بقلم محمد ألاجا
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد أصبح حزب العمال الكردستاني، الذي كان سبباً في تحديات كثيرة للعلاقات التركية العراقية، على وشك التفكك، حيث نقل موقع ميدل إيست آي بأنه من المتوقع أن يعلن حزب العمال الكردستاني قريباً عن نهاية كفاحه المسلح ضد تركيا، وذلك بناءً على طلب الزعيم المسجون عبد الله أوجلان.
والآن تتجه كل الأنظار نحو الكيفية التي ستتطور بها عملية التفكك هذه، فما من شك بأن حل الحزب ينذر بمستقبل مجهول بالنسبة لأعضائه القابعين في جبال قنديل، وهي المنطقة التي كانت بمثابة المقر الرئيسي لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق لعقود من الزمن.
تعتقد أنقرة أن طهران تستخدم جماعات مسلحة معينة لتقويض نفوذها في العراق، وبالتالي فإن حل حزب العمال الكردستاني يمكن أن يعزز من نفوذ تركيا في العراق
سوف يكون لنداء أوجلان، الذي يمثل نقطة تحول في الصراع المستمر منذ عقود بين حزب العمال الكردستاني وتركيا، تداعيات على الجهات الفاعلة الإقليمية، ومن الممكن أن يؤدي الإغلاق المحتمل لهذا الملف المضطرب إلى تغيير مسار العلاقات بين أنقرة وأربيل وبغداد بشكل كبير.
ويأتي هذا التحول الجيوسياسي بعد شن إسرائيل حربها المستمرة على غزة في أكتوبر عام 2023، والتي أعقبها بعد عام سقوط نظام الأسد في سوريا، حيث أضعفت هذه التطورات حلفاء إيران في المنطقة من جانب، كما دفعت أنقرة أيضاً إلى إعادة ضبط موقفها تجاه حزب العمال الكردستاني من جانب آخر.
ورغم تركيز تركيا على نزع السلاح أكثر من تركيزها على إضفاء الطابع الديمقراطي على القضية الكردية، إلا أن هذه العملية تظل ذات أهمية حاسمة بالنسبة للحكومة العراقية.
عمليات عابرة للحدود
لقد تجنبت بغداد تقليدياً تعريف حزب العمال الكردستاني، المتورط منذ فترة طويلة في صراع مع تركيا، على أنه قضية خاصة في إشارة إلى أن أربيل وأنقرة هما المسؤولين عن مواجهة الجماعة المسلحة.
على مدى سنوات، أثارت أنقرة غضب بغداد من خلال قيامها بعمليات عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني في الأراضي العراقية، وهو ما فسرته الحكومة العراقية على أنه انتهاك لسيادتها.
مع استراتيجية “القضاء على الإرهاب من مصدره” والتي تم تبنيها في السنوات الأخيرة، قامت تركيا بتوسيع عملياتها الجوية باتجاه السليمانية وسنجار، في حين أقامت العشرات من المواقع العسكرية داخل العراق، الأمر الذي وصفه الزعيم العراقي مقتدى الصدر وبعض القوات شبه العسكرية العراقية التي ترعاها الدولة داخل قوات الحشد الشعبي بأنه “احتلال”.
على صعيد آخر، أدت دبلوماسية أنقرة العنيدة، التي كانت تخاطر بالإضرار بالعلاقات الثنائية، إلى قيام بغداد بحظر حزب العمال الكردستاني العام الماضي، وبالتالي فإن نزع سلاح الحزب من الممكن أن يؤدي بالفعل إلى تحييد برميل بارود على طول الحدود المشتركة بين البلدين.
وكان مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، قد صرح مؤخراً أنه وبمجرد التوصل إلى قرار مع تركيا، فمن المتوقع أن تغادر “جميع الجماعات المسلحة والقوات الأجنبية” العراق، وذلك في إشارة إلى أن الوجود العسكري التركي في العراق كان مبرراً باعتباره رداً على أنشطة حزب العمال الكردستاني.
من الممكن أيضاً أن تنتهي العلاقات التكتيكية لحزب العمال الكردستاني مع إيران في هذا العصر الجديد، حيث تعتقد أنقرة أن طهران تستخدم جماعات مسلحة معينة لتقويض نفوذها في العراق، وبالتالي فإن حل حزب العمال الكردستاني يمكن أن يعزز من نفوذ تركيا في العراق.
من ناحية أخرى، يتعين على أنقرة، التي أقامت علاقات قوية مع الزعماء الشيعة في الأيام الأخيرة، أن تركز على الدبلوماسية العامة في هذه العملية، فرغم رغبة تركيا في البقاء في العراق لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية أو ردع إيران أو زيادة نفوذها بعد انسحاب أمريكي محتمل، إلا أن هذا قد يؤدي إلى تنشيط خطاب “المحتل” ضدها.
أرضية للحوار
سوف يؤدي حل حزب العمال الكردستاني ووضع حد لهجماته على البنية التحتية مثل خطوط أنابيب النفط إلى التأثير الإيجابي على الاقتصاد المحلي، حيث بلغت التجارة بين تركيا والعراق الآن 20 مليار دولار، كما يُنظر إلى حزب العمال الكردستاني على أنه يشكل تهديداً لمشروع تطوير السكك الحديدية والطرق السريعة.
لعل أحد الأسباب الرئيسية وراء معارضة أنقرة لاستفتاء الاستقلال الكردي في العراق عام 2017 هو خوفها من إثارة المشاعر الانفصالية بين أكراد تركيا
سوف يمثل حل المجموعة المسلحة أيضاً تحولاً إيجابياً للمنطقة الكردية في العراق، حيث كان حزب العمال الكردستاني لاعباً تخريبياً فقد احتل مئات القرى، بالإضافة إلى أن استهداف التنظيم للحزب الديمقراطي الكردستاني، المتعاون مع أنقرة، واشتباكاته مع البشمركة، ألحق الضرر بالقيادة الكردية العراقية مالياً ونفسياً.
لقد أدى تعزيز العلاقات بين حزب العمال الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني إلى تعقيد الأمور، مما عزز غضب أنقرة تجاه الحزب السياسي الذي يتخذ من السليمانية مقراً له.
وفي خضم عمليات أنقرة ضد حزب العمال الكردستاني في السليمانية وإغلاق المجال الجوي التركي أمام الطائرات التي تقلع من المدينة الشمالية، كنت قد التقيت بسياسي رفيع المستوى مؤخراً هناك، حيث أعرب عن سعادته حول عملية نزع السلاح المرتقبة، مشيراً إلى أن “حزب العمال الكردستاني ألحق بنا الأذى أكثر من تركيا”.
من جانب آخر، تقدر أنقرة دور القادة الأكراد العراقيين في مبادرة نزع السلاح والتي تحظى بدعم محلي واسع، فإذا تم القضاء على حزب العمال الكردستاني في نهاية المطاف، فسوف يتمكن الحزب الديمقراطي الكردستاني من الإفلات من الضرر الذي لحق بسمعته نتيجة العمل بالتنسيق مع تركيا في معركتها ضد الجماعة المسلحة.
تجدر الإشارة إلى أنه لم يرد أي ذكر للدولة الكردية المستقلة والحكم الذاتي في دعوة أوجلان لنزع السلاح، ولعل أحد الأسباب الرئيسية وراء معارضة أنقرة لاستفتاء الاستقلال الكردي في العراق عام 2017 هو خوفها من إثارة المشاعر الانفصالية بين أكراد تركيا.
ما من شك في أن عملية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني سوف تؤدي إلى بناء أرضية للحوار بين الأكراد في سوريا والعراق وتعزيز موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني حول القومية الكردية.
ومع ذلك، وفي ظل الخلافات الأيديولوجية الحادة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني، فإن المنافسة السياسية أمر لا مفر منه لاحقاً.
إن قيام حزب العمال الكردستاني بإلقاء أسلحته سوف يسهل في نهاية المطاف ذوبان الجليد بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وأنقرة والسليمانية، لكن الانقسامات التاريخية سوف تظل حاسمة في السياسة الإقليمية في الأشهر والسنوات المقبلة.