بقلم ملاك بن سلامة دبدوب
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
في وقت سابق من هذا الشهر، أيدت المحكمة الإدارية العليا في فرنسا قرار الحكومة بحظر ارتداء العباءات في المدارس، رغم أن جماعة حقوقية إسلامية كانت قد بيّنت أن هذا الإجراء كان تمييزيًا.
وبذلك، سحقت المحكمة آخر ما تبقى من أمل في حماية الحريات الأساسية واستعادة العدالة للنساء المسلمات في فرنسا.
وبررت الحكومة الفرنسية حظر العباءة على أساس المبدأ الدستوري للعلمانية، لكن من الصعب أن نتصور كيف يشكل ارتداء مجموعة صغيرة من الفتيات للعباءات تهديداً للعلمانية في فرنسا.
وفقًا لموقع AJ+، يمثل عدد التلميذات اللاتي يرتدين العباءات في المدارس أقل من 0.00005% من إجمالي الطلاب في فرنسا.
إلا أن العشرات من التلميذات أُعدن إلى بيوتهن منذ بداية العام الدراسي بسبب ارتدائهن العباءات، وكان من بين المستهدفات فتاة تبلغ من العمر 15 عامًا ترتدي الكيمونو الياباني، وأخرى ترتدي قميصًا وبنطالاً واسعاً.
لقد شرعت الدولة الفرنسية في رحلة تسلطية مثيرة للقلق للتحكم في مدى طول الثوب ومستوى “فضفاضيته”، وكل هذا باسم العلمانية.
ينص قانون حظر العباءة على ضرورة تقييم المعلمين لـ “السلوك” العام للطالبات من أجل تحديد ما إذا كانت قطعة الملابس تتعارض مع العلمانية، ووفقا للمحامي الحقوقي نبيل بودي، فإن هذا يضفي، ضمناً، الشرعية على التمييز على أساس العرق والدين.
“إذا كان اسمي سميرة وأرتدي الكيمونو أو العباءة، فهي ملابس دينية، لكن إذا كان اسمي صوفي وأرتدي نفس الكيمونو، فهذه ليست ملابس دينية”.
ففي عام 1989، قضت المحكمة نفسها بأن حظر الحجاب في المدارس يعد انتهاكًا صارخًا للحريات الأساسية، مشيرة إلى وجوب أن يكون جميع التلاميذ قادرين على الحصول على التعليم بغض النظر عن معتقداتهم الدينية.
خلّف هذا القرار استياءً لدى الحكومة الفرنسية، وأصدر البرلمان بعد ذلك قانونًا في العام 2004 يحظر جميع الرموز الدينية في المدارس، بما فيها الحجاب، وواصلت فرنسا منذ ذلك الحين التحكم في أجساد النساء المسلمات تشريعياً، وتحديد ما يمكنهن أو لا يمكنهن ارتداؤه.
وخلال عام 2010، سنّت فرنسا قانوناً يحظر ارتداء النقاب الذي يغطي الوجه بالكامل في الشارع، مثل الخمار و البرقع، فيما وصفت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة هذا التشريع بأنه يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان.
وفي عام 2016، حظرت بعض الشواطئ في جنوب فرنسا ارتداء ملابس السباحة التقليدية للنساء المسلمات المعروفة باسم البوركيني، وقد ولّد نشر صورة تظهر الشرطة الفرنسية بينما كانت تُجبر امرأة مسلمة على خلع ملابسها على الشاطئ غضباً في أوساط الكثيرين.
التقليد الإمبراطوري
لم يقف أمر الملحمة عند ذلك الحد، فخلال هذا الصيف، أيدت أعلى محكمة إدارية في فرنسا قرار الاتحاد الفرنسي لكرة القدم بمنع النساء من ارتداء الحجاب، فيات حظر العباءة يتناسب مع التاريخ القانوني لفرنسا في تجريد النساء المسلمات من ملابسهن.
يعتبر قرار المحكمة دليلاً مثاليًا على كيفية سلوك مؤسسات الدولة المختلفة معًا لدعم التمييز، والمفارقة هنا هي أن العلمانية تتطلب الفصل الصارم بين الكنيسة والدولة، وهذا يعني أن الدولة لا ينبغي لها من حيث المبدأ أن تتدخل في الشؤون الدينية.
ويبين الحظر أيضًا كيفية عمل مؤسسات الدولة الفرنسية معًا لدعم العنصرية المؤسسية، بما يتناسب مع تقاليد الإمبراطورية الممتدة والمتمثلة في إخضاع أجساد النساء المسلمات.
يرجع الهوس الفرنسي بهذا النوع من التنظيم إلى العصر الاستعماري، إذ لطالما كان المسافرون والمستعمرون الأوروبيون مهووسين بالحجاب، فالاستعمار لم يكن قط مقتصراً على الاستغلال الاقتصادي، بل كان يشمل الهيمنة السياسية والأيديولوجية.
وخلال عام 1959، وضّح الكاتب المناهض للاستعمار فرانز فانون عن الحكم الاستعماري الفرنسي في الجزائر:” إذا أردنا تدمير بنية المجتمع الجزائري، وقدرته على المقاومة، فيجب علينا أولاً وقبل كل شيء أن نقهر النساء، يجب أن نذهب ونجدهن وراء الحجاب حيث يختبئن وفي المنازل حيث يخفيهن الرجال عن الأنظار”.
وبالتالي، كان التعامل مع حجاب النساء المسلمات سمة أساسية للاستعمار، اتباعاً للادعاء المغلوط بأن القوى الاستعمارية كان يقع على عاتقها مسؤولية “جلب التحضر للعرق الأدنى”.
وتفترض هذه “المهمة الحضارية” أن النساء المسلمات “المتخلفات” لا يعرفن كيف يتحررن، وأنهن بحاجة إلى الإنقاذ من ثقافتهن ودينهن.
النسوية البيضاء
خلال فترة الاستعمار، أجبرت السلطات الاستعمارية الفرنسية النسوة الجزائريات على خلع الحجاب باسم “الحرية”، لكنها مارست في ذات الوقت الاغتصاب والتعذيب بحقهن.
ولا يزال هذا السياق التاريخي الاستعماري حاضراً في سياسات اليوم، بما في ذلك الحركة النسوية الإقصائية.
ما يثير القلق أكثر هو صمت الحركة النسوية في فرنسا، فلا شك أن السيطرة على أجساد النساء وتشريع ما يمكن لهن ارتداؤه أو عدم ارتدائه هو أمر مناهض للنسوية، لكن الحركة في فرنسا ظلت صامتة بشكل لافتٍ عندما يستهدف التمييز النساء المسلمات.
لم يخفق الناشطون والكتّاب الداعمون للنسوية في فرنسا في دعم النساء المسلمات فحسب، بل من المفارقة أنهم دعموا إخضاعهن باسم النسوية.
وقد كتبت أيقونة الحركة النسوية الفرنسية إليزابيث بادينتر في عام 2009 عن النساء المسلمات اللاتي يرتدين النقاب:” ألا تعلمين أنك تثيرين عدم الثقة والخوف؟ … لماذا لا تذهبين إلى المملكة العربية السعودية أو أفغانستان حيث لن يطلب منك أحد إظهار وجهك؟”
مثال آخر على النسوية البيضاء الإقصائية والمحتقرة هي جماعة فيمن، التي نظمت مظاهرات تدعو النساء المسلمات إلى “التعري”.
ويعكس هذا الموقف وجهة نظر متعالية، تفترض أن المرأة المسلمة لا تعرف ما هو الصحيح لها، ولا تعرف كيف تكون حرة، وتحتاج إلى التعلم، إنه شكل إقصائي للنسوية، ضار للغاية.
يتعين على النسويات الغربيات تبني وجهة نظر تتفهم أن النساء المسلمات قادرات على تحديد ماهية النسوية بالنسبة لهن، فهن يتمتعن بالحرية وباستطاعتهن تحديد شروط التحرر الخاصة بهن بدلاً من الخضوع لتحرر قسري.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)