ما بعد سقوط الأسد: تحديات وفرص لتحقيق العدالة في سوريا برؤية مبتكرة

يمثل سقوط الرئيس السوري بشار الأسد فرصة لعملية العدالة الانتقالية المحلية، لكن الخبراء يتوقعون أن تستغرق المساءلة بعض الوقت.

وعقب تشكيل حكومة مؤقتة، بات من المهم إطلاق جهود المساءلة داخل سوريا، كما قال هادي الخطيب، مدير منظمة Mnemonic، التي تستضيف الأرشيف السوري.

يعمل فريق الخطيب على أرشفة الأدلة المرئية لانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا منذ عام 2014، ويضم الأرشيف السوري الآن أكثر من سبعة ملايين سجل توثق الفظائع التي ارتكبت منذ عام 2011، بغية استخدامها لدعم التقاضي في جرائم الحرب السورية.

أسهم الأرشيف السوري بالفعل في القضية المرفوعة ضد الأسد في فرنسا حيث اتُهم باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، لكن الخطيب قال إن هذه الجهود يمكن أن تُفعّل الآن داخل سوريا أيضًا.

وقال الخطيب: “وأخيراً، أصبحت لدينا القدرة على الوصول إلى هناك، ونحن قادرون على الذهاب إلى هناك دون أن يتم اعتقالنا ودون أن نشعر بالخوف”.

وفي حديثه لميدل إيست آي قال إبراهيم العلبي، وهو محامٍ سوري في مجال حقوق الإنسان يقيم في المملكة المتحدة، عن أمله في ألا تشهد سوريا ما بعد الأسد مثل هذه الفظائع مرة أخرى.

وأضاف: “الأمر الأكثر أهمية هو أننا نأمل ألا نوثق نفس الجرائم مرة أخرى، لن نوثق استخدام الأسلحة الكيميائية، والاعتقال الجماعي والتعذيب، والاختفاء القسري وما إلى ذلك”.

القلق بشأن المستقبل

وكمثل حال العلبي، فإن الخطيب يبدي تفاؤلاً حذراً تجاه ما ستؤول إليه الأمور، ويقول: “نحن قلقون تمامًا”، في إشارة إلى عدم اليقين بشأن القيادة السياسية لسوريا في المستقبل المنظور.

وأضاف: “نحن نراقب عن كثب، وليس لدي ثقة 100% في أي شخص في الوقت الحالي، لكنني أعتقد أن المستقبل القريب سيكشف الكثير من الأمور”.

وكان بشار الأسد قد فر مع عائلته إلى روسيا الأسبوع الماضي مع تقدم الثوار نحو العاصمة السورية دمشق، حيث منحتهم موسكو حق اللجوء.

وقال توبي كادمان، المحامي الدولي في مجال حقوق الإنسان والذي عمل على نطاق واسع في سوريا أن فرص محاكمة الأسد في روسيا أو تسليمه للمحاكمة في الخارج أصبحت ضئيلة الآن.

وأضاف: “أعتقد أننا يمكن أن نعتبر ذلك تفاؤلاً ساذجًا، لكنني أعتقد أنه يتعين علينا أن نفكر في أنه في مرحلة ما سيكون هناك مكان يمكن أن يخضع الأسد وقيادته العليا للمحاكمة فيه، لكنني أعتقد أن من الأفضل أن يتم ذلك في محكمة دولية لا في إطار محلي”.

“أي نظام للمساءلة يجب أن يقوم به السوريون في سوريا في لا بد وأن يتم في دولة ديمقراطية مستقبلية، لكن العملية ستستغرق وقتًا طويلاً جدًا نظرًا لتعقيد الصراع السوري، وسوف يستغرق الأمر سنوات وعقودًا” – توبي كادمان، محامي حقوق الإنسان

وكان كادمان، المؤسس المشارك لمؤسسة جيرنيكا 37 التي تتخذ من لندن مقراً لها، في طليعة من رفعوا الدعاوى القضائية الدولية بشأن الفظائع السورية.

فقد عمل على أول قضية رفعت ضد حكومة الأسد في الولايات المتحدة، وأول قضية بموجب الولاية القضائية العالمية في إسبانيا، وأول قضية أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وإلى جانب العلبي، فإن كادمان ضمن الفريق الذي يساعد هولندا في القضية المرفوعة ضد دولة سوريا أمام محكمة العدل الدولية بشأن انتهاكات مزعومة لاتفاقية مناهضة التعذيب.

وقد استندت الجهود الرامية إلى رفع قضية سوريا أمام المحكمة الجنائية الدولية إلى مزاعم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية من ترحيل قسري واضطهاد ضد أكثر من مليون سوري أجبروا على النزوح إلى الأردن، العضو في المحكمة الجنائية الدولية، أثناء الصراع.

وقال كادمان، الذي كان جزءًا من الفريق القانوني الذي قدم طلبًا إلى المدعي العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية لتطبيق مبدأ ميانمار على الوضع في سوريا، إن تأسيس ولاية قضائية على الجرائم عبر الحدود التي ارتكبها السوريون على أراضي دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية كان السبيل الوحيد الممكن لبدء قضية أمام المحكمة. 

ومثل ميانمار، فإن سوريا ليست طرفًا في نظام روما الأساسي، المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية.

وتستند ولاية المحكمة في قضية ميانمار إلى عضوية بنغلاديش في المحكمة الجنائية الدولية، والتي يمكنها ممارسة الولاية القضائية على الجرائم إذا وقع عنصر من عناصر الجريمة على أراضي دولة عضو، بغض النظر عن جنسية الجناة.

لكن كادمان أشار إلى أنه يمكن أن تتم حالياً عملية إحالة أكثر مباشرة، موضحاً أن الحكومة الديمقراطية الجديدة يجب أن تصادق على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وأن تحيل الوضع منذ أوائل عام 2011 إلى المحكمة.

كما أكد على ضرورة أن تجري عملية المساءلة الدولية بالتوازي مع جهود العدالة المحلية، وقال أنه يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تساعد في هذه الجهود.

عند مفترق طرق

ويواجه الأسد الذي أطيح به يوم الأحد في تقدم غير دموي للثوار المسلحين تهماً بالإشراف على الفظائع واسعة النطاق ضد المدنيين في سوريا في أعقاب الحملة العنيفة على المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في عام 2011.

“سنحتاج إلى إعادة ضبط مصنع لنهجنا في المناصرة لأننا كنا دائمًا ننظر إلى الفرص الصغيرة والنوافذ الصغيرة، مثل مبدأ ميانمار، الذي كنا ندفعه لبعض الوقت لتفعيل الاختصاص القضائي هناك، مع التركيز على أشياء مثل الأسلحة الكيماوية حيث يوجد إجماع” – إبراهيم العلبي، محامي حقوق الإنسان الدولي

وكان حوالي نصف مليون سوري قد قضوا في الصراع، الذي أدى إلى نزوح 12 مليون آخرين، أجبر نصفهم على طلب وضع اللاجئ في الخارج، في حين أُخفي الآلاف قسراً وتعرضوا للتعذيب في حالات اعتقال قاسية مثل ظروف سجن صيدنايا سيء السمعة، حيث يُعتقد أن ما لا يقل عن 30 ألف شخص لقوا حتفهم على مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية.

كما أدى العنف إلى صعود تنظيم الدولة (داعش) وأزمات اللاجئين في تركيا ولبنان وأوروبا، في حين استخدمت الحكومة السورية الأسلحة الكيماوية لمهاجمة المدنيين في ريف دمشق في عام 2013 ومدينة خان شيخون الشمالية في عام 2017، مما خلق صدمة في أرجاء العالم سيما الغرب الذي ظل مصراً رغم ذلك على تجنب التدخل العسكري الكبير.

وقال العلبي إن المدافعين السوريين عن العدالة بحاجة إلى التفكير بشكل مختلف عما اعتادوا عليه قبل الإطاحة بالأسد، مضيفاً “ولكننا الآن عند مفترق طرق حيث قد يكون لدينا بالفعل شيء شامل يحدث في سوريا بدعم من المجتمع الدولي، ولذلك هناك الكثير من التفكير والتخطيط الاستراتيجي الذي يتعين القيام به.”

مقالات ذات صلة