي لتأتي معي لكنها بقيت هناك”، وفي النهاية، غادرت فداء مع زوجها وأطفالها، تقول “لقد دعوت الله ليمدني بالقوة،  وشكرت والدتي على كل ما فعلته من أجلي وغادرت مع زوجي إلى رحلة جديدة من المصاعب هذه المرة”.

مواجهة القوات الإسرائيلية

أثناء الرحلة إلى الجنوب، اكتشفت فداء أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قد أقامت نقاط تفتيش على الطرق التي خصصتها باعتبارها “آمنة”، مؤكدة أنهم أُجبروا على الانتظار عند نقطة التفتيش لمدة 5 ساعات إلى جانب فلسطينيين آخرين، وتعمد الجنود الإسرائيليون إطلاق النار فوق رؤوسهم من أجل “التلاعب” بأعصابهم.

خلال تلك الساعات، مُنعت فداء من الجلوس رغم حملها، كما قام الجنود الإسرائيليون بتفتيشها وسرقوا الأموال والذهب وغيرها من الأشياء الثمينة التي كانت بحوزتها!

تصف فداء المشهد بقولها: “اقترب مني أحد الجنود وأمرني بالوقوف والجلوس لأكثر من 30 دقيقة، رغم علمه بحملي، كان ذلك مؤلماً، فبدأت أنزف مرة أخرى وكان الدم يغطي ملابسي، فانهمرت الدموع على خدي، وفي تلك اللحظة تمنيت لو لم أكن حاملاً”!

وكشاهد عيان آخر، أكدت فداء أن أشخاصاً قد تم إعدامهم بالفعل أمام أعينهم!

في المساء، سُمح لفداء وعائلتها بالمرور إلى جنوب غزة مع مئات العائلات الأخرى تحت القصف، الأمر الذي شبهته فداء بالنكبة فقالت: “لقد عشت النكبة الفلسطينية فعلاً، تذكرت كل نصائح جدتي،  أن أحمل أطفالي وإلا فقد أفقدهم، وأن أحمل أمتعتي بشكل صحيح، وإلا فسوف يرحلون، لقد تعلمت من أخطائها في نكبة 1948، حتى أني كنت أنادي على أسماء أطفالي بين برهة وأخرى لأتأكد أنهم ما زالوا حولي”!

الولادة في خان يونس

وصلت فداء مع عائلتها إلى خان يونس عند منتصف الليل في ليلة ماطرة عاصفة، فنصبوا خيمة مع عائلة أخرى، تقول فداء: “انتهى بي الأمر بملابس مبللة بالمطر ومتسخة بالدماء، ولا يوجد مكان خاص للاستحمام أو النوم فيه”.

طوال شهر نوفمبر، طورت فداء روتينًا جديدًا في المخيم، تضمن الاستيقاظ في الساعة 7 صباحًا للوقوف في الطابور لمدة 2-3 ساعات من أجل الحصول على الخبز أو لاستخدام المراحيض العامة في المنطقة.

كل جانب من جوانب ولادة آية كان صعباً، حتى أنها ولدت بدون ملابس، واضطر زوج فداء إلى شراء ملابس مستعملة لكسوتها!

مع دخول أول أيام ديسمبر، ذهبت فداء لزيارة مستشفى ناصر لإجراء فحص طبي، وهناك قرر الأطباء أن الجنين في خطر بسبب زيادة السائل الأمنيوسي فرتبوا لإجراء عملية قيصرية في اليوم التالي رغم أنه قد بقي على موعد الولادة أكثر من أسبوعين.

تقول فداء: “كل ما كنت أتمناه هو أن تمسك أمي بيدي وتؤكد لي أن كل شيء سيكون على ما يرام، ولكن لم يكن هناك أمل”.

معاناة ما بعد الولادة

ولدت آية في 2 ديسمبر، لتبدأ مرحلة المعاناة بعد الولادة، فقد كان على فداء العودة إلى خيمتها مباشرة لتوفير الأسرة مجانًا للوافدين الجدد!

لقد كان المخيم يفتقر إلى مرافق الصرف الصحي لمساعدتها خلال الأيام والأسابيع القليلة الأولى من حياة آية، ولم يكن متسع لأي خصوصية تُذكر!

أشارت فداء إلى أنها كما العديد من النساء لم يكن لديهن فوط صحية، وكن مضطرات إلى إعادة غسل قطع القماش في المياه القذرة، وتقول: “لقد كان جسدي يرتجف من البرد، فلم يكن لدي سوى بطانية واحدة لي ولطفلي، وصار لدي فقر دم شديد وكنت بحاجة لوحدات دم لكنها لم تكن متوفرة في المستشفى”.

من المفارقات المؤلمة أنه كان يجب على فداء الحصول على الخضراوات والفواكه والغذاء الكافي لالتئام جرحها، ولكن ذلك لم يكن ممكناً بسبب عدم وجود ذلك الغذاء!

إن نقص العناصر الغذائية يعني أن فداء لم تعد قادرة على الرضاعة الطبيعية، وأصبحت المولودة آية مجبرة على الحليب الاصطناعي، والذي بدوره يعد مكلفاً ومهدداً بالانقراض هو الآخر!

إضافة إلى ذلك، تضطر فداء إلى غلي الماء لتحضير حليب طفلتها  باستخدام مواقد أشعلتها بنفسها، ومع ذلك، لا تزال آية تعاني من مشاكل في المعدة، حتى أن أمها تضطر احياناً “لوضع الماء في الزجاجة كما لو كان حليباً لمنعها من البكاء”.

كل جانب من جوانب ولادة آية كان صعباً، حتى أنها ولدت بدون ملابس، واضطر زوج فداء إلى شراء ملابس مستعملة لكسوتها!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة